العدد 4790 - الأحد 18 أكتوبر 2015م الموافق 04 محرم 1437هـ

بوتين ليس رجلاً رقيق المشاعر!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بوتين ليس رجلاً رقيق المشاعر! هذا التوصيف لشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس من عندي. فقد قالته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس ومعها وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس في مقال مشترك كَتَبَاهُ في صحيفة الـ «واشنطن بوست» قبل أيام وترجمه الزميل قاسم مكي. وعلى رغم أن توصيفاً عن المشاعر من هاتين الشخصيتين هو أمر يدعو إلى «الاشمئزاز» فإن المتابع يجب أن يقرأ ما يعبِّران عنه من مواقف تجاه أزمات المنطقة.

تتساءل رايس وغيتس: «كيف يمكن لفلاديمير بوتين، باقتصاد يتدهور وقوات مسلحة من الدرجة الثانية، أن يُملِي باستمرار مسار الأحداث الجيوسياسية!». ثم يضيفان «الرئيس الروسي يبدو دائماً صاحب اليد الطُولَى سواء في أوكرانيا أو سورية». الإجابة على تساؤل رايس/ غيتس الساخر هو ما قالاه في مكان آخر: «موسكو تفهم أن الدبلوماسية تتبع خطى الحقائق على الأرض»، والأهم أن «تعريف موسكو للنجاح ليس هو نفس تعريفنا له في أميركا» وهذه الحقيقة.

ومادام الحال كذلك، فإن «روسيا وإيران تُوجِدَان حقائق مواتية لهما. وحين يأخذ هذا التدخل العسكري مداه، عليكم توقع طرح مقترح سلام من موسكو يعكس مصالحها. ويشمل ذلك تأمين القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس». هذا بالضبط ما قاله الوزيران السابقان لأهم وزارتين في الإدارة الأميركية، وكأنهما يُناقضان نفسَيْهِما. إذاً لماذا التعجُّب مما يفعله الروس وتجاربكم أمامكم في أجزاء من أوروبا!

أردتم أن تلعبوا على حدود روسيا فما الذي جنيتموه؟ «دول فاشلة وصراعات مُجمَّدة في جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا». وأحسب أن الجورجيين لم يعد ينفعهم اعتراف الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة أجمعهم بهم، بينما عاشت أوسيتيا الجنوبية باعتراف أربع دول فقط: روسيا ونيكاراغوا وفنزويلا وناورو كجمهورية مستقلة! يا لسخرية القدر. الحبكة في ذلك أن بوتين «يجيد اللعب على نحو استثنائي بأوراق ضعيفة؛ لأنه يعلم بالضبط ما يريد أن يفعله»، ولكن ماذا عنكم أنتم؟ أجيب بالنيابة وبعكس ما تقولونه عن الروس تماماً: إنكم لا تجيدون اللعب على نحو طبيعي على رغم أن الأوراق قوية؛ لأنكم لا تعلمون بالضبط ما تريدون أن تفعلوه، هذه هي الحقيقة.

أعطونا بلداً دخلتموه وتركتموه جنة الله في الأرض كما كنتم توعدون الشعوب. دخلتم الصومال وتركتموه هاربين خراباً. (بل ولولا حماية الكتيبة الباكستانية المرابطة هناك آنذاك لانسحابكم المذِلْ لأصبحت هزيمتكم مضاعفة). ودخلتم أفغانستان فأصبح الأمن فيها أمراً دونه شيب الغراب! ودخلتم العراق وأزحتم صدام حسين، ثم جاء تقريركم المسمى بيكر - هاميلتون بنتيجة فاضحة وهي أن العراق لا يمكن أن يُحكَم إلاَّ بشخص مثل صدام! إذاً لماذا أتيتم أساساً ودمّرتم البلد على رؤوس أصحابه؟! واليوم تقولون «شطط الولايات المتحدة في العراق».

كيف لنا أن أفهم قول رايس/غيتس: بأن بوتين «يدافع عن مصالح روسيا بالإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد في سدة الحكم»، ونحن نتذكر أن منطقكم ذاته الذي يقول إن بوش الابن كان: «يدافع عن مصالح الولايات المتحدة الأميركية بإسقاط الرئيس العراقي السابق صدام حسين من سدة الحكم». فالمصالح هي ذاتها والفرق هو بين الإبقاء على رئيس أو إزالة آخر.

ثم وهل الولايات المتحدة لم تكن تدافع عن ميخائيل ساكاشفيلي والآن عن بترو بوروشنكو ونيكولاي تيموفتي إلاَّ عن مصالحها وحسب؟! هل هناك شيء آخر؟! لا أعتقد! على رغم أن الأول لايزال مزكوماً بأوسيتيا والثاني بالشرق الأوكراني والثالث بترانسنيستريا.

إنكم تكذبون وتنافقون. إنكم خسرتم الشعوب العربية والإسلامية وكثيراً من شعوب العالم؛ لأنكم تخليتم عن مبادئكم فأنتم مترددون وبراغماتيون أكثر مما يقتضيه الواقع؛ لأنكم لا تملكون أيّ مشاعر، لذلك فنحن نهزأ حين تُعيِّرون الآخرين بأنهم لا يمتلكون مشاعر رقيقة. «إن التعريف الروسي للنجاح لا يحتوي على عنصر قلق تجاه كآبة حال الشعب السوري»، كما تقولون وهذا صحيح، لكن أعطونا دليلاً على أنكم خلاف ذلك، وسنصدقكم، وهو أمر دونَه خَرْطُ القَتاد.

تتحدثون عن اللاجئين اليوم وكأن يداً لكم لم تعبث بها! تتقاذفون سفنهم في البحر، كل يريد أن يرمي الآخر بحجر، في حين أن مسئوليتكم الأخلاقية تقتضي أن تقبلوا بنتائج لمقدمات أنتم صنعتموها. فمن السخرية أن نرى 99 في المئة من اللاجئين القادمين إليكم هم من الدول التي وعدتموها بمستقبل ديمقراطي: أفغانستان والعراق وسورية!

ومادمنا نتحدث عن اللاجئين لنذكِّر بالتاريخ قليلاً. لقد بعتم المسيحيين في الشرق الأوسط عندما دمرتم الدول التي كانت تحتضنهم، في حين قَبِلَ الروس المسيحيون القياصرة بكل الهجرات العكسية للقوميات القوقازية المسلمة أن أتتها في القرنين التاسع عشر والعشرين بعد أن جرّبت مرارة الحياة في الدولة العثمانية المدمّرة على أيديكم. وهم اليوم يشكلون 20 مليون مسلم في روسيا! لذلك لا تذرفوا دموع التماسيح على اللاجئين وقضايانا، وأنتم تقبلونهم على مضض، وإن قبلتموهم فإن دوافعكم في ذلك اقتصادية بحتة كما يفعل الألمان اليوم.

تقولون: «هل هي تعاظم الطائفية؟!» هكذا تصفون شعور موسكو اللامبالي، لكننا نسألكم: مَنْ يؤوي القنوات الطائفية التي تحرق القشّ تحت أرجل الشيعة والسُّنة ويفتتح لها أقمار البث من أرقى أحيائكم! ثم ألستم مَنْ قرَّر أن يكون في العراق ضمنيّاً: كردستان وشيعستان وسُنِّستَان! ألستم مَنْ جعل الرئيس هناك كردي ورئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سُنِّي في تقسيم طائفي ولَّد أحقاداً كانت مدفونة تحت أقدام العراقيين؟!

