العدد 4709 - الأربعاء 29 يوليو 2015م الموافق 13 شوال 1436هـ

واأسفاه على البخيل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يعتبر البُخل من الصفات المذمومة جداً. كما يُعَدُّ واحداً من الأمراض الاجتماعية الخطيرة التي لا تقل عن غيرها من الآفات، وما تجلبه من مشكلات تُهدِّد حياة الناس وسكنهم. وفي العام الماضي عندما أجريتُ استطلاعاً حول المرأة (نُشِرَ في «الوسط») تبيَّن لي مدى خطورة البُخل على مستقبل الأسر، وأنه قد يتحوَّل إلى معول هدم ليس للحياة الزوجية فقط بل للصداقات ولكافة أشكال العلاقات الاجتماعية الأخرى.

فعندما سُئِلَت النسوة عن أكثر ما يُغيظهن في شريك حياتهن، أجابت 9 في المئة منهن بأن مشكلتهنّ الأولى والأساسية والأهم مع الشريك هي اتصافه بالبُخل. لم يقلن بأن مشكلتهن هي في عدم قضائه وقتاً كافياً معهن ولا في لزومه الصّمت عن سؤالهن له، ولا في فرض رأيه عليهن، ولا في سخرية الشريك منهن، بل قلن: البُخل وحسب. ولنا في ذلك فسحة تأمُّل جادة أيها الأحبة.

للأسف يخلط البعض ما بين البُخل الذي يعني المنع والإمساك، وبين الاقتصاد في البذل الذي يعني التدبير. لذلك جاء في الأثر: «إنَّ للاقتصادِ مقداراً فإِن زاد عليهِ فهو بُخل». بينما البعض الآخر يخلط ما بين البُخل وبين الإنفاق. فالإنفاق والبذل هو سخاء وكرم وجُود حتى يصل لأسمى درجاته وهو الإيثار كما جاء، ولذلك لا ارتباط بينهما مطلقاً.

في مشوار الحياة يكتشف المرء، أن البُخل يُصبح مرضاً نفسياً. فالبعض يُمسك عن إنفاق ما لا ينفعه وما لا يحتاجه. والبعض لا يرغب أن يرى شخصاً يُعطي آخر من ماله أو مما يملك. وهناك مَنْ يمتد بخله حتى على نفسه. بل ووُجِدَ مَنْ يحبس علمه عن الآخرين حرصاً. والحقيقة، أنني وجدتُ تلك النماذج متحقّقةً عند بعض الناس بشكل مقزِّز.

وقد وَرَدَ في الشروح أن بخلَ أصحاب الأموال أو ممن يمتلكون مركزاً رئاسياً أو اجتماعياً أقبح من بخل الآخرين (ممن هم أقل منهم مالاً ومركزاً ومنزلة). وهناك بخل عُدَّ كأقبح أنواع البخل وهو البُخل في دفع الحق المالي لمستحقيه في الوقت الذي يكون فيه المُطالَب مقتدراً وميسوراً. فهو يتهرب من ذلك أو يُوهِم الآخرين أنه غير ملتفتٍ إلى الأمر، معوّلاً على الوقت والزمن كي يُنسِيه دفع ذلك الحق.

وقد وجدتُ نصاً غاية في الروعة لأبي حامد الغزالي (450 – 505 هـ) في البُخل ينبغي التدقيق فيه. يقول: «لا تظن أن من سلّم إلى زوجته وقريبه ما فرضه القاضي، وضايق وراء ذلك في لقمة، ليس ببخيل، وأن من رَدَّ الخبز واللحم إلى الخباز والقصَّاب لنقصان قدر منه يسير ليس ببخيل، وإن كان له ذلك في الشرع، فإن معنى الشرع في هذه الأمور قطع خصومة البخلاء بتقدير مقدار يطيقه البخيل؛ ولذلك قال اللّه تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا» (سورة محمد، 37).

ثم يقول: «بل لابدّ من مراعاة المروءة ودفع قبح الأحدوثة، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وقدر المال. ومن له مال وأمكنه أن يقطع هجو شاعر وذمه عن نفسه بقدر يسير فلم يفعله، فهو بخيل، وإن لم يكن ذلك واجباً عليه، إذ قال (ص): ما وقى المرء به عرضه فهو له صدقة. والتحقيق فيه أن المال خُلِقَ لفائدةٍ لأجلها يمسك، وفي بذله أيضاً فائدة. فمهما ظهر له أن فائدة البذل أعظم من فائدة الإمساك، ثم شق عليه البذل فهو بخيل محب للمال».

