العدد 4747 - السبت 05 سبتمبر 2015م الموافق 21 ذي القعدة 1436هـ

ماذا سنفعل بعد النفط؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أحد المغردين على «تويتر» نشر صورة لسيدة عجوز محنية الظهر، تحمل مكنسة وتنظف شارعاً في مدينةٍ ما، وكتب تحتها العبارة المؤلمة التالية: «سيدة خليجية بعد جفاف النفط تشتغل في أحد شوارع الهند».

الصورة من ذلك النوع من السخرية السوداء، فهو يحذّر من المستقبل، ومن انقلاب الموازين الاقتصادية، بحيث نعود لما كنا عليه قبل اكتشاف النفط، منذ ثمانين عاماً، حيث انقلبت حياتنا رأساً على عقب، وتحسنت أوضاعنا الاقتصادية، وانتشر التعليم وارتفع المستوى الصحي وقلت الوفيات وزادت المواليد. كما تحوّلت الأكواخ المصنوعة من سعف النخيل على سواحل الخليج، إلى بيوت أسمنتية وفلل وعمارات؛ وفي العقود الثلاثة الأخيرة انتشرت الأبراج الضخمة ومراكز التسوق الكبرى التي تحوي مختلف البضائع الضرورية والكمالية وما بعد الكمالية، من مختلف بقاع الأرض، تحت سقف واحد.

لم تكن هذه القفزة من بنات أفكارنا ولا عبقريتنا التجارية، فنحن حتى الآن لا نصنع إبر الخياطة ولا أمواس الحلاقة، وكل ما نراه ونعيشه ونتفاخر به كان بسبب اكتشاف الشركات الغربية للنفط تحت أراضينا، فقامت باستخراجه وتسويقه وأعطتنا نسبة يسيرة من هامش الأرباح.

في الثمانينيات، كان الكثير من الكتّاب الجادين يحذّرون من فترة ما بعد النفط، الذي تدفق من تحت أقدامنا فجأة، وسيتوقف حتماً. وكانت هناك آجالٌ معلنةٌ لتوقف النفط في دولنا، ففي البحرين كان الحديث يدور حول نضوب النفط في التسعينيات، وكانت آخر الدول الموعودة بذلك هي الكويت، حيث قُدّر عمر ثروتها النفطية آنذاك بثمانين عاماً.

الآن مرّ على تلك النبوءات أكثر من ثلاثة عقود، تعرّضت خلالها أسعار النفط إلى تقلبات حادة، وأثبتت التجارب أننا لم نستفد من فترات الارتفاع في إيجاد تنمية حقيقية أو صناعة أو إنتاج غذاء، كما لم نتعظ من دروس فترات الانخفاض. لقد أضعنا عدة فرص حقيقية لإيجاد بدائل للنفط، وخصوصاً حين تجاوز السعر 150 دولاراً، حتى نزل إلى الـ40 هذه الأيام، وهناك من يبشّرنا بانخفاضه مجدداً إلى العشرين دولاراً.

هذه المرة سيكون الأمر مختلفاً عن مرات الانخفاض السابقة، وخصوصاً بعد أن تحوّلت الولايات المتحدة، أكبر المستهلكين للنفط سابقاً، إلى أكبر بلدٍ منتجٍ للنفط. وهو ما يترجم في السياسة الدولية إلى تراجع أهمية منطقة الخليج خلال الفترة المقبلة، لصالح تحوّل الاهتمام الأميركي بمنطقة شرق آسيا، التي ستكون ساحة النزال المقبلة مع القوة الاقتصادية الصاعدة: الصين. فيما ستتراجع منطقتنا إلى مرتبة ثانية أو ثالثة من ناحية الأهمية الاستراتيجية، وسرعان ما ستتحوّل هذه الدول المزدهرة على ضفاف الخليج حالياً... إلى مجرد ضواحٍ وأرياف.

إنها ليست نظرةً تشاؤميةً للأمور، ولكنها قراءة لما ستؤول إليه الأوضاع خلال العقود الثلاثة المقبلة. فنحن في عالمنا العربي نعيش أكبر المآزق، مع الاستئثار بالقرار، وحتى حين نهض شباب الأمة العربية في عدد كبير من العواصم من أجل تصحيح هذا المسار التاريخي المنحرف، وُوجه بالدم والبارود، والمؤامرات والثورات المضادة، حتى وصلنا إلى مرحلة الهجرة الجماعية في قوارب الموت ومقتل الطفل السوري على الساحل ليصبح أيقونة عارٍ لهذه المرحلة السوداء.

