العدد 4735 - الإثنين 24 أغسطس 2015م الموافق 10 ذي القعدة 1436هـ

من فضلك... خذ لي صورة!

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

طلبت شابة ثلاثينية من فتاة كانت جالسة عند طاولة طعام بالقرب منها أن تلتقط لها ولزوجها وطفليها صورة فوتوغرافية. كانت الشابة تجلس بسعادة غامرة مع شاب أنيق تملأ وجهه ذو الملامح الطفولية ابتسامة مهذبة بأحد المطاعم التي يتهادى فيها صوت الموسيقى ساكباً نَغَمهُ الرقيق في البهو المتشح بإضاءة خافتة. تعانق الزوجان وهما يدنيان طفليهما بحنان ظاهر وظلت الابتسامة الفرِحة كما هي، تركزت أنظار الزوجين عند العدسة استعداداً لومضة الضوء، التقطت الفتاة نحو أربع أو خمس صور من زوايا مختلفة مقدمةً بذلك للزوجين أجمل ذكرى عن هذه الأمسية السعيدة.

كان المشهد أخّاذاً، لأنني شعرت بصدقه وعفويته، كانت هذه الصور تسجيلٌ أمينٌ لمشهد حقيقي غير مفتعل، وكان سيكون ناقصاً لو لم تسجله عدسة الكاميرا ليبقى شهادةً حية تفيض بالعاطفة ويبقى على مر الأيام والسنين.

المشهد يتكرر أمامي وأمام غيري يومياً بتفاصيل مختلفة وفي مناسبات وحيثيات عديدة؛ فالصورة باتت تملك قيمة أعلى بكثير مما كانت عليه قبل نحو عقدين، ويرجع ذلك -في جزء منه- إلى سهولة التقاطها وسرعة انتشارها، ووظائفها التي تعدّت اليوم أغراضها القديمة المعتادة وتضاعفت بالتالي قيمتها في حياة الناس.

ولشبكات التواصل الاجتماعي -التي أنهت تقريباً صلاحية الألبومات الفوتوغرافية الورقية الأسرية والخاصة- دورٌ كبيرٌ في تعزيز قيمة الصورة بوصفها «الدليل» الأكثر نزاهة على مصداقية نشاطاتنا اليومية و»الضيف الدائم» في حياتنا الاجتماعية. فبالصورة يتكلم أغلب الناس اليوم، وبالعين يسمعون، وهي اللسان الذي يتكلم والأذن التي تصغي، أما النص المكتوب فهامش مسكين يستعين به البعض ويتخلّى عنه الأغلبية.

التقاط الصور للمناسبات الأسرية السعيدة سلوك إيجابي ومظهر حضاري جميل يعطي مؤشراً على تقدير عميق للحياة، فالذين لا يعرفون قيمة اللحظات السعيدة هم يعيشونها ناقصةً، فلا تخجل من التقاط الصور مع أسرتك أمام الناس، وتأكد أن من هم حولك لن يشمتوا بك أو يهزأوا، بل سيتمنون لو أن الجرأة تواتيهم لفعل ما تفعل بالعفوية الذي تعيشها. ولربما كنت القدوة الحسنة والمثال المحفّز، لكن الأهم من الصورة هو معايشة اللحظة نفسها بواقعية تامة؛ فأكثر الصور تأتي مُفتعلة، وأسوأ أنواع الصور الفوتوغرافية هي تلك التي تصوّر مشاهد مُدَّبّرة أو أدواراً تمثيلية ينقصها الكثير من الإحساس والصدق فتجنبها.

التصوير هواية تنطوي على إحساسٍ وذوقٍ فنيٍّ راقٍ، وقد جربّت هذه الهواية قبل سنوات ومنحتني الإحساس بالدهشة والشغف وعمّقت إحساسي بمشاهد الجمال في كل مكان تحملني إليه قدماي، أو تقودني إليه الصدفة. وبهذا قد تتحوّل الهوايات الشخصية إلى مسرّة لك ولأسرتك وللمحيطين بك من أصدقائك.

