العدد 4714 - الإثنين 03 أغسطس 2015م الموافق 18 شوال 1436هـ

في ذكرى غزو الكويت... والقنبلة النووية على هيروشيما

رضي السماك

كاتب بحريني

تمر علينا خلال هذا الأسبوع مناسبتان تاريخيتان ينطوي استذكارهما على مغزى ودروس مفيدة للأطراف المحلية والاقليمية والدولية المتورطة في اشعال الصراعات والحروب الراهنة في منطقتنا العربية والتي تدفع شعوبها وحدها فواتيرها الباهظة من دمائها ومالها وقوتها وعمرانها، المناسبة الأولى هي الذكرى السبعين لالقاء أميركا قنبلة نووية على مدينة هيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، والمناسبة الثانية هي مرور ربع قرن على الغزو العراقي للكويت العام 1990.
فيما يتعلق بالمناسبة الأولى، فلعل قلة من الساسة والمحللين هم الذين تنبهوا لما يحمله توصل الأطراف المعنية بتسوية الملف النووي من مغزى لتزامنه مع عشية الذكرى السبعينية لالقاء الولايات المتحدة أول قنبلة نووية في التاريخ فور نجاح اختراعها على مدينة هيروشيما في 6 اغسطس/آب من العام 1945رغم علم واشنطن مقدماً باستسلام طوكيو الوشيك، ثم تبعتها بأخرى على مدينة نجازاكي في التاسع من نفس الشهر، وقد تم حرق وتدمير المدينتين وإبادة سكانيهما بالتفجير الإشعاعي النووي في بضع ثوان أو دقائق معدودات، وجلهم من المدنيين الابرياء (140 ألفاً ضحايا هيروشيما و80 ألفاً ضحايا نجازاكي)، ناهيك عن آلاف المشوهين بعاهات وأمراض مستديمة، كالحروق الاشعاعية وتسممات وسرطانات مختلفة وأمراض سوء تغذية وغيرها وتعرضهم للموت البطيء.
ولعل من سخريات القدر أن الدولة العظمى وهي الوحيدة في العالم التي تفردت بارتكاب تلك الجريمة النووية الارهابية لا تجد أي حرج أخلاقي اليوم في أن تُنصّب نفسها المراقب والحارس الاخلاقي الأول لمراقبة ومنع أي دولة من الوصول إليها، باستثناء من التحق مقدماً بالنادي النووي، ناهيك عن أنها نفسها تمتلك أكبر مخزون عالمي من الأسلحة النووية، بل ما برحت ترفض بشدة الاعتذار للشعب الياباني عنها، وهي نفسها أيضاً وبجبروت نفوذها القوي وسياساتها في المنطقة المسئولة عن خلق فزاعة بين عدد من دولها من وشوك توصل طهران لانتاج السلاح النووي، في حين بات معروفاً للمجتمع الدولي امتلاك ربيبتها «اسرائيل»، التي مازالت تشكل على الدوام تهديداً على القومي العربي منذ انشائها، مواد وأسلحة نووية مخزنة.
وإذ ترفض الانضمام إلى معاهدة الانتشار النووي واتفاقيات اسلحة الدمار الشامل فلاغرابة إذا ما أصرت على رفض اخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي بتأييد من أميركا نفسها. كما من المفارقات الساخرة ان واشنطن، صانعة الفزّاعة من طهران، هي نفسها التي تستميت الآن لطمأنة اسرائيل وحلفائها العرب بايجابيات ما تم التوصل اليه في فيينا مع ايران من اتفاق يقيد ايديها من التوصل لانتاج السلاح النووي ويرسي دعائم الاستقرار والأمن في المنطقة. وهكذا أمسىٰ العالم بين عشية وضحاها مع تراجيديا ساخرة فريدة من نوعها، فالمخوِف اطمأن والذي يلعب دور «الخائف» مازال متمسكاً بالخرافة ويرفض تكذيبها!
أما فيما يتعلق بالمناسبة التاريخية الثانية ألا هي ذكرى مرور ربع قرن على الغزو العراقي للكويت فمغزى توقيتها أنها جاءت غداة المذبحة الجماعية الارهابية التي ارتكبتها «داعش» بحق المصلين الصائمين الأبرياء في مسجد الصادق بالكويت حيث هبت الكويت برمتها وبمختلف فئاتها وطوائفها ، قيادةً وشعباً، للوقوف وقفة رجل واحد للتنديد بشدة بالجريمة وللتعبير بأصدق عبارات التعبير التضامنية مع ضحايا الجريمة على النحو الذي يُذكّرنا تاريخياً، على حد وصف الزميل الأخ غانم النجار، بالوقفة الجماعية التي وقفتها الكويت، شعباً وقيادةً في مواجهة الغزو العراقي للبلاد.
ومن أبرز تجليات هذه الوقفة المبادرات المميزة للقيادة الكويتية غير المسبوقة خليجياً: مسارعة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد فور وقوع الحادث الاجرامي لزيارة مسجد الصادق ومواساة ذوي الشهداء وتفقد المصابين، إعلان الحداد رسمياً ثلاثة أيام وهو الاعلان الاول من نوعه ربما في تاريخ دول المجلس الذي يأتي على خلفية كارثة شعبية أياً كان سببها، فتح مسجد الدولة الكبير لاستقبال المعزين لذوي الشهداء حيث شاركهم الأمير نفسه في استقبالهم معتبراً المصاب مصابه ومعه لفيف من كبار المسئولين والوزراء في الدولة ورجال دين ورموز ووجهاء وممثلون في المجتمع بمختلف فئاته، إقامة صلاة مشتركة بين أبناء الطائفتين الكريمتين الكُبريين حضرها الامير أيضاً، نقل عدد من جثامين الشهداء إلى النجف في طائرة خاصة على نفقة الأمير، وأخيراً اقامة صلاة مشتركة للطائفتين في عيد الفطر شارك فيها الأمير نفسه.
كما اتخذت السلطات اجراءات في منتهى الشدة والحزم لتعقب الجناة الداعشيين المرتبطين بالعملية الاجرامية في المسجد وتقديمهم للعدالة حيث تم ضبطهم في سرعة قياسية وكُشفت أسماؤهم بشفافية دون تستر على أسمائهم او الاستخفاف بحجم أعدادهم.
ولا شك ان الدرس المستفاد من هاتين الوقفتين الجماعيتين اللتين وقفهما الشعب الكويتي وقيادته وقفة رجل واحد، الأولى خلال غزو الكويت 1990، والثانية غداة حادث تفجير مسجد الصادق الذي استهدف داعش من خلاله علنياً فئة محددة من نسيجه الوطني، لجديرتان بالاتعاظ كويتياً، شعباً وقيادةً، على الدوام لا الاكتفاء بردود فعل وقتية طارئة فقط، وهذا لن يتأتى إلا عبر ارساء مداميك قوية لتحصين الجبهة الداخلية أمنياً وشعبياً لمنع تكراره وسد كل منافذ الرياح التي تهب منها سموم الطائفية والكراهية بمختلف انواعها وذلك من خلال التمسك بالنهج الديمقراطي وعماده التجربة البرلمانية العريقة، وإصلاح كل ما لحق بها من شوائب على امتداد نصف قرن ونيف من انطلاقتها، فلولا تقاليد وأعراف هذه التجربة التي ترسخت في الحياة السياسية لما تمكنت الكويت قيادةً وشعباً من الوقوف وقفة رجل واحد خلالهما، وهذا الإجماع يجب ان يكون نبراساً وقدوة للمحافظة عليه على الدوام في الشدائد بصفته الكفيل وحده لحماية الكويت وتعزيز تماسك جبهتها الداخلية لمواجهة مخاطر أعداء هذه الوحدة في الداخل والخارج، ولاسيما أن التجربة البرلمانية الكويتية العريقة التي ناضل الشعب الكويتي من اجلها طويلاً وتحققت صنواً لاستقلال بلاده الناجز هي مازالت بين دول مجلس التعاون التجربة الأنضج والاكثر تمثيلاً حقيقياً لشعبها، وحيث تتطلع شعوب دول المجلس التي تغبطه على نيله إياها للوصول لتجربة مماثلة لها كحد أدنى من تطلعاتها الديمقراطية الملحة في المنظور القريب على الأقل.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4714 - الإثنين 03 أغسطس 2015م الموافق 18 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:32 ص

