العدد 4719 - السبت 08 أغسطس 2015م الموافق 23 شوال 1436هـ

إهمال العلم والتقانة في بلاد العرب

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

من فواجع الوضع الحياتي العربي المتردي عدم إيلاء مواضيع العلم والتقانة الاهتمام الكافي، سواء من قبل الحكومات أم من قبل المجتمعات. ولا يحتاج الإنسان للتذكير بأن بناء وتطوير وإغناء مكونات وأدوات هذا الموضوع يعتبر في عصرنا الحالي من أهم المداخل للتقدم، وعلى الأخص في حقول الصناعة والزراعة والبيئة والغذاء والصحة والتواصل والأمن الوطني، وبالتالي ما عاد من الممكن الحديث عن الأمن الشامل لأي أمة دون العلم وقوى العلم والتقانة.

نحن هنا نتحدث عن بناء القدرات العلمية والتقانية العربية الذاتية، وليس عن استعمال العلم والتقانة التي ينتجها الآخرون، وذلك من خلال الاكتفاء بشرائها أو استئجار من يجيدون نقل تطبيقاتها إلى الواقع العربي.

لعل أبرز مايشير إلى عدم اهتمامنا ببناء القدرات العربية الذاتية ماكتب عنه الكثيرون مراراً وتكراراً، ونعني به موضوع البحوث ومراكز البحوث ومايصرف على البحوث في كل بلاد العرب.

فهناك دراسات إحصائية كثيرة تقارن بين ناتج مجموع البلدان العربية المترامية من البحوث العلمية المنشورة، وبين ناتج بلد مثل كوريا الجنوبية الصغيرة أو الكيان الصهيوني الأصغر أو البلدان الأوروبية الصغيرة الحجم، إذ تظهر تلك المقارنة فوارق كبيرة بين قلة أو ضعف الناتج العربي وبين وفرة وقوة الناتج عند الآخرين.

وبالطبع، فإن أحد أسباب تلك الفوارق هو ضعف نسبة ماتخصصه بلاد العرب للصرف على البحث العلمي من ناتجها المحلي مقارنة بنسبة ماتخصصه البلدان الأخرى من ناتجها المحلي، فالبلاد العربية مجتمعة تخصص أقل من عُشر مايخصصه مثلاً الكيان الصهيوني للبحث العلمي. ومع الأسف، فإن دوائر الحكم العربية لا تدرك بعمق أن ذلك يفسر إلى حدٍّ بعيد القدرات العسكرية والصناعية الصهيونية الهائلة، وليس، كما تعتقد، المساعدات الأميركية المقًّدمة بكرم إلى الكيان الصهيوني.

إضافة لذلك الوضع الكارثي للبحث العلمي، فهناك جوانب نقص كثيرة في التعامل العربي مع العلم والتقانة.

فحتى نتائج البحوث المحدودة والعلماء الذين ينتجونها والمراكز البحثية التي تجرى البحوث فيها، لايستفاد منها بشكل كاف في تطوير الصناعات والخدمات والمشاكل البيئية والزراعية العربية، وعندما توجد مشكلة في هذه الحقول فإن أول ماتفعله الحكومات العربية هو الاستعانة بقدرات الخارج، بدلاً من الاستعانة أولاً بالقدرات المحلية من أجل أن تقوى وتتطور وتراكم الخبرة، ومع الأسف فإن البلدان العربية لم تعط اهتماماً كافياً لتجارب بلدان من مثل كوريا وماليزيا والهند وتايوان في دمج العلم والتقانة المحلية لإنماء اقتصاداتها، ما ساهم في رفع قدرات الجانبين: العلم والتقانة من جهة والاقتصاد من جهة ثانية.

إن ما يحز في النفس أن المئات من المليارات قد جرى تخصيصها للتصنيع في بلاد العرب، لكن معظمها قد نفذ بقدرات وعمالة الخارج، وبالتالي لم تساهم في بناء القدرات العلمية والتقانية العربية ولافي تطوير ما هو موجود منها. ولعل مايجعل كل بلد عربي يتجه إلى الخارج، الضَّعف المحزن للتعاون العربي المشترك في حقل العلم والتقانة، فكم قليلة هي المشروعات المشتركة، وكم قليلة هي المؤسسات والجمعيات واللقاءات العلمية المشتركة، وكم قليل هو التواصل والتعاون والتفاعل بين علماء العرب.

ويبرز الضعف في الرغبة في التنمية العربية العلمية الذاتية حتى في حقل التثقيف العلمي من خلال وسائل الإعلام العربية، فمؤسسات الإعلام العربي تشتري وتبث البرامج العلمية التي أنتجها الآخرون للتعامل مع بيئاتهم وحاجاتهم، والتي في الكثير من الأحيان لا صلة لها بواقع ومحيط الإنسان العربي، وذلك بدلاً من الطلب من جهات علمية أو بحثية عربية لتنتج برامج علمية تثقيفية تربط الإنسان العربي ببيئته وقضاياه المعيشية وتحسن وعيه العلمي لحل قضاياه الحياتية، وفي الوقت نفسه لربطه بالتطورات العلمية والتقنية في العالم.

ويشعر الإنسان بالإحباط وهو يرى العلماء المبدعين غير العرب وهم يتصدرون شاشات التلفزة العربية، بينما ينزوي العلماء المبدعون العرب وراء ظلال التهميش والتجاهل.

وحتى الآن، لم ندرك بعد أن بناء وتطوير حقل العلوم والتقانات هو موضوع لايحتاج إلى المال فقط، ولا فقط لحكومات تحتضنه، وإنما يحتاج أيضاً لبيئة مجتمعية تحتضنه وتتفاعل مع علمائه، بما فيها وجود مؤسسات مجتمعية تناضل ليلاً نهارا لتركيز الجهود، وللاستثمار الكبير في حقلي العلم والتقانة.

وأخيراً، هناك الدور الهائل الذي يمكن أن تلعبه المدرسة والجامعة في عملية البناء والاحتضان تلك، وهو موضوع واسع ومتشعب يحتاج إلى مجلدات لإبراز تفاصيل أدواره المتعددة.

تقدم في السياسة والاقتصاد والأمن والتجديد الحضاري لا يقوم على رافعة العلم والتقانة، هو تقدم مؤقت وفي خطر الانهيار، إن لم يكن حديث خرافة.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4719 - السبت 08 أغسطس 2015م الموافق 23 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:40 م

      المسلمون مليار ونصف المليار

      واليهود 12 مليون عدد من حصلوا على جائزة نوبل من اليهود 184 وعدد المسلمين 9 فقط البلدان العربية والمسلمة طاردة للعقول والعلماء لماذا ؟ هل سبب ذلك الحكام ام تخلفنا ؟ ام لعدم وجود مشروع عربي اسلامي ؟

اقرأ ايضاً