على أن «الحياة» التي يعيشها المرء أهم بكثير من «الصور» التي يحاول أحياناً أن يسوقها كذباً وغشاً عن حياته. أعرف كثيرين يلتقطون عشرات الصور المتفرقة يومياً، في كل مكان وعند كل مشهد، مع اللاعب المشهور والسياسي اللامع والكاتب المعروف ورجل الدين والممثل والفنان، لكنه لا يستشعر الحاجة ولا الرغبة في التصوير مع أبنائه وزوجته في مكان عام أو خاص، يُخلّد فيه لحظة عائلية سعيدة قد لا تتكرر!

اللحظات السعيدة التي يعيشها الفرد منا هي شكلٌ من أشكال «فن الحياة»، وهي مهارةٌ وأداةٌ فاعلة من أدوات مواجهة الرتابة ومكافحة الملل وتجنب الوقوع في شباك أمراض العصر التي تفتك بالنفوس: القلق والاكتئاب والشعور المتزايد بالوحدة. وكلما تمكن المرء من تنويع وتكثير هذه اللحظات كان أكثر وعياً وتبصراً بمسئوليته في خوض «نوعية حياة» تتوفر على زخم أكبر من السعادة المتواصلة والحفز الذاتي الدائم.

قرأت قبل مدّة قصة رجل الأعمال السنغافوري الناجح تشو باو (83 عاماً)، وذكر أنه لا ينام سوى أربع ساعات يومياً، يقول: «لا أود أن أهدر يومي في الفراش». وكان هذا العجوز السعيد يقضي جلّ يومه في المكتب أو مع أبنائه، يلعب معهم كرة السلة أو يطهو لهم. يرى السنغافوري أن الموت يهرب منه كلما وجده سعيداً. يقول في مذكراته: «أنا لا أخاف من الموت. سيحملني يوماً ما، عاجلاً أم آجلاً، لكن لماذا أناديه قبل أوانه؟»، فما بالنا نعيش كمن يتسوّل الموت ويأنف الحياة؟

كثيرون لا يدركون أن السعادة أحياناً لا تأتي بل على المرء أن يسعى إليها، لذا ينفق هذا النوع من البشر شهوراً وربما سنوات من أعمارهم في تخبط وضياع. الظفر بالرضا الذاتي أو السعادة تدعوك للمبادرة أو اتخاذ خطوات تغييرية في حياتك إن كان في حياتك ما ينقصها من المرح والتشويق؛ فلا يكفي أن تملك مفتاح البوابة حتى تتمكن من دخول القصر، بل يتعيّن عليك تحريك المفتاح في القفل ثم تهم بدفع الباب كي تتمكن من الدخول.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4735 - الإثنين 24 أغسطس 2015م الموافق 10 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 12:46 م

      جميل جدا

      مقال رائع أستاذ وسام ..
      ملأ الله حياتك بأعذب المشاهد الخالدة ..

    • زائر 5 | 5:22 ص

      احم احم

      راح انسجل طلبك وانقدمه لمجلس النواب

    • زائر 3 | 4:04 ص

      حسافة

      لليوم اتحسف من عدم التقاط صور تذكارية مع اختي التى اعطينا عدد محدود من الأشهر لما تبقى من حياتها عمدت ان أشعرها بأن الحياة أمامها وانا اعلم بأن انفاسها معدودة احببت صورتها الجميلة في ذاكرتي وعجزت امام صورة المرض والموت ع فراش السرطان واهمال المستشفى

    • زائر 6 زائر 3 | 5:23 ص

      رحمة الله عليها

      رحمة الله عليها.. من المؤسف رحيلها المبكر دون ان تجمعكم معها صور تمد ذاكرة الاسرة بهذه الزهرة التي ذبت سريعا.. ألف رحمة على روحها

    • زائر 1 | 1:35 ص

      موضوع جميل

      مشكلتنا في العالم الثالث هو رضا الناس والتودد لهم واظهار كل جميل كي يرضوا عنا في المقابل تجد العكس ففي داخل الاسره يقل الود والاحترام والصراخ على اتفه الاسباب رغم ان المثل يقول الدار ثم الجار فيجب على الانسان ان تكون علاقته باهله اقوى من اي علاقه مع الاخرين وان يعتني بها اشد الاعتناء لان بالاخير لن ينفعك سوى اقرب المقربين منك

    • زائر 4 زائر 1 | 4:38 ص

      هذا ما يجب ان يتغير فينا

      هذا ما يجب ان يتغير فينا.. الامر يحتاج الى جرأة في تغيير سلوكياتنا.. شكرا لك

اقرأ ايضاً