العدد 4704 - الجمعة 24 يوليو 2015م الموافق 08 شوال 1436هـ

القرارات الخاطئة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

دعونا نرجع بالذاكرة قليلاً. يقول المؤرخون أن ما بين العام 1816 والعام 1965 وقعت 74 حرباً دولية. وإذا ما استثنينا الحربين العالميتين الأولى (1914 - 1918) والثانية (1939 - 1945) فهذا يعني أن هناك 72 حرباً أخرى. وإذا ما قلنا أن بعضاً منها قد جرى في الشرق حيث حرب اليابان ضد الصين والحرب الكورية وحروب شبه القارة الهندية، فهذا يعني أن الحروب الأكثر قد وقعت في الغرب، وهي الحقيقة التاريخية التي لا جدال فيها، سواء وقعت بشكل مباشر أو بالتحالفات المضادة.

لن نتحدث عن الحرب الإدواردية ولا الحرب الكارولينية ولا الحرب الانكاستريانية كإرث للبغضاء الفرنسية الانجليزية ضمن 100 عام من الصراع؛ لأنها وقعت في عصور سبقت الحقبة التي نرصدها، لكننا نتحدث عن فترة سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية بسنوات. حينها كانت أوروبا (والغرب عموماً بما فيه العالم الجديد) تعيش على كفّ عفريت. وكان الخلاف الأوروبي الأوروبي، والأميركي الأوروبي شديداً، ويصل إلى العظم. لكن ذلك الخلاف كان قد توقف في الأزمات الكبرى.

عندما ظهرت النازية في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا في الثلاثينات تنبّه الغرب إلى أنه يجب أن يعيد الحساب من جديد. فالنازية كانت تهديداً للوجود الأوروبي الذي هو وريث عصر التكوُّن التنويري ما بعد الثورة الفرنسية، وفكر هيردر وفيخته وشيللنغ وهويلدرلن وبستالوتزي وفويسلي وفيلاند، وأن حالة الإلغاء الجديدة هي أكبر من خلافات بولندية فرنسية أو فرنسية انجليزية، بل وحتى أكبر من خلافات روسية انجليزية إذا ما وسّعنا حلقة الصراع نحو الشمال الغربي والشمال الشرقي. لذلك، توحّد الغرب ضد ذلك الطارئ مُحيِّداً خلافاته أو منهِياً إياها.

الغرب كان يعتقد بأن الجغرافيا الواحدة والإقليم الأوروبي والمكوّن الغربي بأجمعه (أنغلوساكسوني/ فرانكفوني) لا يمكن أن يتبدَّل أو أن تُلغَى منه دول أو شعوب أصيلة فيه (كما فعلت النازية مع الشعب الفرنسي والبولندي والبلجيكي وجزء من الاسكندنافي) وبالتالي تُصبح المعركة الأولى هي مع صاحب التهديد الوجودي. لذلك، لجأ الغرب كله لقتال النازية والفاشية، ودفع في سبيل ذلك مئات الملايين من القتلى والجرحى والمفقودين دون أن ييأس.

هنا، نقطة مهمَّة يجب أن نتنبّه لها نحن العرب والمسلمون؛ تُرى ما هو التهديد الحقيقي للعرب وللعالم الإسلامي، والذي يُهدّدنا في وجودنا، ووجود شعوبنا؟ أليس إسرائيل هي مَنْ ينطبق عليها ذلك، وما عداها يُمكن أن يكون أمراً آخر؟ ألَم يُرحَّل شعب بالكامل إلى الشتات، وتُؤخذ أرضه (لا إلى ضمها إلى دولة أخرى أو تقسيمها بل) إلى محو تاريخها وهويتها وكأن شيئاً لم يكن فيها، ولا أنفس عمرتها ولا أجيال نشأت فيها، ولا تاريخ كان بها. هذا ما جرى بالتحديد.

أخطأ بعض العرب كثيراً وما يزالون يُخطئون. لن نُكرِّر ما فعلوه طيلة 7 عقود أو يزيد على ذلك فقد يُصبح ذلك مملاً، لكننا نتساءل عن الحاضر وأين هي البوصلة الآن. إنها القرارات الخاطئة في الأزمات. في لحظة ما، لم يجد العرب أنفسهم (أو بعض منهم على الأقل) وهم ينظرون إلى أن مسألة فلسطين باتت «قديمة» و»مملة» فقط، بل وإن إسرائيل يمكن التفاهم معها ضد أطراف عربية. نعم تُستَدعى إسرائيل كي نكون معهم ضد طرف عربي وأصيل في المنطقة! باعتقادي، لم يعد هناك كثير من الغموض فيما يجري. وكي نتيقن أن ذلك قد حدث، دعونا ندقق في هذا الخبر؛ صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية نشرت خبراً قبل فترة يكشف «النقاب عن لقاءات جرت في عامي 2012 و2014 بين مسئول إسرائيلي بجهاز أمني وقيادات من المعارضة السورية، وجرت هذه اللقاءات في إحدى الدول الغربية». وأشارت الصحيفة إلى أن هذه اللقاءات جرت بتكليف مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث طالبت المعارضة بتدخل مباشر من إسرائيل ضد الأسد، وأن لا تكتفي بالدعم الإنساني فقط!

عندما قرأت ذلك لم أستغرب حينما تقدم «مئات النشطاء التابعين للجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك) المؤيدة لإسرائيل، للضغط على الكونغرس الأميركي للقيام بعمل عسكري في سورية» قبل سنتين، لأن هناك مَنْ يُعطي غطاءً لهذا الأمر من أناس سوريين يتمنّون على العدو الأصيل في المنطقة أن يكون لهم عوناً ضد بلدهم! نعم البلد، وليس النظام كما يعتقد البعض أو يريد أن يُصوِّر لنا، بالضبط كما فعلت المعارضة العراقية مع نظام صدام حسين حينما تحالفت مع الغرب ضده كنظام، ثم اتضح أن الإجهاز كان على الدولة العراقية كلها!

أختم باستحضار شيء من التاريخ، وهو حين اتفقت الدولة العثمانية مع 4 قوى عالمية، قبل أزيد من 175 عاماً، فيما عُرِفَ حينها بـ»اتفاق لندن»، ضد محمد علي باشا في مصر، وقبلها تعويل الأخير على الخلاف الفرنسي الإنجليزي، لكن النهاية كانت، أنْ قُضِيَ على مشروعه في مصر وسورية. ثم، وبعد أقل من 8 عقود، قُضِيَ على الدولة العثمانية حتى قُسِّمَت ممتلكاتها وأراضيها وحُمِّلت تكاليف باهظة دفعتها الشعوب التركية، والسبب هو القرارات الخاطئة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4704 - الجمعة 24 يوليو 2015م الموافق 08 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً