العدد 4720 - الأحد 09 أغسطس 2015م الموافق 24 شوال 1436هـ

أنصار القذافي في ليبيا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مطلع الشهر الجاري شهدت ليبيا حدثاً فريداً. الحدث هو خروج مظاهرة في مدينة بنغازي في الشرق الليبي قادها ليبيون وُصِفوا بأنهم أنصارٌ للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. الخبر الذي أوردته وكالة «رويترز» للأنباء قال إن المتظاهرين الذين كانوا يحملون صوراً للقذافي والعَلَم الأخضر (رمز ثورة الفاتح من سبتمبر كما كان يُسمّى) هتفوا «الله ومعمر وليبيا وبس»، لكنهم تفرقوا «بعد أن فتح معارضون النار» عليهم «ورشقوهم بالحجارة» دون أن يُصاب أحد بسوء.

المظاهرة لم تخرج في مدينة سرت التي وُلِدَ وقُتِلَ فيها القذافي وبها مريدون له، والتي اتخذها عاصمةً له بعد سقوط طرابلس. كما أنها لم تخرج في مدينة بني وليد التي دارت فيها أشرس المعارك بين أنصار القذافي والمتمردين في سبتمبر/ أيلول 2011، بل خرجت في أهم مدينة ليبية والتي شهدت أول تمرُّد ضد سلطة العقيد القذافي في السابع عشر من فبراير/ شباط 2011. وبالتالي فهي تضم أكثر العناصر الثورية التي تُشكِّل صقور النظام السياسي الجديد.

لن نُسهِب في توصيف هذا الأمر كثيراً، لكن يُمكن قراءة الحدث بطريقة واقعية جداً. أولاً يجب أن نُدرك أن التغيير والواقع الذي يخلقه قد يتحوَّل إلى شد عكسي باتجاه الأوضاع المحافِظَة إذا لم يُثبت أنه تغيير حقيقي استطاع أن يجعل توقعات الناس واقعاً أفضل. هذه المعادلة جرى اختبارها في ليبيا بشكل جلي. فالسلطة مازالت رجراجة تترنّح أمام حكومتين تتنافسان على السيادة، واحدة في طرابلس (حكومة أمر واقع) وأخرى في طبرق (حكومة معترَف بها دولياً).

وعندما يُصبح الوضع بهذه الطريقة، فهو يعني أن السلطة تُمارَس لا من أجل القانون (كما جُعِلَت له) بل من أجل السلطة وفرض نفسها كسباً للطاعة والإمرة. وكما قالت العرب: تاج المُلك لا يَسَع رأسين. هذا الأمر جِدُّ خطير. فوجود الحكومة في أي مكان مرتبط ارتباطاً عضوياً بمسألة تطبيق القانون قبل كل شيء كي يستشعر الناس حقيقة احتكار السلطة لوسائل الفرض وتطبيق القانون. وكان الفيلسوف وعالم الرياضيات الانجليزي برتراند راسل يقول: «يمكن للحكومة أن تتواجد بسهولة دون قوانين، لكن القانون لا يمكن أن يوجد دون حكومة». وهذا ما يُمكن أن يُرى في ليبيا اليوم مع شديد الأسف.

هذا الأمر لا يُربِك الوضع الداخلي فقط، بل يضع علاقات ليبيا الدبلوماسية أمام اختبار صعب. فلكل من الحكومتيْن حلفاء في الخارج، ما يعني أن فتح خط مع أيٍّ من الحكومتيْن يجب أن يُراعي العلاقات الفرعية الأخرى التي لا تتعارض مع القوى الإقليمية والدولية الداعمة لها. هذا الأمر وجدناه متحصلاً في العلاقة مع تونس على سبيل المثال التي اضطرت أن تتعامل مع الحكومتين، ما سبّب إرباكاً لعلاقات ليبيا بالخارج ولعلاقات تونس أيضاً بأطراف أخرى ذات صلة بليبيا ذاتها.

