العدد 4908 - السبت 13 فبراير 2016م الموافق 05 جمادى الأولى 1437هـ

خمسة أعوام على «الربيع العربي»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الربيع العربي الذي لم يثمر حتى الآن عن فاكهة الصيف، أدخل الشعوب العربية في فصل شتوي طويل.

المطالب التي رفعها الشباب العربي في أكبر ميادين العواصم العربية، تم اختطافها والالتفاف عليها، بهذه الطريقة الملتوية أو تلك، فهذه الشعوب العربية ممنوعٌ عليها أن تحلم بالحرية، أو تعيش بكرامة، أو تهنأ بلقمة عيش شريف.

اليوم، تستذكر الشعوب العربية ما جرى قبل خمس سنوات، في مثل هذه الأيام، من العام 2011، من نهوض عام واستفاقة كبرى، للمطالبة بأن تعيش مثل بقية شعوب الأرض، فشدّتها عوامل التسلط والتخلف إلى الوراء، لتغرق حراكاتها في بركٍ من الدموع والدماء.

لم تخرج هذه الشعوب من بيوتها لتبيت في الميادين من أجل التسلية والمرح، وإنّما خرجت لاسترداد حقوقها الطبيعية التي مُنعت عنها؛ ولاسترجاع حقّها في الاختيار، مساراتها في السياسة والحياة.

كل بقاع العالم وأقاليمها، باتت اليوم تحكمها أنظمةٌ تلتزم بصناديق الاقتراع لاختيار قياداتها وسياساتها ومساراتها... إلا هذه المنطقة المحرّمة على العدالة والمساواة وحرية الاختيار.

في نهاية الثمانينيات، قامت قيامة الشعوب في أوروبا الشرقية، بعد سقوط جدار برلين، لتنتظم في حياةٍ حرة طبيعية، بعيداً عن سلطة القمع والدكتاتوريات. واجهت مصاعب اقتصادية، وبعضها لايزال يواجه، إلا أنها لم تنثنِ لتعيد حكم العسكر ليعبث بمصائرها من جديد، كما يحدث في العالم العربي. لقد قطعت وصلها مع ماضيها المهين، واختارت مسار المستقبل، دون ردةٍ أو انقلاب.

في أميركا اللاتينية، التي كان يحكمها العسكر كوكلاء للجار الأميركي المتغطرس، والذي كان يعتبرها مجرد «جمهوريات موز»، غيّرت الشعوب مساراتها وسياساتها، وأخذت أحزابها تتداول السلطة سلمياً. فحتى اليسار الثوري الذي حكم في الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا عبر صناديق الاقتراع، ليس محتوماً أن يبقى إلى الأبد يتحكّم في مصائر هذه الشعوب، فهي بإمكانها أن تستبدل الفاشلين سلمياً، دون ثورات أو سفك دماء.

في آسيا، من الهند إلى اليابان، ومن بنغلاديش إلى الفلبين، ومن ماليزيا إلى أندونيسيا، وبعضها كانت سلطنات تقليدية، وبعضها حكمتها الدكتاتوريات لأكثر من ثلاثين عاماً، كلها اختارت النهج الطبيعي السوي الوحيد لإدارة حياة البشر. ورغم ما تعانيه هذه التجارب من علات، إلا أنها أفضل ألف مرةٍ من طرقنا الراسخة رسوخ الجبال منذ أيام النعمان بن المنذر، فـ «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد». في وقتٍ لا يدّعي حزبٌ ولا مرشح، في الغرب أو الشرق، أنه يحتكر الحقيقة وسبيل الرشاد! ولو ادّعى ذلك أحدٌ لما صدّقته تلك الشعوب التي تفكّر بعقولها وليس بأقدامها.

الربيع العربي كان محاولة نبيلة بذلتها الشعوب العربية لتصحيح أوضاعها التاريخية الخاطئة، المليئة بالفساد والاستبداد والهزائم القومية أمام «إسرائيل»... لكنها لم تثمر حتى الآن. حتّى في تونس التي أطلقت الشرارة الأولى، فقد عاد رموز النظام السابق للإمساك بقرون السلطة، وعاد الشباب المهمّش العاطل مؤخراً للتظاهر احتجاجاً وإحباطاً، في القصرين والقيروان وقابس وبنزرت وباجة وصفاقس وسوسة والعاصمة تونس. أما في أرض الكنانة، فقد خرج رموز النظام السابق من السجن بأحكام براءة، فيما دخل مكانهم شباب الثورة بتهمٍ تشيب منها الولدان.

الربيع العربي لم يثمر حتى الآن، بسبب قوى «الثورة المضادة» التي عشعشت وباضت وفرّخت في المصران الغليظة لـ «الدولة العميقة»، والتي لا تملك أي حلٍّ لأنها ببساطةٍ دون مشروعٍ غير التسلط، فأضاعت على شعوب المنطقة العربية فرصة أن تحيا مثل بقية البشر، دون وصاية أو استبداد.

