العدد 4832 - الأحد 29 نوفمبر 2015م الموافق 16 صفر 1437هـ

رئــــة من بــلور

بقلم: أشواق العريبي- باحثة بيولوجية 

29 نوفمبر 2015

أحلم أن أغوص في أعماق مياه زرقاء صافية دون أن أخشى الغرق فأنفض ولو قليلا ذرات أثقلت أنفاسي وأنهكت كاهلي بما لا أُطيق.أحلم أن تبللني موجات بحرٍ، تحتويني فأنتعش لأتراقص بعدها فرحاً في خفة و رشاقة.أحلم أن أغوص فأرتوي!

ترنيمة ترتلها نفسي و تهجع لها ذاتي في سكونٍ وإنصات. أرددها كطفلٍ تعلم للتو أنشودة جديدة.

أريدُ أن أغوص، وأن أغوص و أغوص، أعلمٌ يقيناً هذا ما أريده.

لكن، كيف السبيل؟!!

كيف السبيل لمن تضيق ممرات أنفاسه كلما أراد عملاً مضاعفاً ؟!

كيف السبيل لمن عُطبت رئتاه عن أكسجينها المذاب في الماء؟!

كيف السبيل لمن شُخصت شُعب قصبته الهوائية المعلولة بأزمة ربوية خانقة؟!

هو أنــا! ذاك الحالم وذاك الموبوء بالمرض في آن!

ـــــــــــــــــــــــــــــــ انتهى! ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قُصاصة من خاطرة وجدتها بينما كُنت أتصفح كتاب نثري خطته أحلام أحد الهواة!

استوقفتني حرارة نبضها، لم تعبرني بسلام، بل تركت في النفسِ أثراً و شجون.

استدركتُ بعدها ما جاءت به احدى المطبوعات العلمية كخبرٍ منقول من صفحة جامعة جنوب الدنمارك الإلكترونية. الخبر ينقل بُشرى للغواصين بعد اكتشاف مادة بلورية يمكنها أن تمتص كميات هائلة من أكسجين الهواء المحيط وتخزينه بداخله إلى حين إطلاقه تُغني عن أنابيب الأكسجين الثقيلة التي عادة ما تُرهق الغواصين بحملها. المادة البلورية أو ما أطلق عليها مصنعوها بــ «بلورات الرجل المائي» تتكون أساساً من عنصر الكوبالت الذي يمنحها تركيبها الجزيئي والإلكتروني والذي يُمكَّنُها من امتصاص الأكسجين من البيئة المحيطة بكميات كبيرة وتخزنه بداخلها دون أن تتفاعل معه.

وقد تكفي كمية منها ملء دلو سعته 10 لترات لإمتصاص الأكسجين الموجود في غرفة بالكامل، وتحتجزه بتركيز يبلغ حوالي 160 مرة أمثال تركيز الأكسجين في الهواء المحيط. ومن المثير حقا إنه في المعمل وأثناء التجارب، كانت البلورات تمتص الأكسجين من الهواء حول العلماء أنفسهم، الأمر الذي حذا بالعلماء للتعامل بحذر شديد معها خصوصا في الأماكن المغلقة حتى لا يجدوا أنفسهم «صِفْر» الأكسجين!

ويمكن اطلاق ذرات الأكسجين المخزنة عن طريق تسخين البلورات تسخيناً هيناً أو تفريغها بإخضاعها لضغط أكسجين منخفض. ومن الرائع إن لهذهِ البلورات أن تتلون باللون الأسود عندما تكون مُشبَّعة، وعند تفريغها من الأكسجين تتحول إلى اللون الوردي. هذه القدرة على التحكم في كميات الأكسجين المفرَّغة تصاحبها إمكانية إعادة استخدام البلورات على نحو متكرر دون فقدان فاعليتها؛ حيث يمكنها أن تمتص الاكسجين و تُفرِّغه بما يشبه غمس إسفنجة الغسيل في الماء ثم عصرها ثم إعادة استخدامها.

«بلورات الرجل المائي» آلية جديدة مهمة ونافعة لمرضى سرطان الرئة الذين يتحتَّم عليهم حمل أنابيب أكسجين ثقيلة، وكذلك لمحترفي وهواة الغوص ويمكنها أيضا أن ترافق مرضى الربو في رحلاتهم وأسفارهم وحتى الراغبين منهم في سبر أغوار المحيط.

عزيزي أيُها الحالم، اصنع الحُلمَ، تلذذ به وتفنن حتى وإن كانت رئتاك من بلور!

العدد 4832 - الأحد 29 نوفمبر 2015م الموافق 16 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً