العدد 4858 - الجمعة 25 ديسمبر 2015م الموافق 14 ربيع الاول 1437هـ

صنقور: القبول بتبعيّة المؤسسة الدينية للجهات الرسمية يساوق التخلِّي عن المسئوليات الشرعيَّةِ المناطة بعلماءِ الدين

صنقور: منبع القوَّةِ الأدبيَّةِ النسبيَّةِ التي تحظى به المؤسسة الدينيَّة في مختلفِ الحواضرِ الإسلاميَّةِ هو ثقة الناسِ بها
صنقور: منبع القوَّةِ الأدبيَّةِ النسبيَّةِ التي تحظى به المؤسسة الدينيَّة في مختلفِ الحواضرِ الإسلاميَّةِ هو ثقة الناسِ بها

نبه الشيخ محمد صنقور في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز أمس (الجمعة): إلى أن «القبول بتبعيَّةِ المؤسسةِ الدينيَّةِ للمؤسسةِ الرسميَّةِ يُساوقُ التخلِّي عن المسئولياتِ الشرعيَّةِ المناطةِ بعلماءِ الدينِ والتي من أهمِّها على الإطلاقِ هو الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ». وتحت عنوان «الحديث حولَ استقلاليَّةِ المؤسساتِ الدينيَّةِ»، قال صنقور: «تنطلقُ مواقفُ العلماءِ فيما يتَّصلُ باستقلاليَّةِ المؤسساتِ الدينيَّةِ من خلفيَّةٍ دينيَّة شرعيَّةٍ محضةٍ، فهم يدينونَ اللهَ تعالى برفضِ أيِّ محاولةٍ تنتهي في مآلها ولو احتمالاً إلى إخضاعِ المؤسساتِ الدينية لأيِّ جهةٍ نافذةٍ، وذلك لخطورةِ المحتَملِ لو اتَّفق أعني خضوعَ المؤسسةِ الدينيَّةِ لجهةٍ نافذةٍ غيرِ دينيَّةٍ».

وأضاف «منشأُ الحظْرِ الديني للقبولِ بخضوعِ المؤسسةِ الدينيَّةِ ولو مآلاً لأيِّ جهةٍ نافذةٍ كالجهاتِ الرسميَّةِ هو أنَّ الخضوعَ لتلك الجهةِ يُساوقُ القبولَ بإخضاعِ الوظائفِ والتكاليفِ والمقاصدِ الشرعيةِ لرؤى ومصالحَ تلك الجهةِ النافذةِ، فحينذاك يكونُ زمامُ الدينِ وامتثالِ التكاليفِ الشرعيَّةِ خاضعاً للسلطةِ النافذةِ على المؤسسة الدينيَّةِ، فما يُوافقُ أو لا يُخالفُ رؤاها ومصالحَها من أحكامِ اللهِ ومقاصدِ الدينِ تأذنُ بامتثالِه وتمثُّلِه وما يُنافي مصالحَها ورؤيتَها تصدُّ عنه، وقد يصلُ بها الحالُ إلى أنْ تكلِّفَ المؤسسةَ الدينيَّةَ بتبريرِ تلك المخالفاتِ الشرعيَّةِ والتماسِ الحِيَلِ والمخارجِ لها بما يُناسبُ مقاصدَ ورؤى الجهاتِ الرسميَّةِ المهيمنةِ على المؤسسةِ الدينيَّةِ كما اتَّفقَ ذلك كثيراً للعديدِ من البلدانِ التي ابتُليت مؤسساتُها الدينيَّةُ بالتبعيةِ للمؤسسةِ الرسميَّةِ بل قد يصلُ الحالُ بالمؤسسةِ الدينيَّةِ إلى مستوىً تكونُ معه مُضطَّرةً إلى مسايرةِ المؤسسةِ الرسميَّةِ في مُطلقِ برامجِها ليس بالتغاضي والسكوتِ وحسب بل بإضفاءِ الشرعيَّةِ الدينيَّةِ على مجملِ إجراءاتِها وبرامجِها وإنْ كانتْ من الدينِ على طرفي نقيضٍ». وأشار إلى أن «مقتضى التبعيَّةِ هو افتقادُ المؤسسةِ الدينيَّةِ للإرادةِ المستقلَّةِ حتى فيما يتَّصلُ بطبيعةِ المناهجِ المعتمَدةِ في التدريسِ بل وهويةِ الكتبِ ومؤلفيها وما يُدرسُ منها وما يلزمُ إغفاله، ومن يتمُّ تعيينُه لتدريسِها، وما هي شرائطُ القبولِ والرفضِ وما هي البرامجُ والشروطُ التي يلزمُ اعتمادُها في العمليَّةِ التعليميَّةِ والتبليغيَّةِ، وما هي حوافزُ الانضباطِ بالضوابطِ المقرَّرةِ وما هي الإجراءاتُ التأديبيَّةُ في حالاتِ التخلُّفِ، وذلك يقتضي أن يكونَ المتابعُ والمشرفُ معيَّناً من قِبَلِ الجهةِ الرسميَّةِ النافذةِ.

