العدد 4859 - السبت 26 ديسمبر 2015م الموافق 15 ربيع الاول 1437هـ

علبـــة ألوان فـــارغة !

بقلم: أشواق العريبي- باحثة بيولوجية 

26 ديسمبر 2015

تلك زهرة لافندر بنفسجية بين أوراقها الخضراء. وتلك جورية حمراء تزاحم زنابق صفراء للتو نابتات. أما هذه فهي وريقات أقحوان جبلي بلون الزهر تتراقص حولها الفراشات. وهنا ينتصب ساق أوركيد خمري مُحمَر ليعانق سوسنة أرجوانية مخملية. وهنالك ترتسم لناظري لوحة من بتلات لوتس لازوردية تنثر عطرها الجذاب في انسجام مع رونق دوار شمس ذهبي مزدوج الزهرات. استدر قليلا لتتمتع بعروش بياض الياسمين المتسلقة في رشاقة لتصافح جنة القرنفل البرقوقي الفواح.

تلك كلمات أختي وهي تحاورني بشغف وحب لتتلو على مسامعي مشاهد من حديقة زهور قزحية غناء تَعُجُ بالألوان حُرِمتُ تصويراتها المشبعة بأصباغ الفرح. حُرِمتُ نقوشها المطلية بالجمال وتلاوينها المبهجة. حُرِمتُ اللون ووهِبتُ اللالون!

“عمى ألوان”،، حالةٌ وُلِدتُ بها ولعلي خنعتُ لها، رضيتُ فتعايشت!

أجهلُ التمييز، أأحمرٌ أم أخضر .. أَأخضرٌ أم أحمر؟!!

مخاريط ألوان معطوبة .. خلل جيني في عصب العين .. إعاقة بصرية، لم أعد أهتم ولم يعد يعنيني الإكتراث!

فبارقات الأمل تلوح لي بعدما طوَّر علماء من معامل (2AI) بولاية أيداهو الأمريكية فكرة تصنيع عدسات من نوع معين يلبسها المريض قادرة على علاج عمى الألوان (Color blindness) بخاصة عدم تفرقة المصابين به بين اللون الأخضر والأحمر وهو النوع الشائع من عمى الألوان. وقد حققت هذه العدسات والتي تسمى أوكسي آيزو (Oxy - Iso lenses) نتائج إيجابية عند استخدامها وتمكن المرضى من الرؤية الصحيحة بشكل جيد. حيثُ لعبت الصدفة دورًا في اكتشاف هذا النوع من العدسات الأرجوانية اللون والتي تصحِّح عمى الألوان وهو عيب بصري وراثي يعاني منه 8–10% من الذكور و 4% من الإناث. تم تصنيع هذا النوع من العدسات في الأساس لمساعدة المسعفين والممرِّضين على استبيان مستويات الأكسجين تحت الجلد ومن ثَمَّ تمييز الأوعية الدموية والكدمات من وراء الجلد. ولكن ظهر بالاستعمال مقدِرةُ تلك العدسات على ترشيح أحزمة الضوء التي تتعارض مع المقدرة على تمييز عدة تدرجات للونين الأخضر والأحمر. المثير للجدل إنه ورغم نجاح النظارات التي تستخدم عدسات أوكسي-أيزو في تمييز اللونين الأحمر والأخضر إلَّا أنه ينصح بعدم استخدامها أثناء القيادة على سبيل المثال وذلك لأنها تحد من القدرة على تمييز اللونين الأصفر والأزرق.

قيل لي يوماً: إن روحكَ الجميلة ستقودُ عيناكَ حتماً بين مسالك معتمة حتى وإن كانت علبة ألوانك فــارغة. حروفٌ رُسِخت في ذاكرتي، أرددها بين الحين والآخر لتمنحني عدساتٍ صُنِعت من إيمانً بالحياة لا عدسات صُنِعت من زجاج.

العدد 4859 - السبت 26 ديسمبر 2015م الموافق 15 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً