العدد 4800 - الأربعاء 28 أكتوبر 2015م الموافق 14 محرم 1437هـ

الحلو بدوني أحلى!

بقلم: أشواق العريبي- باحثة بيولوجية 

28 أكتوبر 2015

إفطارك، يرافق كوب الشاي الصباحي الخاص بك، وقد تجده يتربع متباهياً يزخرف قطع الكعك والفطائر التي صُفت جنباً إلى جنب برطمانات مربى التوت والعسل الطبيعي الفاخر.

تنشط نحو عملك، تسابق الزمن لإتمام مهامك المتكدسة، فقد تكتب مقالاً بيد ريثما تتلذذ به في حبات العنب الأخضر باليد الأخرى، وقد تلتهمه بعدها كطبقٍ من البطاطس الحلوة المحشوة بالجبن!

تتلقى اتصالاً من صديق الطفولة يدعوك لحديث فنجان قهوة وبوظة تجلبه معه وحفنة من ذكريات رُكنت في بقعة من الروح!

تشاطر ابنك المرح واللعب والتعلم وطعمه في السكاكر الجديدة التي ابتاعها للتو، وفي المساء يترقبك شوقاً في طبق التحلية بعد وجبة عشاء دسمة!

بياضٌ لونه، ناعم في ملمسه، بلوري بلمعان لؤلؤي... ترتشفه مذاباً أو تقضمه صلباً بسائغ اللقمات... يحيطكَ، تسبح في مدارات فلكه، يتسلل دماءك خلسة، ولعلك تقدمت نحوه بترحيب حار...

لهفة اللقاء به تتجدد كلما فارقته، تشتاقه عضلاتك الخائرة ويرتجيه دماغك المُجهد. تجتمعان بحماسة، ترتويه لذةً فتنشط حواسك بأكملها.

إنه السكر، رفيق يومك الذي يلازمك مع إشراقة كل صباح حتى أفول قمر المساء، رفيقٌ بات شبحاً يعكر صفو حياتنا أسموه «داء السكري»! تلقي عليك وسائل الإعلام المختلفة بتحذيراتها المتكررة: عش صحياً، تمتع بحياتك وتجنب داء السكري. داءٌ بات كالنار يلتهم الهشيم... أو كذئب مفترس ينهش لحم فريسته بلا اكتراث!

لو أجمعنا لوجدنا أن لداء السكري ثلاث نظريات علمية يحاول العلماء من خلالها تفسير أسبابه، نستعرضها كالآتي:

خلل فسيولوجي:

في آلية إفراز هرمون الأنسولين أو آلية عبوره الخلية بسبب عطب في المستقبلات الخلوية.

نمط الحياة غير الصحي:

كقلة النشاط البدني وعدم الاعتدال في تخصيص الوجبات الغذائية اليومية.

ميكروبات الجسم:

حيث توصل علماء الأحياء المجهرية في ولاية أيوا الأميركية إلى أن لميكروبات الجسم تأثيراً يمكنه أن يساهم إلى حد ما في نشوء وتطور مرض السكري. الدراسة التي نُشرت في مجلة «mBio» وجدت أنه عندما تتعرض الأرانب بشكل مزمن لمادة سامة تنتجها بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus)، فإن علامات مرض السكري من النوع الثاني تظهر كمقاومة الأنسولين، الحساسية المفرطة تجاه الجلوكوز والالتهابات.

السموم التي تفرزها هذه البكتيريا مثل الــ «TSST-1» تتسبب في الإصابة بمتلازمة الصدمة التسممية (Toxins Shock Syndrome) التي تصاحبها عادة حمى مرتفعة وانخفاض في ضغط الدم مع شعورٍ بالتوعك والتعب.

هذه النتيجة فُسرت على نحو أنّ للسُمنة تأثيراً على الميكروبيوم (وهو نظام البكتيريا والميكروبات التي تعيش في أجسادنا وتؤثر على صحتنا)، حيث تعمل زيادة الوزن المفرطة على تغيير تركيب ميكروبيوم الجسم ولعل أحد هذه التغيرات هو زيادة في استعمار بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus) للجسم، والتي أشارت نتائج الدراسة إلى دورها في ظهور مرض السُكري. وبهذا فإن التغييرات التي تُحدثها السمنة على أجسادنا لا تقتصر على المظهر الخارجي فقط، إنما تعمل في الخفاء، في الداخل لتؤول إلى مشكلات صحية لا تُحمد عقباها.

وأكد علماءُ هذه الدراسة أنهم يعكفون حالياً على تطوير مصل مضاد لبكتيريا المكورات العنقودية للوقاية من فرص الإصابة بمرض السكر النوع الثاني، وهو ما يبشر بنمط علاجي جديد!

ختاماً،،،

تذكر: إن كانت حياتك «سكر» لا تخليها «مُر»، وإن كان صاحبك «حلو» لا تأكله كله!

ولكم دوام السلامة

العدد 4800 - الأربعاء 28 أكتوبر 2015م الموافق 14 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً