العدد 4908 - السبت 13 فبراير 2016م الموافق 05 جمادى الأولى 1437هـ

هنيئاً لـ «داعش» قرارات زيادة أسعار التبغ!

أحمد صباح السلوم

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

يعتقد بعض المديرين أن أسهل قرار لحل مشكلة اقتصادية أو أزمة سيولة هو فرض المزيد والمزيد من الرسوم والضرائب وتسريح الموظفين وفصل العمالة، ويتفق معهم الكثيرون في أن أول ما يفرض عليه الرسوم وتطبق عليه الزيادات هو منتجات التبغ والسجائر وغير ذلك، ولاشك حقيقةً في أن أسهل شيء لحل مشكلة مالية هو أن تفرض رسوماً ومن ورائها رسوم وهكذا، لكن هل هذا هو التصرف الاقتصادي السليم؟!

بعيداً عن الخوض في جدلية أن من يدخن يتحمل تبعية تدخينه، وأن زيادة السعر ضمن طرق محاربة التدخين لأنها جدليات تحمل الكثير من الجدل ووجهات نظر عديدة، لكنني أود هنا مشاركة القراء الأعزاء بحثاً قرأته منذ أسابيع رأيته في واقع الأمر غاية في الأهمية، وهي دراسة أجراها المحلل الاقتصادي ناصر السعيدي - وزير الاقتصاد اللبناني الأسبق - أكد فيها أن الضرائب المفروضة على التبغ تعد إجراء تدبيرياً في إطار «برنامج السياسات الست» الصادر عن منظمة الصحة العالميّة، الذي يهدف إلى مساعدة البلدان على تطبيق الإصلاحات الضريبية الفعّالة للتخفيض من حجم الطلب على التبغ... ولكن - والكلام للسعيدي - يجب الانتباه إلى أمرين في غاية الأهمية عندما تقرر أي دولة زيادة الضرائب على التبغ.

هذان الموضوعان هما: الأول: الحاجة إلى تفادي زيادة ضريبيّة كبيرة تُفضي إلى تعزيز التجارة غير المشروعة، ويفيد تقرير اللجنة الماليّة الدوليّة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب FATF عام 2012 بأن الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ، يدعم تجميع الأموال للجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابيّة.

وتشير الأدلة الصادرة عن الدول إلى أن الزيادات الضريبية الكبيرة من المرجح أن تؤدي إلى ظهور أو نمو التجارة غير المشروعة، وهي بالتالي لا تُفضي إلى تحقيق الغاية من توليد عائدات مرتفعة أو خفض الاستهلاك.

الأمر الثاني الذي نبه إليه السعيدي في دراسته هو: تمويل مجموعات الجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابيّة، لأن تجارة التبغ غير المشروعة التي يجري تبييضها وسائر المنتجات ذات القيمة العالية مثل النفط من أجل تمويل الإرهاب، فيعتبر شأناً مثيراً للقلق نظراً إلى بروز منظمات إرهابيّة مثل «داعش» و «النصرة» و «القاعدة» وانتشارها عبر المنطقة من المغرب إلى المشرق. ومع تداعي الأمن على حدود منطقة الشرق الأوسط وتنامي عدد المنظمات الإرهابيّة، باتت المنطقة خير أرض لتجارة التبغ غير المشروعة التي تُشكِّل مصدراً لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وأكدت تقارير صادرة عن الكثير من المنظمات الدوليّة، منها منظمة الأمم المتحدة، أن عائدات تهريب التبغ تستخدم لتمويل النشاطات الإرهابية بما في ذلك تمويل «داعش».

وعلى نحو مماثل، أشارت الوثائق إلى أن الجماعات المتمردة استخدمت أموال تهريب السجائر لتمويل نشاطاتها خلال الحرب في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وخلاصة الدراسة التي أراد الدكتور السعيدي أن يصل بها إلى صاحب القرار هو أن جباية ضرائب وفرض المزيد من الرسوم والرسوم على التبغ تؤدي إلى مشاكل على المستوى الأمني وتفشي ظاهرتي تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، هذا بالإضافة إلى تخصيص سلطات لمكافحة الظاهرة إلى جانب وزارات المال والهيئات الجمركيّة.

