العدد 4777 - الإثنين 05 أكتوبر 2015م الموافق 21 ذي الحجة 1436هـ

صناعة الفرص في الزمن الصعب

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يقال إن الفرصة تأتي متنكرة، وتذهب ساخرة، هي سريعة الفوت وقليلة العود. ولكن إلى أي مدى ودرجة ممكن الاعتماد على الفرصة في حياتنا؟ في هذا الصدد يروي القاص الروسي أنطون تشيخوف قصته بقوله: «منذ 40 سنة، وعندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، عثرت على ورقة مالية من فئة العشرة روبلات، ومنذ ذلك اليوم لم أرفع وجهي عن الأرض ابدا، وأستطيع الآن أن أحصي حصيلة حياتي، وأن أسجلها كما يفعل أصحاب الملايين فأجدها هكذا: 912 زراراً، 244172 دبوسا، 12 سن ريشة، 3 أقلام، منديل، وظهر محدودب وحياة بائسة! ولا غرابة في ذلك، فالاعتماد على الحظ وحده وانتظار ضربة من ضرباته لا يورث الإنسان إلا هذا الميراث العادل؛ ظهرا محدودبا وحياة بائسة».
الحكماء يرون أن الفرص لا تهدى بل تصنع، وأن الشكوى من قلة الفرص هي مهنة الكسولين، إنه فن «صناعة الفرص»، فالموفقون هم من يستغلّون الفرص، ولكن الناس الملهمين وحدهم من يصنعها، تماما كصنّاع الحياة يصنعون حياة ونمطا فريدا يتميزون بها دون غيرهم. الفرصة كما يعرفها سليمان العلي -إخصائي تنمية بشرية وتطوير الذات- «أي منفعة ذات قيمة مادية أو معنوية تحقق فائدة، ويتعرض لها الفرد باحتكاكه بالبيئة المحيطة له تعد فرصة». مضيفا أن أي عمل حضاري منجز في أي حقل من حقول الحياة هو نتيجة صناعة فرصة، لأن الفرق في نظره بين حياة الناجحين والفاشلين يكمن في مجموعة من الفرص المستغلة والمنتهزة. العلي يرى أن الفرد حين يريد صناعة فرصته، عليه أن يكون سيد الحلول بمعنى؛ يتعلم، يفكر، يسأل، يخمن، يفترض، يخطط، ثم يستعين بالله وينفذ. في الوقت نفسه، ينصح العلي أن لا يكون الشخص كالغيوم؛ لا يجيد إلا البكاء، بل عليه أن يتحكم في الظروف لبناء مستقبله باطمئنان، فإذا لم يكن مطمئنا في حركته، قادته الظروف الى ما لا يريد.
الحياة هي مجموعة من الخيارات الصعبة، فالإنسان بحاجة تحت وطأة ظرف ما أن يراجع بعض قناعاته، والقناعات بخلاف الثوابت، فالعمر يمضي والأيام لا تعود، ولا بد من اتخاذ القرار ولو كان مخالفا لبعض القناعات، ففي ذلك جرأة وإقدام، ولكنه خلاص وإنقاذ، تماما كقصة «من قتل الضفدعة؟»، إذ ظنت الضفدعة نظرا لقناعاتها، عندما وضعت في ماء يسخن، أنها تستطيع أن تضبط ﺩﺭﺟﺔ حرﺍﺭﺓ ﺟﺴمها بدرجة حرارة الماء تدﺭﻳﺠيا، ﻭﻟكن ﻋندﻣﺎ اقترب الماء من ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻐﻠﻴﺎﻥ، عجزت ﺍﻟﻀفدعة عن التكيف مع الوضع، فحاولت القفز أكثر من مرة، ولكن دون جدوى، حتى خارت قواها فماتت، ليبقى السؤال من قتل الضفدعة؟ هل هو الماء المغلي، أم عدم قدرتها على اتخاذ قرار القفز في الوقت المناسب قبل أن تنفذ طاقاتها في محاولة التكيف مع الوضع الجديد، أم قناعتها بأنها تستطيع، فهل نأخذ العبرة من الضفدعة!.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4777 - الإثنين 05 أكتوبر 2015م الموافق 21 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:18 م

      جميل

      مقال في قمة الروعة وأنصح الآخرين بقراءته وتأمل محتواه... وشكراً للكاتبة على هذا الإبداع

اقرأ ايضاً