فالمال، حسب رأي الغزالي «لا ينبغي أن يُحَبّ لذاته بل لفائدته، فيصرف إلى أقوى فائدة. وحفظ المروءة أفضل وأقوى من التنعُّم بالأكل الكثير مثلاً. وقد يحمله البخل وحبّ المال على أن يجهل أقوى الفائدتين وأولاهما وذلك غاية البُخل. فإن علم وعسر عليه البذل فهو بخيل أيضاً، وإن بذل تكلّفاً؛ بل إنما يبرأ من البُخل بأن لا يثقل عليه بذل المال فيما ينبغي أن يبذل فيه عقلاً وشرعاً. وأما درجة السخاء، فلا تنال إلا ببذل ما يزيد على واجب الشرع و المروءة جميعاً». وهو من أروع النصوص التي قرأتها عن وصف البُخل والبخلاء.

ومن النعوت الكريهة التي وردت في البُخل (والبخلاء) ما إن يقرأها المرء حتى يستقبحه. فالبُخل «جِلبابُ المَسْكَنَةِ، وزِمامٌ يُقادُ به إلى كلِّ دناءة»، وهو «يُزْري بِصاحِبِه» و»يُوجِبُ البغضاء»، وبه تُكسَب المذمّة والمسَبَّة وتكثر، و»تَشينُ الفُتُوَّة وتفسِد الاُخُوَّة». كيف لا و»البخيلَ يمقتُهُ الغريبُ، وينْفُرُ منهُ القريب»، بل قيل: «لو رأيتم البخلَ رجلاً لرأيتُمُوهُ مُشوَّهاً يغضُّ عنه كلُّ بَصَر، وينصرِفُ عنه كلُّ قلب». أبعد هذا أيطيب البخل لأحد؟

بل حتى المشورة قد نُهِيَ أن تكون عند بخيل؛ لأنه يفتقد لأبسط مقومات العقل الراجح، فهو أسيرٌ لغريزة تهيمن على كامل تصرفاته، لذلك جاء نصح الإمام علي بن أبي طالب بأنه: «لا تُدْخِلَنَّ في مشورتِك بخيلاً يَعْدِلُ بك عن الفضلِ ويَعِدُك الفقرَ ولا جباناً يُضعِّفُكَ عن الأُمورِ، ولا حرِيصاً يُزَيِّنُ لك الشَّرَهَ بالجَوْر».

في المحصلة، فإن المهم ليس معرفة ذمّ البُخل فقط، بل على المرء أن يُراقب نفسه وسلوكه جيداً، فإن وجدَ شيئاً من ذلك سارع لعلاجه، فغضّ الطرف عن منبت الشيء المذموم قد يجعله مستفحلاً لاحقاً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4709 - الأربعاء 29 يوليو 2015م الموافق 13 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 7:09 ص

      اللي عندي سفيه

      زوجي ليس بخيل لكنه سفيه لدرجة ان راتب 800 دينار يطير في اسبوعين وتالي يدور لراتبي من جذيه حياتنا كلها مشاكل لانه شخص ليس لديه احساس بالمسئولية بعد عمل عشرين سنة ليس لدي رصيد في البنك بسببه ليست لديه خطة للحياة ولا تحمل للمسئولية ولو يصيدنا شي طارئ ماعندنا شي نصرف منه كل همه يأكل وينام ويزور اهله الناس في الصيف من بلد لبلد وهو من قرنة لقرنة ويعلف

    • زائر 22 زائر 20 | 3:13 م

      محد قالج عطيه راتبج.

      اخذي بطاقتع البنك منه.

    • زائر 19 | 6:05 ص

      البخيل ههههه .

      ياكثرهم في الديره .

    • زائر 17 | 3:20 ص

      حمار الجت

      البخل افه لعينه وكريهه
      اللعن شيئ في هذه الدنيا هو البخل ، تصور انا اعرف ناس الله سبحانه وتعالى انعم عليهم بخير وفير ولكن من بخلهم تراهم عايشين في فقر انظر الى ثيابهم وحياتهم كأنهم فقراء
      ينتظرون ولائم من اعراس او حفلات ليأكلو منها ومقصزين على عيالهم وزوجاتهم
      انا لو جائني رجل لطلب يد ابنتي او سؤ اسئله هو هل انت بخيل
      انا احتقر البخيل كانه سوف يعيش الى الابد
      ( البخيل مثل حمار الجت يشيله ولا يأكله)
      الله يلعن البخل والبخلاء.