لقد أضعنا فرصاً ذهبية عديدة لاستثمار هذه الأموال الطائلة في بناء الإنسان العربي، هذه الثروة غير الناضبة أبداً، واستخدمناها في بناء المجمعات التجارية والمضاربة في العقارات وبناء الأبراج الشاهقة في الصحراء، بينما ظلت أعداد كبيرة من مواطنينا يعانون من مشكلة عدم توافر السكن. والأسوأ من ذلك أنا أحرقنا مئات المليارات باختلافاتنا ونزاعاتنا، بينما كانت الشعوب الأخرى تصبّ كل هممها وطاقاتها في البناء والعلم والتطوير والبحوث. شباب القارات الأخرى يعيشون حياتهم ويتعلمون ويبدعون ويبنون، وشبابنا العربي يلتحق بالحركات التي تمتهن القتل والتفجير وتكفير الشعوب!

ما ينتظرنا هو الأسوأ حتماً، فحين تدفق النفط كان لدينا اقتصاد زراعي بسيط، وكان لدينا صناعة حرفية وصيد بدائي، وكان الأجداد يهاجرون طلباً للرزق هنا وهناك. أما حين تجف آبار النفط لن نجد حتى ما نأكله بعد أن قضينا على الزراعة ومصائد الأسماك وأقمنا فوقها العمارات. يومها هل تستبعدون، وكما قلت الخميس الماضي، لو دار الزمان علينا وجفّت آبار نفطنا، واضطرت أخواتنا وزوجاتنا وبناتنا للهجرة - لا سمح الله - للعمل «شغالات» في بيوت الأجانب على بعد آلاف الكيلومترات؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4747 - السبت 05 سبتمبر 2015م الموافق 21 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 4:37 م

      احم احم

      اللي يسمعك ايقول تاكل وتشرب نفظ ؟ انت مستفيد شي منه البحرين لما تعطين فلس واحد راح اتخسرك دينار ؟
      ليش هم الفلس ؟
      اللحوم اللي انت شايل همه تباع في كل العالم تقريبا بنفس السعر افترض ارتفع سعر دجاج المزرعه في الف الشركات اتبيع دجاج واللحوم المستوردة ؟
      سعر البترول خله يرتفع الكل راح يشتري محركات وراح ايصمم المحرك على غاز ؟
      افترض ارتفعت الكهرباء ما راح ايدفعون الفواتير وراح يبحثون في تخزين الكهرباء الشمسية ؟

    • زائر 24 | 9:57 ص

      البحرين اكبر من اي احد .

      عزيزي كل واحد يرجع شغلة القديم !! .......

    • زائر 23 | 5:47 ص

      للأسف لا يوجد تخطيط

      لا يوجد ف البحرين اي استراتيجيه بديله عن النفط، اقتصادنا يعتمد كليا على النفط. نضوب النفط يعني ضياع منطقه الخليج و ضياع مستقبل الاجيال القادمه. مع اننا بلد نفطي لم نرى اي من الصناعات او المصانع تزدهر و الازمات السياسيه و الطائفيه قادت البلد لمصير مظلم. نتمنى تصحيح الاوضاع قبل فوات الاوان.

    • زائر 22 | 5:17 ص

      ماذا سنفعل؟

      نحن من زمن بعيد ليس لنا فائدة من النفط ! لأن النفط وأموال النفط تذهب للحكومة والحكومة تصرف هذه الأموال على التسلح والتجنيس وتوضيف الأجانب والسياسات التي هي كلها ضد المواطن ، لقد كنت أدعو الله أن ينشف النفط من هذه الأرض لأن النفط ليس نعمة على هذا الشعب بل نقمة ،وعن العجوز التي تشحت فهناك الكثير منهن !

    • زائر 21 | 5:10 ص

      لن ينضب النفط الان

      الاسوء هو الذي يحصل اسعار النفط تتهاوى و سوف تسقط الى ادنى مستوى و بها ستسقط اقتصاديات دول كثيرة و منها دول الخليج التي لا تملك خيارا اخر.