ولكم أنْ تتصوَّروا حينذاك الواقعَ الذي ستكونُ عليه المؤسسةُ الدينيَّةُ والتي ستٌصبحُ حقيقةً وليس مجازاً دائرةً من الدوائرِ الرسميَّةِ». وأوضح صنقور أن «دعوى أنَّ الأمرَ لنْ يصلَ إلى هذه المرحلةِ ينفيها التأريخُ المُتْخَمُ بالشواهدِ المُخجِلةِ وتنفيها التجاربُ المشهودةُ في العديدِ من البلادِ الإسلاميَّةِ، والعجيبُ وإنْ عِشْتَ أراكَ الدهرُ العجيبَ، إنَّه في الوقتِ الذي تتعالى فيه صيحاتُ الكثيرِ من علماءِ المسلمينَ مطالبينَ بضرورةِ استقلالِ مؤسساتِهم الدينيَّةِ ومعبِّرينَ عن المساوئِ والآثارِ الوخيمةِ التي نشأتْ عن إخضاع مؤسساتِهم الدينيَّةِ لدوائرِ بلدانِهم الرسميَّةِ يحرصُ بعضُ المُتملِّقينَ عندنا طواعيَّةً على إخضاع الشأنِ الديني برمَّتِه للجهاتِ الرسميَّةِ». وبين أن «واحداً من أهمِّ المسئولياتِ الشرعيَّةِ المؤكَّدةِ المناطةِ بعلماءِ الدينِ هي توثيقُ صلةُ الناسِ بربِّهم ودينِهم وقيَمِهم، وحمايتهم من الوقوعِ في شرَكِ الضلالاتِ والشبهاتِ، والعملُ على تحصينِهم في مقابلِ وسائلِ الفساد والتحلُّلِ الأخلاقي، وكلُّ ذلك لا يتمُّ إلا حينَ يثقُ الناسُ بعلمائِهم، وكيفَ يَسعُهمْ أن يثقوا برجالٍ يَنصحونَ حِينَ يُؤذنُ لهم ويُحجِمونَ حينَ لا يؤذنُ لهم، يُصلُّونَ بأجرٍ، وهاجسُ أحدِهم أنْ لا يعزلَ، وطموحُه الذي يتعاظمُ في كلِّ يومٍ هو أنْ يَنعَمَ بالمزيدِ من الرضا والحوافزِ ممَّن يتبعُ، فهو بين الخوفِ والرجاءِ، ولهذا لنْ يُحرِّك مثلُه ساكناً وإنْ أصيبَ الدينُ في مقتلٍ، وحين يكونُ ذلك هو واقعُ العلماءِ لا قدَّرَ الله فإنَّهم لن يحظوا بثقةِ الناس، وإذا فقدَ الناسُ ثقتَهم بعلمائِهم فحينذاك لن يتَّعظوا بوعظِهم ولن يعبؤوا بتحذيرِهم وإرشاداتِهم، وبذلك يضيعُ واحدٌ من أهمِّ المقاصدِ الشرعيَّةِ». وتابع صنقور «ثمة أمرٌ آخرُ يقعُ على رأسِ الوظائفِ والمسئولياتِ الشرعيةِ المناطةِ بالمؤسسةِ الدينيَّة وعلماءِ الدينِ وهو مطالبةُ الجهاتِ الرسميَّةِ برعايةِ حقوقِ الناسِ، وكيف يسعُهم مطالبةُ الجهاتِ الرسميَّةِ بذلك وهم جزءٌ من منظومتِها؟!، لذلك لن يُتاحَ لهم الدفاعُ عن حقوقِ الناسِ ولن يُؤذنَ لهم بذلك، ولو أُذنَ لهم فلنْ يكونَ إلا لغاياتٍ ليس منها الحِرصُ على الاستجابةِ لهم بل لذرِّ الرمادِ في العيونِ.

