العدد 4872 - الجمعة 08 يناير 2016م الموافق 28 ربيع الاول 1437هـ

وسام القلب الأرجواني

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

400 ألف مسلم حاربوا مع قوات الحلفاء خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية! لقد قام البريطانيون بترتيب تلك «الجحافل المسلمة» كي تخوض قتالاً معها ضد الألمان وامبراطرية الهابيسبورغ ثم ضد ألمانيا وإيطاليا في الحرب الثانية. ليس ذلك فحسب بل قاتل عشرات الآلاف من المسلمين إلى جانب الفرنسيين في هزائمهم وانتصاراتهم. هذا ما أحصاه إدوارد كيرتس في الـ «واشنطن بوست» والذي سأجعله حجر الزاوية في حديثي.

يضيف كيرتس أن المسلمين الأميركيين حاربوا كجنود «في فيتنام» وكذلك في «حرب الخليج» سنة 1991م ثم في حربَي «أفغانستان والعراق» على رغم أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولو دققنا في أزيد من 130 حرباً خاضتها الولايات المتحدة الأميركية لوجدنا أسماءهم فيها كذلك ربما.

خلال ترشّح الرئيس الأميركي باراك أوباما في سباق الرئاسة أيَّد وزير الخارجية الأسبق كولن باول ذلك الترشح. وقال أثناء برنامج على راديو «إن بي سي» منتقداً منتقِدِيْه الذين اعترضوا على ترشّح شخص ذي جذور مسلمة: «وماذا في ذلك؟» مستعرضاً صورة أمّ وهي تنحني على قبر ولدها في المقبرة الوطنية (أرلنغتون)، وهو جندي خَدَمَ في الجيش الأميركي وقُتِل في معركة من معارك واشنطن.

يُعدِّد كيرتس نماذج الجنود المسلمين الذين أبلوا بلاءً في حروب الدولة الأميركية. كريم رشاد سلطان خان حصل على وسام القلب الأرجواني ونجمة برونزية. جُون عُمَر وهو رامٍ «في قاذفة القنابل بي 24 ليبَرَيتور» وشارك في العديد من المعارك «ومُنِحَ وسام القلب الأرجواني بعد أن أصيب بشظية في ساقه اليمنى». الرائد «جيمس أهيرن حصل على نجمتين برونزيتين وميداليتَيْ جدارة عسكرية وخمس ميداليات ثناء من الجيش (الأميركي) بالإضافة لأوسمة عديدة أخرى» على حد وصفه.

هذه نماذج فقط، أما الحقيقي فإن أعداد الجنود المسلمين الذين شاركوا الولايات المتحدة حروبها هي بمئات الآلاف. فخلال حرب الاستقلال الأميركية والحرب الأهلية شارك المسلمون (الأميركيون) سواء من الأحرار أو من الرقيق القادم من إفريقيا فيها بقوة. وقد أشار إلى أنه «ووفقاً لسجلات المدافن والنصُب التذكارية التابعة لإدارة شئون قدامى المحاربين بالولايات المتحدة فقد خَدَمَ نحو 5470 شخصاً لهم أسماء إسلامية في الحرب العالمية الأولى».

وهناك مثلهم ممن شاركوا في أغلب الحروب الغربية (وقبل ظهور أميركا حتى) حيث قاتل المسلمون بتفانٍ عن بولندا قبل 359 عاماً. وكل هذه النماذج والصور هي جزء من كَمّ مسلمٍ بات يُشكِّل الجيوش الغربية منذ 1200 عام، عندما كانت الحدود هلامية بين أوروبا والدولة العثمانية، وبالتحديد في منطقة البلقان، التي وصلت إليها جيوش العثمانيين في فترة ما من التاريخ.

إذاً، نحن نتحدث عن 36 جيلاً. وفي أماكن أخرى عن 12 جيلاً من المسلمين الذين تعاقب وجودهم في الغرب ليأتي السؤال الآن: هل لايزال الحديث عن الاندماج مُثاراً حولهم؟ بمعنى: هل لايزال التشكيك في ولائهم للدولة الغربية قائم؟ الحقيقة، أن ذلك صحيح، فلايزال الحديث قائماً في العديد من الدوائر الغربية حول المسلمين «المحليين» وهل يجب الوثوق بهم أم لا!وهذا الأمر في جوهره معيب.

فهؤلاء لم يعودوا ذاكرين لأي دولة غير الدولة التي عاشوا فيها والتي أصبحت دولة بيولوجية ودولة منشأ لهم، بحيث لم يبقَ شيء يمكن أن يدفع أحداً للتشكيك في ذلك الولاء. نحن لا نتحدث عن مُهاجِرِي القرن الأخير أو السنوات الخمسين الأخيرة، بل نتحدث عن المسلمين الذين مضى على وجودهم هناك قرابة الاثني عشر قرناً. هذا الأمر يحتاج إلى تفسير أعمق كي نفهم ما يجري.