الربيع العربي لم يثمر بعد، لكنها ليست نهاية القصة، بدليل أن التوانسة نزلوا إلى الشوارع لينادوا مجدّداً: «شغل. حرية. كرامة وطنية».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4908 - السبت 13 فبراير 2016م الموافق 05 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 11:25 ص

      إيران أكبر عدوّة للشعوب

      سحقت الثورة اليمنية وسحقت الشعب العراقي وقيدت حرّية الشعب اللبناني وأرهبته والآن تسحق الشعب السوري المقاوم للإستبداد

    • زائر 18 | 10:57 ص

      خلاصة العبرة لمن لا يريد أن يعتبر....... الربيع العربي لم يثمر بعد، لكنها ليست نهاية القصة، بدليل أن التوانسة نزلوا إلى الشوارع لينادوا مجدّداً: «شغل. حرية. كرامة وطنية». فهذا عصر الشعوب.

    • زائر 17 | 6:10 ص

      يا تباشير الفرج هلي ... والمستقبل للمنتصروون ... أن غدا لناظره قريب ... اللهم عجل لوليك الفرج ...

    • زائر 16 | 4:48 ص

      قوى «الثورة المضادة» التي عشعشت وباضت وفرّخت في المصران الغليظة لـ «الدولة العميقة»، والتي لا تملك أي حلٍّ لأنها ببساطةٍ دون مشروعٍ غير التسلط

    • زائر 14 | 2:35 ص

      قال تعالى في محكم كتابه المجيد بسم الله الرحمن الرحيم
      ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( 5 ) ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ( 6 )
      هذه هي الحياة لا بد وأن يأتي يوم وفيه كل ذي حق يأخذ حقة
      ويحاسب كل ظالم على ظلمه وجوره هذا هو وعد الله وعدله

    • زائر 13 | 2:00 ص

      أما في أرض الكنانة ، فقد خرج رموز النظام السابق من السجن بأحكام براءة، فيما دخل مكانهم شباب الثورة بتهمٍ تشيب منها الولدان وهذا يحدث في أرض الكنانة وغير أرض الكنانة.

    • زائر 11 | 12:25 ص

      هناك دول لديها امكانيات مادية هائلة بأموالها هذه أوقفت هذا الربيع بل اغتالته لأنها دول لا تؤمن بأبسط المبادئ الانسانية ولا الحقوق الدينية ولا العدالة ولا الشراكة

    • زائر 12 زائر 11 | 1:18 ص

      نعم

      الأموال التي أغدقت وما زالت بتمويل الثورة المضادة تتهاوى اليوم بفعل الأزمة الاقتصادية وصولا إلى انهيار اقتصادي وشيك سيعجل بنتائج منتصرة للشعوب بإذن الله.

    • زائر 7 | 11:01 م

      اذا تنازلت الشعوب العربية هن كرامتها وتوقفت عن المطالبة بحريتها فعندئد يصبح دمار عربي. اما ما دامت تناضل من اجل استرداد حريتها وحقوقها فسيظل ربيع عربي. مهما كره المطبلون.

    • زائر 6 | 10:53 م

      سقط هوني كر المانيا الشرقية وسقط جاوشسكو رومانيا وكورباشوف شوعية روسيا وأستبدلت بلدانهم الدكتاتوريات بالديمقراطيات أما بلداننا تونس وليبيا ومصر فالدكتاتوريات كماهي باقية بس تغيرت الوجوه وتلاقفتها دول المال وكماالسابق يعني مكانك سر.

    • زائر 5 | 10:28 م

      ياللعجب

      مازلتم تسمونه ربيعاً عربياً، والاجدى ان تسموه دماراً عربياً٠٠
      والقاعدة المنطقية إذا كانت المقدمة خطأ فالنتيجة خطأ، فلا تحّملوا الوطن والمواطنين بمآسي اكثر٠٠

    • زائر 8 زائر 5 | 11:05 م

      نعم

      مادامت الشعوب العربية مستمرة في المطاللة بحقوقها وحرياتها فسيظل الربيع العربي. اما اذا توقفت وفرطت في حريتها وحقةقها وقبلت ان تكون قطعان من الماشية والمطبلين فسيكون دمار عربي. ربيع الحربة شاء من شاء وابى من ابى.

    • زائر 4 | 10:04 م

      أحسنتم .. مقال رائع يحمل عدة رسائل تفتهمها العقول المستنيرة فقط!

    • زائر 3 | 9:50 م

      ان شاء الله الربيع العربي راح يثمر في سوريا وبشار راح يسقط السامع يقول آمييين

    • زائر 9 زائر 3 | 11:33 م

      عاش بشار الأسد

      بشار باق رغم أنوفكم والموت للدواعش ومن على شاكلتهم ومؤيديهم

    • زائر 10 زائر 3 | 12:15 ص

      هههههه

      اذا اثمر في سوريا راح يجونكم الدواعش في الخليج يا عبقري

    • زائر 2 | 9:46 م

      الثورة المضادة لا تمثل شئ

      أمام تدخلات الدول الأخرى بالنسبة لحالة البحرين

    • زائر 1 | 9:18 م

      شوف الفرق في حياة الشعوب العربية الان او قبل 2011 وايهما افضل لا نريد ربيع ولا نريد خريف شوف ما يحدث في سوريا وفي اليمن وفي ليبيا وفي مصر وفي تونس

اقرأ ايضاً