هذا فيما يخص فرض الضرائب وزيادة الرسوم، أما عن سهولة فصل الموظفين كحلول سريعة لحل الأزمات المالية والاقتصادية أسرد لكم قصة «بوب شابمان» شخص ربما لا يعرفه الكثيرون في البحرين ودول الخليج لكن شابمان كان مثار حديث الغرب في الأزمة الاقتصادية عام 2008.

«شابمان» كان رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لشركة «باري ويهملير» وهي مؤسسة صناعية ضخمة يعمل بها ﺃﻛثر ﻣﻦ 7000 ﻣﻮﻇﻒ.

خلال ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ، وبين عشية وضحاها فوجئت إدارة الشركة بأن 30 في المئة ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻔﻘﺎﺕ ﺍﻟتي ﻛﺎﻧت متعاقدة عليها ألغيت ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭبالطبع ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﺭﺛﺔ بجميع المقاييس على الشركة التي يعمل بها جيش من الموظفين بعضهم بمرتبات مرتفعة، وكان المطلوب هو توﻓير 10 ملايين ﺩﻭﻻﺭ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺭﻳﻒ ﺍﻟﺸﺮﻛﺔ.

ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﻭﻗﺮﺭ تسريح عدد كبير ﻣﻦ اﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ، لكن «ﺷﺎﺑﻤﺎﻥ» ﺭﻓﺾ ﻭتناقشوﺍ لفترة ﻃﻮﻳﻠﺔ ليجدوا حلاً، حتى ﻭﺻﻠﻮﺍ ﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ مرضٍ ﻳﺤﻞ ﺍﻷﺯﻣﺔ.

ﺍﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ طالب ﻛﻞ ﻣﻮﻇﻒ ﻣﻦ ﺃبسط عامل حتى ﺭﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ أن يحصل فقط على إجازة لمدة 4 أسابيع ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺮﺗﺐ، ﻓﻲ أي ﻮﻗﺖ يريده خلال العام، ودون اشتراط أن تكون الأسابيع متتالية.

ﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ ليست ﻓﻲ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺤﻞ فقط، ﺍﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ التي ﺃﻋﻠﻦ ﺑﻬﺎ «شابمان» ﺍﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ... فقال ﻟﻠﻤﻮﻇﻔﻴﻦ «أن نعاني جميعاً بشكل قليل خير من أن يعاني عدد قليل منا معاناة كبيرة»، الكلام فيما يبدو والفكرة العبقرية التي خرج بها الرجل من المأزق وحافظ على ولاء جميع موظفيه كانت لها وقع السحر عليهم، فكانت الاستجابة أكثر من رائعة من الجميع دون استثناء، حتى أولئك الذين لديهم مقدرة أكبر بادروا بالحصول على إجازات أطول لمدة 6 و8 أسابيع بدلاً من أربعة فقط، في المحصلة النهائية الشركة وفرت 20 مليوناً بدلاً من عشر، لم تخسر موظفاً واحداً، بل زادت ولاءهم وانتماءهم للمكان أضعافاً مضاعفة. هنالك ﻓﺮﻕ ﻛﺒﻴﺮ جداً ﺑﻴﻦ مدير روتيني لا يرى إلا أسهل الحلول، وقائد يعرف ﻗﻴﻤﺔ الإنسانية ويقدر الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"

العدد 4908 - السبت 13 فبراير 2016م الموافق 05 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:05 ص

      ما شاء الله

      في الاونه الاخيره برز الكثير من المفكرين يدعون للتفكير خارج الصندوق او بشكل ابداعي .. لكن مانراه لدينا هنا هو العكس تمام وهو التفمير التقليدي والذي يرى الارقام فقط .. مع ان هؤلاء انفسهم يدعون الموظفين للتفكير الابداعي
      موضوع شيق للغايه ويحمل في طياته فكرة لامعه
      احسنت استاذي

    • زائر 2 | 4:11 ص

      الموضوع جدا جميل و خاصة الخاتمة التي تتناول تجربة شابمان و التي تؤكد على ان الحلول السريعة و القصيرة لا يمكن ان تكون حلول رئيسية لمشاكل عميقة في الأقتصاد، المجتمع او السياسة.

اقرأ ايضاً