      مطبوع في ذاكرتنا

      لن ننسى ما حدث للكويت ولأهلها ولن ننسى الحقد والتدمير الذي صب على اَهلها واطفال الكويت الذين نشرت صور جثثهم في الصحراء حفظ الله الكويت واهلها وال صباح حفظ الله الخليج من كل مكروه ومن كل حاقد وطامع متربص بها

    • زائر 2 | 11:59 م

      غزو صدام العروبي الأعور لدولة الكويت الشقيقة

      كلفة إخراج صدام من الكويت 650 مليار دولار هذا ماقاله حسني مبارك المخلوع

    • زائر 3 زائر 2 | 12:24 ص

      العدل اساس الملك

      حفظ الله الكويت وال صباح الكرام حكومة وشعبا وكل دول الخليج من كل مكروه يارب العالمين

    • زائر 1 | 11:58 م

      إضافات ...مصاهرة تجارية

      توجد في الكويت ميزة قلة وجودها في دول مجلس التعاون الخليجي وذلك نتيجة الدستور الذي حفظ حقوق الحاكم والمحكوم ...
      تكوين شركات تجارية كبرى بالشركة بين أسر من الطائفتين الشيعية والسنية منذو عقود مضت و أشهرها وكالة سيارات شهيرة و فارهة وكذلك شركات في مختلف الأنشطة التجارية ..
      هذة إفرازات ونتيجة طبيعية للدستور الكويتي .

اقرأ ايضاً