    • زائر 19 | 3:22 ص

      ماذا نفعل بعد النفط

      أيه ماذا تفعل بعد جف النفط نحن من أغنياء المنطقة في العالم نحن البقره الحلوب لما يجف حليبها نذبحها على هونك والله أعينك القادم اكثر لما ما تدري اننا مقبلون على كارثه اكبر من الحاضر الله يحفضنا من المكروه ولكن على هونك يا كاتب الموضوع كما ذكرت ما هو مستقبلنا في المجهول وتحت المجهر

    • زائر 18 | 3:06 ص

      بعد زوال النفط لون النفط

      النفط ما خلص للحين وهذا وضعنا فكيف بعد زواله أو عدم الاعتماد عليه الواقع يقول وضع البلد أسود اللون.

    • زائر 15 | 2:18 ص

      سنحمل القفة

      ونطر

    • زائر 16 زائر 15 | 2:31 ص

      التوازن

      المفروض وبكل بساطه تقليل الانتاج او توقيف الانتاج لمده شهر وتعود الاسعار مثل السابق ولن تكون هناك خسائر اذا ماحسبنا ان فتره التوقف سوف يعوض عنها بارتفاع السعر الي الضعف ولكن المشكله التي تواجهنا هو خلط السياسه بالاقتصاد من قبل المسئولين القائمين علي صناعه النفط وتداخل الصراعات بين الدول المنتجه والمتضرر الوحيد هولاء الدول ومواطنيهم

    • زائر 13 | 1:45 ص

      راحت علينا يا سيد

      الظاهر بتشرب ماى البحر ونرجع نركب الدابة .

    • زائر 12 | 1:43 ص

      النعمة زوالة..

      الانسان بطبيعة حاله لا يحس بقيمة الشيء الا حينما يفقده..
      وكما يقال لا يحس بقيمة الشيء الا فاقده ..
      فالعبرة لابد وان تؤخذ من الشعوب التي نراها بأم أعيننا وهي فاقدة لهذه النعمة التي انعم الله علينا بها والثروات الكبيرة التي تضيع هدراً لعباً وفخراً واختيالاً..
      ما تحدثت عنه يا سيد قادم لا محالة وان كانت هناك مواجهة لهذا التحدي القادم فهو متاخر ولن يجدي نفعاً في ظل هذه الظروف التي نعيشها...

    • زائر 11 | 1:37 ص

      موضوع جميل ولكن هل من مجيب ؟؟

      طبعا معظم المزارع دفنت وبني مكانها بيوت اسكان ,, المحصول الزراعي ليس للتصدير وانما للاستخدام المحلي ولا يكفي ,, طبعا الدجاج والمواشي اكثرها من الخارج توريد ,, النفط الشعب غير مستفيد منه بتاتا ,, لا يوجد اقتصاد سياحي مع العلم ان البحرين جزيره ولا يوجد أي اقتصاد صناعي ابدا فما نحن فاعلون بعد نضوب النفط ؟؟ ماذا فاعلون ؟؟ حتى الرواتب بتطيح والاسعار بترتفع

    • زائر 10 | 1:30 ص

      اين استثمر النفط

      اين ذهبت عائدات النفط؟
      اين الاستثمارات الخليجية؟
      اين مدخرات الاجيال ....

    • زائر 6 | 12:42 ص

      بنبيع سنبل محمص

      بكل بساطه

    • زائر 3 | 10:55 م

      سؤال يوجه للحكومات

      هل نجحتم في جعلنا دول منتجة غير معنمدة على النفط في دخلها ام صرنا كالبقرة التي يباع حليبها لشراء البرسبم لاطعامها و عندما يجف الحليب تجوع

    • زائر 2 | 10:25 م

      الأمن الغذائي

      البلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد ولكن الأخطر هو إستيراد الأساسيات. نحن في بلد لا يغطي حاجته من الطماطم ولا يزرع البصل . كيف سنعيش إذا ضعفت قدرتنا على الإستيراد ؟

    • زائر 1 | 10:03 م

      للاسف

      منذ اربع سنوات و انا اردد للناس ان الاقتصاد العالمي سيتغير بعد ان استاثرت امريكا على نفط ليبيا و شبعت من العراق .. دول الخليج التي كان بامكانها مرات كثيره التحكم بالاقتصاد كونها المصدر الاول للطاقه الاولى فوتت الفرصه حتى اصبح القرار الان ليس بيدها .. الحقيقه اننا لن نستطيع حتى لحقبه العيش البدائي كون حتى المياه الجوفيه في خطر و مصائد صيد السمك تعاني و الزراعه اختفت .
      في اعتقادي الكثير سيهاجر لعمان قريبا كونها الوحيدة التي لديها على الاقل معادن و زراعه اما باقي المنطقه فستتحول الى صحراء

اقرأ ايضاً