بالتأكيد هناك ما يجعل كل هذه الاستدامة من التواجد على أرض معينة غير قادر على أن يكون مقبولاً بشكل كامل. الحقيقة أن التفسير الأكيد هو ليس الصراع الطارئ الذي بات يتعاظم بين الغرب والتنظيمات المتطرفة في الشرق، بل هو يتعلق بالأساس الذي قامت عليه النظرة الغربية إلى الفرد المسلم (كما هي النظرة العربية والمسلمة إلى الفرد المسيحي في الشرق).

النظرة لم تعد تخرج من كونها دينية متأسسة على صراع ديني سابق، منذ معارك المسلمين والمسيحيين في إسبانيا والبرتغال سنة 1492م مروراً بالصراعات الأخرى. هذا الأمر ليس مبالغاً في توصيفه كسبب بل هو حقيقي. وعندما تكون مرجعية شعوب (أو دول) قائمة على تاريخ من الصراع الديني يتعذر أن يحصل اندماج داخل تلك المجتمعات بين ناسها.

المشكلة ليست في التوصيف والحديث عنه، بل في النتائج. بمعنى: ماذا يُؤدي ذلك الأمر من عدم الاندماج والإقصاء؟ إنه باختصار يفضي بالآخر إلى العزلة. أتدرون ما العزلة؟ هي ليست انطواء جسمانياً فقط، بل هو انكباب على الذات والتحوُّل إلى كانتونات غير مرئية تملؤها العصبيات ورؤية الآخر بريبة، ثم الاعتقاد أن الاندماج هو تحطيم لخصوصياتهم بالضبط كما حصل لليهود.

وعندما يحصل ذلك يتفكك الولاء لديهم تجاه الأرض التي هم عليها إلى الجماعة، ثم إلى الانتماء الأبعد وهو الأمة التي تتماهى معها في الدِّين من وراء الحدود. هذا الأمر يجب أن يكون معلوماً. وإذا ما أردنا الحقيقة، فإن ذلك لا يخص الدول الغربية فقط بل يخص كل الدول بما فيه دولنا العربية والإسلامية في طريقة نظرتها للأقليات، وكيف يؤدي الإقصاء فيها إلى ظهور تلك المشكلة من عدم الاندماج وبعدها العزلة، وما تفضي إليه تلك العزلة من مشكلات سياسية واجتماعية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4872 - الجمعة 08 يناير 2016م الموافق 28 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 3:35 م

      ( اسرار المهنة )
      زكاة العلم تعليمه ...
      الانانية ليست جيدة استاذنا الكريم ! ....
      ما عهدنا هذا منك !
      سأظل أنتظر ...

    • زائر 5 | 6:48 ص

      متابع ... طلب آخر
      بما أننا اقتربنا من انتخابات مجلس الخبراء في ايران ، نتمنى من الاستاذ محمد أن يكتب عن ابرز الخلافات و المميزات بين ابرز زعيمين في ايران ، الشيخ رفسنجاني والسيد خامنئي ، أعتقد أن هذا الموضوع مهم جدا في مرحلة قد ترسم مستقبل الجارة ايران لعقود مقبلة .
      لم نعتد أن يخيبنا الاستاذ محمد يوما .

    • زائر 4 | 5:06 ص

      متابع
      لم تعرضوا طلبي الثاني يا إدارة ، اعرضوه رجاء

    • زائر 3 | 3:55 ص

      ممكن

      من الممكن ايضا ان نجعل من هذا سببا للصراعات الطائفية في بلداننا

    • زائر 2 | 3:28 ص

      متابع ... طلب سابق ينتظر اجابة من الاستاذ
      أجد الأستاذ محمد خبيرا بالشأن الايراني وذو معلومات وافرة في مسائله , المشكلة أن المواقع الايرانية الرسمية الناطقة بالعربية لا تغطي أشياء كهذه ، أريد من الأستاذ أن يرشدنا إلى المواقع و المصادر الجيدة التي تهتم بأمور مهمة كهذه وتقدمها بعناية ، وكذلك افضل الكتب التي يراها الأستاذ محمد تقدم صورة صحيحة في هذا المجال ، الصحف والكتاب البارعين في ذلك ( الذين يقرأ لهم الأستاذ محمد في هذا المجال شخصيا )
      طلب والأستاذ محمد كعادته لا يرد طلبا من متابعيه .

    • زائر 7 زائر 2 | 10:30 ص

      اتمنى ما تزعل من كلامي

      اعتقد ان هذا الشي من أسرار المهنة يعني أسرار الكتابة للكاتب فما اعتقد هذا رأيي واتمنى انك تتقبله

    • زائر 8 زائر 2 | 3:30 م

      ( اعتقد هذا الشيء من أسرار المهنة )
      بلييييييييز

    • زائر 1 | 3:23 ص

      متابع .... شكرا على المقال الرائع

اقرأ ايضاً