وكذلك فإنَّ من أهمِّ الأدوارِ والمسئولياتِ المُناطةِ بعلماءِ الدينِ هو النقدُ والتصويبُ والتوجيهُ، ولا يسعُهم القيامُ بهذا الدورِ إذا كانوا يتلقَّونَ برامجَهم وتوجيهاتِهم وتحديدَ مهامِّهم من ذاتِ الجهةِ التي يُرادُ توجيهُ النقدِ والتصويبِ إليها». ونبه صنقور إلى أن «القبولُ بتبعيَّةِ المؤسسةِ الدينيَّةِ للمؤسسةِ الرسميَّةِ يُساوقُ التخلِّي عن المسئولياتِ الشرعيَّةِ المناطةِ بعلماءِ الدينِ والتي من أهمِّها على الإطلاقِ هو الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ، ثم إنَّ من المساوئِ المترتَّبةِ على القبولِ بالتبعيَّةِ - لو وقعتْ - هو أنَّ كلَّ مؤاخذةٍ وكلَّ خطيئةٍ تجترحُها الجهاتُ الرسميَّة فإنَّ المجتمعَ سوف يحمِّلُ جزءً منها المؤسسةَ الدينيَّةَ، وبذلك تفقدُ المؤسسةُ الدينيَّةُ تأثيرَها وموقعَها في قلوبِ الناسِ، وهذا ما يضرُّ ضرراً بليغاً بمقصدِ الشريعةِ من التكليفِ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ». ورأى صنقور أنَّ «منبعَ القوَّةِ الأدبيَّةِ النسبيَّةِ التي تحظى به المؤسسةُ الدينيَّةُ في مختلفِ الحواضرِ الإسلاميَّةِ هو ثقةُ الناسِ بها، فتلك هي وسيلةُ التأثيرِ التي يتكِئ عليها العلماءُ في مقامِ المعالجةِ لمختلفِ القضايا، ولذلك فإنَّ القبولَ بالتبعيَّةِ للمؤسساتِ الرسميَّةِ يكونُ تضحيةً بهذه القوةِ الأدبيَّة، وذلك ما يناقضُ أغراضَ الشريعةِ ومقاصدَها في الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ.