لن نزيد أكثر لكن أرجوكم كفى هراءً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4790 - الأحد 18 أكتوبر 2015م الموافق 04 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 6:37 م

      احم احم

      هي المنطقة مصابة بي وباء الارهاب وبي اسلام من هب ودب ؟ لكن ما هي الحقيقة وماهي التسائلات حول سوريا ؟
      سوريا على ارض الواقع ؟ فيه اراضي غالبيته معارضين وتسيطر عليه المعارضة ؟ وفي اراضي غالبيته موالين وتسيطر عليه الحكومة ؟ وفي اراضي يتقاسمه المعارضين والموالين وفيه هدنة ؟ سوريا حاليا نصفها معارضين والاخر موالين ؟ لكن ؟
      ثلث السوريين 10 مليون تقريبا مهجرين كلهم معارضين ؟ يتضح ان ثلثين السوريين معارضين ؟ الزبدة ؟ اطرح السؤال الكبير 10 مليون معارض ليش هربوا من اراضي تسيطر عليه المعارضة ؟ فكر اشوي

    • زائر 16 | 11:02 ص

      الأمة العربية والإسلامية تمر بمرحلة خطيرة بعيدا عن بوتين وأوباما

      المستنقع الطائفي الحادث في المنطقة وحتى البلد الواحد أين عقلاء المسلمين عن ما يحدث أعتقد تقع المسئولية على كل من استغل اسم الإسلام في السياسة والحروب وتجنيد حتى الأطفال وافتتاح القنوات الفضائية الطائفية سوى من أحزاب إرهابية أو مذهبية أو دول

    • زائر 13 | 5:00 ص

      للزائر رقم 9

      المشكلة حين لا يفهم المرء ما يقرأ والأدهى من ذلك حين لا يفهم أن ما قرأه لم يفهمه بالأساس لذلك فهو ينتهي إلى نتائج لمقدمات خطأ . لم يصفق لاحتلال العراق سوى العرب والطائفيين ممن يبكون على التاريخ

    • زائر 12 | 3:51 ص

      متوسط عمر الرجل في روسيا 67 عاما!

      بينما متوسط عمر الرجل في البحرين 76 عاما. من هذا المقياس يمكنكم معرفة مدى تخلف روسيا و إن كان لديها الإمكانيات لأن تصبح قوة عظمى.
      قد نكون اليوم في عصر أفول القوة الأمريكية، لكن بالتأكيد روسيا لن تكون الوريث لأمريكا، روسيا اليوم كما يقول جون ماكين هي عبارة عن (محطة بترول) .. الإقتصاد الروسي قائم على ثلاث ركائز (الغاز و البترول و الأسلحة).
      مثلا لا تنتج روسيا سوى نوع واحد من السيارات (لادا) ... و هي سيارة من نوع لا تشتريه سوى مصر و فنزويلا و كوبا!
      قد يكون سبب تخلف روسيا هو إدمانهم الفودكا

    • زائر 11 | 3:44 ص

      و الله إنكم تكذبون على أنفسكم عندما تطبلون لروسيا و تذمون أمريكا

      أمريكا لو دمرت الشرق الأوسط، فهذا حقها كحق أي قوة عظمى. روسيا لو كانت مكان أمريكا لفعلت أكثر مما تفعل أمريكا فيكم. بالنسبة للامريكيين الشرق الأوسط هو مصنع أصحاب المشاكل (من عبدالناصر و الخميني و أسامة بن لادن و صدام حسين). هم أمام خيارين، إما أن يقنعوكم بالحسنى بالكف عن مناكفتهم و أن تعرفوا حجمكم الطبيعي (الذي يحدده إنجازاتكم العلمية و الصناعية و الإقتصادية و الفكرية)، أو تقنعكم بحد السيف و رأس الرمح.
      هذا هو منطق الأشياء في عالم السياسة، أمريكا لا تريدكم أن تحبوها، أمريكا تريدكم أن تخافوها!

