العدد 4719 - السبت 08 أغسطس 2015م الموافق 23 شوال 1436هـ

اليمن... الفيدرالية هي الحل

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

و«جئتك من سبأ بنبأ يقين» (النمل، 22) كما جاء في القرآن المجيد على لسان الهدهد، الذي نقل إلى النبي سليمان بن داوود (ع) عجائب مملكة سبأ التي كانت تحكمها الملكة بلقيس، حيث ذُكر أن لها عرشاً عظيماً، ولايزال ما يعرف بعرش المعبد بأعمدته السبعة شاخصاً في مأرب شرق وسط اليمن، والتي تعتبر حالياً منطلق تنظيم «القاعدة»، وكذلك جبهة ساخنة بين اللجان الشعبية الموالية للشرعية وتحالف الحوثي - صالح.

المؤرخ غسان صليبا كتب كتاباً أثار زوابع من النقاش وهو «التوراة أتت من الجزيرة العربية»، جزم فيه أن مملكة النبي سليمان كانت فيما يعرف الآن بإقليم عسير ونجران المجاور لليمن، وفي ضوء قبول الملكة بلقيس بنبوة وحكم النبي سليمان والتوراة فإنها كانت سابقة لمناطق عديدة في الجزيرة العربية وأرض الرافدين في قبول دعوة التوحيد. وبالفعل فقد كرّست لذلك الكاتبة اليمنية ثريا منقوش كتاباً هو «التوحيد يمان»، منطلقة من قبول اليمنيين حينها بالآلهة التوحيدية مثل الإله «أوسان» وانتهاءً بقبول الدعوة الإبراهيمية واتباعها.

وكما التوحيد الإلهي، فقد ارتبطت الوحدة اليمنية بالفكر التجديدي الإسلامي والفكر الوطني الحديث في اليمن. كثير من المؤرخين يؤكّدون أن اليمن شهد حضارة عظيمة تمثلت في سدّ مأرب ومعبد بلقيس، وأن حضارات عظيمة قد شيدت باليمن، وأقيمت ممالك غنية على أرضه، ومنها معين وسبأ وحضرموت وغيرها، لكن أياً منها لم يحكم اليمن كلها كما نعرفها حالياً.

وكما ارتفعت اليمن إلى قمة الحضارة، فقد انحطت إلى هوة التخلف من جراء عدة عوامل، أهمها حكم بيت حميد الدين المديد الإقطاعي الكهنوتي، وتجزئة اليمن إلى المملكة اليمنية المتوكلية في الشمال والجنوب الممزق بمشيخات وسلطنات، إضافةً إلى مستعمرة عدن، لذا فإنه تجذّر في الفكر التنويري والتحرري اليمني بمختلف اتجاهاته وحقبه بدءاً من تنظيم الأحرار الذي فجر ثورة 1948 ضد حكم الإمام يحي حميد الدين، والتي أجهضت بوحشية، واستبيحت صنعاء ضمن تقاليد «الفيد» اليمني والذي سيتكرر لاحقاً كلما هزمت ثورة أو تمرّد على سلطة صنعاء، بأن مرتكزات النهوض تتطلب القضاء على حكم بيت حميد الدين في الشمال، وتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني والاستقلال، ليتوّج بتحقيق الوحدة اليمنية.

وبالفعل فإن وحدة اليمن ظلّت في صلب برامج مختلف القوى السياسية والمجتمعية اليمنية وفكر النخب الثقافية والسياسية، وكذلك برامج مختلف الحكومات التي تعاقبت على الحكم في صنعاء وعدن. وجميع الدساتير اليمنية تنصّ على الوحدة اليمنية وأن المواطن يمني وكفى، وبالتالي من حقّه أن يقيم ويعمل ويتقلد الوظائف العامة بغض النظر عن جنسيته شمالية أو جنوبية.

وبالفعل فتاريخ اليمن الحديث منذ ثورة 26 سبتمبر 1962 في صنعاء وثورة 14 أكتوبر 1963 في عدن، وتكرس نظامين محافظ في الشمال وتحرري في الجنوب، يشهد أن النخب السياسية والحاكمة في الشمال والجنوب مختلطة في أصولها. وعلى الرغم من نشوب حربين بين الشطرين في 1972 و1979، عدا عن الانقلابات والصراعات المسلحة التي شهدها الشطران، فقد ظلت الوحدة هاجس النخب والجماهير، وتطرح كمطلب بعد كل نزاع، واجتماع، واحتفال.