    • زائر 16 | 3:17 ص

      الواقع

      ان الرجال هو الي يصرف علا البيت الي صاير الحين الرجال اذا يبغي يزوج لا زم يبغي وحدة تشتغل تحصلة أشكرة يقول تساعدني في مصاريف البيت يا اخي هي مي مجبورة تساعدك فأعرف البعض صارت مشاكل بسبب هذا الشي

    • زائر 13 | 2:35 ص

      أحسنت

      البخل تنقص من مروءة الرجل

    • زائر 12 | 1:50 ص

      اذا الواحد ما يصير بخيل شويه ما يعيش

      الواحد يجمع لانه عارف بتمر عليه ازمه ماليه ويوم اسود فلازم يكون مجهز نفسه حق اليوم الاسود فاذا صرف كل اللي في مخباه وصادته ازمه مثلا حق علاج او دراسه لاولاده من بيتكلف بمصاريفهم ؟ فالشخص لازم يخطط لحياته ويجمع مبلغ ويخزنه حق هذي الايام العصيبه اللي تمر ,, واهم شي مو مقصر ماكلين وشاربين والتبذير مو زين

    • زائر 18 زائر 12 | 4:10 ص

      الحقيقة

      قالوا ادخر ولم يقولوا صير برص

    • زائر 11 | 1:48 ص

      يعني بعض الزوجاات

      كريم من مال غيره

    • زائر 10 | 1:47 ص

      انا زوجة واقول

      هناك الكثير من الزوجاات البخيلات من مال زوجها تسرف وعندما تستخدم اموالها تكون بخيلة لحد الشح

    • زائر 9 | 1:42 ص

      يا رزاق

      يا الله اكره صفة
      الحمدلله ما اشوف احد من مجتمعي يتصف فيها
      بس اسمع قصص غريبة

    • زائر 8 | 1:00 ص

      ناكرات جميل

      بل بل بل ... النسوان لو تعطيها مال قارون ماتشكر ربها ، يقول رسول الله (ص) في نكران جميل المرأة :
      لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ

    • زائر 7 | 12:51 ص

      هو الامام ابو حامد الغزالي

      اسمه الامام ابو حامد الغزالي صاحب كتاب احياء أمور الدين و تهافت الفلاسفة و ليس ابو حامد حاف

    • زائر 5 | 12:30 ص

      النساء عاد!

      ما سألتون إلا النساء عاد ! لو تعطيهم مليون ما قالوا كريم! تعطيها اليوم وبكرى تنسى وتبي بعد ! النساء همهم لفلوس !

    • زائر 6 زائر 5 | 12:41 ص

      توضيح

      لم تشتهر النساء بالبخل كما الرجل وإن كان هناك قلة قليلة من البخيلات فالأصل هو أن الرجل هو من يقوم بالإنفاق والإمساك بموازنة البيت وبالتالي هو الذي يتحكم في النقود، إلا إذا كان هناك من يعتمد على زوجته العاملة كي تنفق عليه!!!! أنانية الرجل لا حد لها وبخل بعض الرجال لا حد

    • زائر 14 زائر 5 | 2:38 ص

      ملاحظة

      لا تضع عينك على ما تملك زوجتك
      وأنفق عليها من مالك فهذا واجب عليك
      فإن طلبت مالا تستطيع فهنا يأتي دورك في الإقناع

    • زائر 4 | 12:22 ص

      قال تعالى في محكم كتابه العزيز

      ومن ُيوقَ شُحَّ نفسه فأُولئك هم المفلحون

    • زائر 3 | 11:46 م

      هناك نساء بخيلات

      لم يتطرق احد ان هناك نساء بخيلات أيضاً فعندي الكثير من الاصدقاء عندهم نفس المشكلة

    • زائر 21 زائر 3 | 12:48 م

      حلالهم

      كيفهم يعطون أو ما يعطون

    • زائر 2 | 11:22 م

      والله يا استاذ واقع مر اعيشه

      زوجي يشتغل في عملين واني اعمل بعد لكن مااشوف نتيجه حتى معاشي عنده يتحكم فيه..ومو بس بخيل في المال حتى في المشاعر/وهذه ازمه اعيشه وصاير لي هم لي ولعيالي/عجزت اكلمه وما فيه فايده

    • زائر 1 | 11:16 م

      المال

      مال البخيل ياكله عيار
      مثل شعبي يختصر كل المقالات

اقرأ ايضاً