    • زائر 10 | 3:38 ص

      بوتين يذكرني بـ (كريستيانو) و روسيا تذكرني بمنتخب (البرتغال)

      بوتين رجل عبقري، قد تكون عبقريته راجعة فقط لأن أوباما شخص قليل الخبرة و القدرات و حصل على منصب الرئاسة نظرا لبشرته السوداء (هذه تعتبر ميزة هذه الأيام!). بوتين هو مثل لاعب منتخب البرتغال كريستيانو، لاعب لامع و ذو مهارات فائقة، لكن المشكلة تكمن في أنه يلعب في منتخب ضعيف كالمنتخب البرتغالي!
      أمريكا تعيش أسوأ أيامها عندما أتت للرئاسة برجل أسود فقط لمجاملة السود و تطييب خاطرهم نظرا للإضطهاد الذي تعرضوا له في تاريخهم. أتوا بهذا الرجل قليل الخبرة الضعيف الشخصية و خرب كل شيء!

    • زائر 9 | 2:14 ص

      مبروك أكلك الوليمة

      إلى زائر 6 ، يبدو أنك أكلت من الوليمة العراقية وشبعت حتى التخمة لذلك تلوم الآخرين الذين ينتقدون الآن الجهلة حكام العراق ، كل ما ترونه أن صدام منع شعائر خاصة باحدى الطوائف هذا كل همكم والأن أنت وأمثالك فرحين بها وكأنه إنجاز تحقق لك ولغيرك ، أما غير ذلك من دمار وفقر وجهل وأمية متفشية تعشعش في العراق فهذا لا يهمك . هنيئا لك ولأمثالك الوليمة .

    • زائر 7 | 1:14 ص

      الكل يبحث عن مصالحة

      على الحكومات في الخليج أحتضان شعوبها بكل أطيافهم و ألوانهم لأنهم السد المنيع أمام أطماع كلا من أمريكا و روسيا و أيران و بريطانيا , نعم نختلف سياسيا و مذهبيا و نتفق على أن عدونا الخارجي واحد أياً كان .

    • زائر 5 | 12:10 ص

      لا فرق

      لا فرق بين الروس و الأمريكان فكلاهما يعادي الاسلام و العروبة و يدعم الإيرانيين اعداء الاسلام و العروبة

    • زائر 14 زائر 5 | 7:40 ص

      لمتى هذا الحقد على إيران

      عطني سبب مقنع لحقدكم على إيران

    • زائر 4 | 12:02 ص

      هل من متدبر؟

      مقال رائع

    • زائر 3 | 11:20 م

      مدح

      انا اعتبر ذم هاذين الشخصيتين لبوتين اكبر مدح له فهما سبب دمار وخراب المشرق العربي ( الشرق الاوسط)

    • زائر 2 | 11:07 م

      صدقت والله.

      نعم ه ام المصائب امريكا ولكنها بدون عقل رزين ومتشوشة الافكار فى معظم رؤسائها.

    • زائر 1 | 10:39 م

      فرحتم بذلك سابقا فلماذا البكاء الآن ؟؟

      الآن فقط استوعبتم الدرس؟ بعد خراب مالطة ، كم من محلل وكاتب وصاحب رؤية مستقبلة قال وتكلم بأن لا تثقوا في الأمريكان؟ إنهم يأخذون ولا يعطون إنهم يدمرون ولا يبنون، ولكن لا حياة لمن تنادي. غزو العراق من صفق له وهلل ؟ من بارك وفرح بدبح العراقيين وتقسيم العراق وتدمير بنيته التحتية وتجويع شعبه وإرجاعه إلى القرون الوسطي من بارك ؟ الآن تدرفون الدموع على تدمير بلد كان سيخرج من العالم الثالث ؟ إذهب الآن الى العراق تجده جثه هامدة تتنفس فقط لكن دون حراك . هذه الديمقراطية التي وعدكم الأمريكان بها. هنيئا لكم.

    • زائر 6 زائر 1 | 12:13 ص

      بعض المعلقين

      بعض المعلقين مع الاسف كمن يأتي نهاية الوليمة فلا يرى سوى بقايا الطعام ليبدأ اللوم هنا وهناك وهو لم يقرأ ماذا قيل وحول ما قيل منذ سنوات

اقرأ ايضاً