هناك حنين يمني لماضي اليمن التليد، وفي الوقت ذاته شعور بالانكسار لدى اليمنيين فيما انحدرت إليه اليمن من أوضاع، أما الحل السحري فهو الوحدة. ولذلك اندفعوا إليها في 22 يونيو/ حزيران 1990 من دون تبصر أو إعداد جيد أو تدرج. لقد كانت هروباً إلى الأمام من قبل النظامين، فقد الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) حليفه الرئيسي الاتحاد السوفياتي والمنظومة التي ينتمي إليها المعسكر الاشتراكي، وبالمقابل لم تعد هناك حاجةٌ للغرب ولا للجوار بدعم النظام في الشمال لمواجهة بعبع الجنوب، وهكذا عُقد اتفاق ما يعرف بـ «النفق»، والذي يصل المعلا بجولة مور، حيث اتفق الرئيسان؛ الشمالي على عبدالله صالح والأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الجنوبي علي سالم البيض، على الوحدة الاندماجية، وليس الفدرالية المتدرجة كما نصح بعض العقلاء في النظامين، ومنهم المرحوم جارالله عمر القيادي في الحزب الاشتراكي اليمني ووزير خارجية صنعاء حينها عبدالكريم الأرياني.

اندفع اليمنيون للوحدة كحلّ سحري، متجاهلين عقوداً من التشطير وحكمين مختلفين تماماً (الإمامة والإنجليز)، وكذلك تكرس نظامين اشتراكي علماني في الجنوب مقابل حكم محافظ ديني في الشمال. ويضاف إلى ذلك أن الرئيس السابق على عبدالله صالح الذي وصل إلى الحكم بعد اغتيال الرئيس الحمدي في 1979، كرّس حكمه للعب على كل المتناقضات ومزيج من الترغيب والترهيب. وقد أبرم اتفاق الوحدة لا للجمع بأفضل ما في التجربتين، وتوحيد الشعب بعد أن تم توحيد الوطن، بل لتصفية تجربة الجنوب تماماً وإلحاقها بحكمه التسلطي القبلي في صنعاء، وهكذا استبيح الجنوب، وتجلى ذلك في حرب الغزو والإخضاع في مارس/ آذار 1994، حيث أسست هذه الحرب لفراق بين الشعب اليمني في الشمال والجنوب.

لن نستعرض المسيرة المتعثرة للوحدة اليمنية، ولكن الثابت الآن أنه ترسّخت في الجنوب اليمني قناعة بالانفصال وعدم الرجوع للدولة المركزية في صنعاء مرةً أخرى، ويتفق على ذلك طيف واسع من القوى السياسية في الجنوب من الحراك الجنوبي إلى الحزب الاشتراكي اليمني وما بينهما. لذلك فعلى رغم السقوط السهل للمناطق والمدن اليمنية بعد استيلاء تحالف الحوثي - صالح على صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، وبعد صدمة احتلال عدن، فقد حرّك هذا الشعور الهمم بالمقاومة لدى مواطني عدن والمحافظات الجنوبية المحيطة، وهي شبوة وأبين ولحج، باستخدام الأسلحة الفردية في مواجهات بطولية خرافية. وقد توّج ذلك وبدعم من التحالف العربي بتحرير محافظة عدن، لتعود مرةً أخرى عاصمة لما يعرف بالحكومة والرئاسة الشرعية. وبذا يبدأ فصل معقد من الصراع المسلح المتصاعد في اليمن، وأطرافه عديدة: قوات الشرعية، وقوى تحالف الحوثي صالح، و»القاعدة» وغيرها، ممتداً من صعدة شمالاً حتى عدن جنوباً، وسيمتد ليشمل محافظتي حضرموت والمهرة مترافقاً مع حرب يشنها التحالف العربي ضد تحالف الحوثي صالح.

لا فائدة من التغني بالوحدة اليمنية، ولا بالدعوات المثالية لعودة الأمور كما كانت ولو بحسب التغييرات التي أقرها الحوار الوطني والتي يجب أن تكرّس في الدستور ومؤسسات الدولة بلا مركزية الدولة وديمقراطيتها، فهذا كله قد فات أوانه.

المطلوب صيغة تنقذ اليمن وتوقف الحرب المدمّرة التي ألحقت خراباً في النفوس يتجاوز الخسائر البشرية والمادية. وباعتقادي فإن الصيغة الفيدرالية للدولة بين الشطرين الشمالي والجنوبي ولو لمرحلة مؤقتة يتبعها استفتاء على صيغة الدولة باستمرار الفيدرالية أو انفصال الشطرين، هو الحل الواقعي، ومن دونه فإن التمسك بالدولة الموحدة لن يوقف حرب الأخوة الأعداء.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4719 - السبت 08 أغسطس 2015م الموافق 23 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:13 م

      تصحيح معلومات

      "المؤرخ غسان صليبا كتب كتاباً أثار زوابع من النقاش وهو «التوراة أتت من الجزيرة العربية».
      الصحيح ان اسم الكتاب "التوراة جاءت من جزيرة العرب"، والكاتب هو د. كمال صليبي..
      للتصحيح والتنويه

اقرأ ايضاً