فإنَّ العلماء لا يسعُهم القيامُ بدورِهم في ظلِّ عدمِ ثقةِ الناسِ بهم، ومن هنا كان القبولُ بإخضاعِ المؤسسةِ الدينيَّةِ للجهاتِ الرسميَّةِ يُساوقُ القبولِ بإلغاءِ المؤسسةِ الدينيةِ لأنَّها في فرضِ التبعيَّة ستُصبحُ واحدةً من الدوائر الرسميّة». وفي ختام خطبته، قال صنقور: «من الواجبِ الأدبيِّ علينا جميعاً الاحتفاءَ بالشيخِ الجمريِّ (عطَّر اللهُ ثراه) في ذكرى رحيلِه إلى ربَّه جلَّ وعلا، فلقد كان بحقٍّ رائداً من روَّاد الصحوةِ الدينيَّةِ والحقوقيَّةِ والسياسيَّةِ في هذا الوطنِ العزيز، ولقد أعطى من فكرِه وجهدِه ووقتِه ومشاعرِه ما يملكُ في سبيلِ ذلك، ولقد تكبَّدَ قسوةَ ما يتكبَّدُه المصلحونَ صابراً محتسباً يحدوه الأملُ في أنْ ينهضَ بهذا الوطنِ وأبنائِه حيثُ يطمحُ الأوفياءُ وذوو البصائرِ، فَتَحِيَّةً لوعيِهِ الثّاقبِ وقلبِهِ الحنونِ ومشاعِرِه الّتي كانت تفيض حُبًّا ورحمةً وإخلاصًا لربِّهِ وإشفاقًا على هذا الوطن».

العدد 4858 - الجمعة 25 ديسمبر 2015م الموافق 14 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:16 ص

      صح لسانك شيخنا

      اهم ما يميز المؤسسة الدينينة في المذهب الجعفري هو استقلالها عن المؤسسة الحكومية وقد سمعنا كثير من علماء الطائفة السنية الكريمة انهم يتمنون هذه الميزة ليتحرروا من سيطرة الحكام

    • زائر 5 | 2:09 ص

      يقول أحدهم

      أحد الأئمة المفصولين يقول: ذبحنه هذا .....قطع رزقنا
      ثم يصرخ قائلاك(سنتين بدون راتب)
      قلت له: وش لك انت سنين كنت بدون راتب
      قال: رزق و جاي لينه نقول لا
      و يقول: أخذنا إذن من أحد الفقهاء!!
      قلت : لعلك تصل مرتبة فقيه فتعطي إذنا و السبب تبعيتك

    • زائر 3 | 10:49 م

      وانتم

      ان علمائنا اجلاء ليسوا ممن يلحقون وراء المال او الدنيا ولا هم دعاة فتنه وهم اصحاب فكر ومنطق وهم ليسوا كغيرهم ركعون تحت اقدام ... وعني البعض وليس الكل وهم اساس الفساد والدمار في هذا البلد الحبيب وان من يمشي خلفهم ليسوا جهله او غير ذالك من المسميات نحن نعرف من هم وندرس افكارهم ونعلم جيداً من هم

    • زائر 2 | 10:37 م

      الرسول الاعظم صلي عليه وسلم

      لماذا الاعتراض والرسول صلى الله عليه وسلم يقول الهم اهدي قومي فإنهم لايعلمون

    • زائر 1 | 10:24 م

      ليش الخوف

      ليش الخوف من الموضوع لأن السلطه سوف تسحب البساط من تحت أقدامكم وغش البسطاء من الناس

    • زائر 4 زائر 1 | 11:26 م

      غريب ردك

      جالس افكر في ردك ...؟؟!! من اي مقاس او زاويه كتبت هذا الرد !!؟؟ الموضوع بعيد عما ذهبت اليه.. فتبعية المؤسسه الدينيه للدوله تخرجها من محتواها كما نشاهد في الكثير من الدول ..القراءة المستمره والمطالعه بتمعن كفيله بالوصول الى عقلية متفتحه تستطيع ان تصل الى فهم والتمعن بكل ما هو مطروح من مواضيع

    • زائر 7 زائر 1 | 2:24 ص

      يا هذا

      والله لو كانت ............عادلة .. لكنا ايدنا انضمام مؤسساتنا الدينية تحت وصايتها ولكن نحن مجبورين ان نكون مستقلين

اقرأ ايضاً