الأمر الآخر الذي يُمكن قراءته في ذلك الحدث هو ما تواجهه ليبيا ما بعد القذافي من مشكلة عميقة مع مسألة الاستيعاب الاجتماعي. فالقذافي الذي حكم ليبيا مدة اثنين وأربعين عاماً رحل كشخص وكفروة لنظام سياسي ومعه مجموعة من الأشخاص ممن كان يُدير بهم السلطة، لكن هناك طبقة من الليبيين مازالت تؤمن بشرعيته وبحكمه لأسباب مختلفة، إن كانت سياسية أو اقتصادية أو قبلية/ اجتماعية. وهي تشكل حقيقة واقعة على الأرض اليوم.

نعم، هي لم تستطع أن تخرج إلى السطح بصورة علنية وقوية بسبب سطوة الشعار والتغيير وموقف الحكام الجدد من الحقبة السابقة، لكن ذلك لا يُلغي وجودها. ومتى ما وجدت الفرصة ستكون جاهزة للبروز، وهو ما حصل مؤخراً حين وجدت هذه المجموعة فرصة بطريقة ما، سواء عبر تنامي لون النقمة على الحاضر وظهور أصوات تحنّ إلى الأمن المطلق حتى في ظل حكم مطلق، فخرجت مُعبّرة عن ذاتها بصورة علنية وفي أهم مناطق ليبيا ارتباطاً بحركة 17 من فبراير.

من بين كل ذلك تبقى النتيجة المهمة هي ضرورة استيعاب الدولة الليبية لهذه القطاعات من الشعب الليبي، وألا تكون متأثرة من الأصوات المتشددة التي تدعو إلى كنس الحقبة القذافية بكل ما فيها، وإلاَّ لن تشهد ليبيا استقراراً مطلقاً. حتى الاستثناءات الستة من العفو العام يجب أن تُراجع أكثر من مرة كي لا تكون هناك ثغرة تجعل من الدولة الليبية مُعرَّضة للاهتزاز في أي وقت.

فليبيا ذات الـ1.759.541 كيلومتراً مربعاً، وشعبها ذو الستة/ السبعة ملايين نسمة، وبقبائلها الستين، محسوبة بحسابات دقيقة ديمغرافياً ومناطقياً، وذلك التأثير يمكن أن يضر حتى دول الجوار. فإن ظُلِمَ المقارحة كعنصر قبلي مهم فلن تهدأ سبها ولا الشاطئ الجنوبي ولا الشمال الليبي حيث طرابلس ولا الغرب الليبي باتجاه الزنتان وغريان، وصولاً إلى الشرق. وإن ظُلِمَ التبو، فلن تهدأ مدن الجنوب والشرق وكذلك الحال مع القذاذفة ذاتهم والتي ينتمي إليها معمّر القذافي. وهو أمر ينسحب على بقية القبائل الليبية، وبالتالي يصبح الاستيعاب مهماً جداً كي يتحقق السلم والأمن الذي يستحقه الشعب الليبي الكريم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4720 - الأحد 09 أغسطس 2015م الموافق 24 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:40 ص

      الحقيقة التي يجب أن نعترف بها وهي أن هناك

      عراقيون يتمنون عودة صدام ويمنيون يتمنون عودة صالح وتونسيون يتمنون عون زين العابدين ومصريون يتمنون عودة مبارك لكنهم بالتأكيد لا يتمنون عودة الظلم والفساد في تلك العهود لكنهم يتوقون لعودة الأمن والخدمات

    • زائر 6 زائر 4 | 3:45 م

      الا الطاغية صدام

      لا احد يريد عودته لانه فاق الاولين و الاخرين في الاجرام .!!! ومازالت قوانين قطع الاذن واللسان ترن في اسماعنا .

    • زائر 3 | 7:16 ص

      يقول الشاعر

      أنست مظالمهم مظالم من خلوا ** حتى ترحمنا على نيرون

    • زائر 1 | 10:30 م

      نستنتج من مقالك أن الربيع العربي كان كذبة كبيرة .. هذا ما فهمته

      و إلا كيف بالقذافي الذي وصفته كل أنواع وسائل الإعلام العربية و الإيرانية و الغربية بأنه سفاح قتال دكتاتور .... أن تخرج مظاهرة مؤيدة له بعد مقتله بأكثر من 4 سنوات؟

اقرأ ايضاً