العدد 4910 - الإثنين 15 فبراير 2016م الموافق 07 جمادى الأولى 1437هـ

عن «السعادة»

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

كثيرون تابعوا باهتمام خبر إعلان رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة استحداث «وزارة دولة للسعادة»، في إطار تغيير حكومي كبير. الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي، قال إن الوزير الجديد سيقود سياسة «توفير الخير والرضا في المجتمع». كما استحدث منصب وزير دولة للتسامح (9 فبراير/ شباط 2016).

هذه الخطوة الرائدة لدولة الإمارات العربية الشقيقة تؤكد مرة أخرى حكمة القيادة ورؤيتها المستقبلية الطموحة في إدارة البلاد والعبور بها نحو المستقبل، وإذا كان شعب الإمارات ينعم بمستوى عال من الرفاهية ويتمتع بالأمن والعدالة، ويحظى بخدمات حكومية نوعية تحسده عليها شعوب المنطقة والعالم، فإن المسئولية التي ستقع على عاتق «وزير السعادة» الجديد هي دون شك تتمثل في العمل على تثبيت هذه المكتسبات وتعزيزها في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي تموج بها المنطقة ويشهدها العالم.

الخبر أعلاه قادني إلى القراءة مجدداً في موضوع السعادة، وهو من المواضيع الشيقة والطريفة، وقد وجدتُّ أن الدراسات النفسية تختلف في تحديد معنى السعادة، ويتسع هذا الاختلاف ليصل إلى الناس العاديين الذين يختلفون بدورهم في تحديد ماهية «السعادة» بكل ما تنطوي عليه من أبعاد ذاتية تزيد في غموضها وتضفي عليها غلالة من الغموض يصعب معه وضع تعريف يتفق عليه الجميع.

يقول أرسطو «يتفق عامة الناس وصفوتهم على أن السعادة هي أرقى خير يمكن أن يبلغه المرء بجهده، لكنهم يختلفون في تحديد كنهها»، ويشير إعلان الاستقلال الأميركي في نص دال: «نحن نؤمن بأن هذه الحقائق بينة بذاتها: إن كل البشر قد خلقوا سواسية، وأن خالقهم قد حباهم بحقوق لا يجوز انتزاعها، منها الحق في الحياة، والحرية، والجدّ في طلب السعادة».

وتركز بعض المقاييس في دراستها على الجانب الانفعالي للسعادة، أي الشعور باعتدال المزاج، بينما توجه مقاييس أخرى عنايتها إلى الجانب المعرفي التأملي أو التعبير عن الرضا عن الحياة، فالناس قد يصفون الحياة إما بأنها شعور بالرضا والاستمتاع وطمأنينة النفس، وتحقيق الذات، أو بأنها شعور بالبهجة والاستمتاع واللذة، في حين توصل عدد من الدراسات الأوسع نطاقاً إلى وجود عامل واضح هو عامل «الرضا الشامل» والمقترن دائماً بالصحة النفسية والجسدية وبوجود علاقات اجتماعية معينة، وبالزواج الناجح، والنجاح المهني، والوضع المالي الجيد.

وقد لفت نظري أن بعض كبار الشخصيات ممن فتحت لهم الحياة أحضانها من أوسع الأبواب قد مرّوا بحالة من الاكتئاب الحاد والشعور الغامض بالاغتراب والوحدة، وقد قرأت في سيرة المثقف الأديب السعودي الراحل عبد العزيز عبد المحسن التويجري (ت 2007) نديم الملوك والشخصية البارزة أنه كان يعاني من هذه الحالة، وقد كشف عن معاناته في رسائل عديدة بعثها لأصدقائه من المثقفين والعلماء المصريين ضمّنها بعض ما كان يحسه.

ويبدو أن هذه الحالة هي حالة إنسانية عامة مصدرها أن الحياة نفسها مثيرة «للقلق» والإنسان، مهما بدا متماسكاً وناجحاً ومحظوظاً، فانه يخفي في داخله خوفاً دائماً من المستقبل؛ لأن المستقبل ينطوي على جانب مجهول، ويخفي مفاجآت غير متوقعة، وفي المستقبل أيضاً نوع من تقلب الحظوظ، فربما ينقلب الحظ السعيد إلى حظ سيئ، أو العكس، فالجانب المجهول في الحياة لا يمكن السيطرة عليه ولا اكتشافه ولا التنبؤ به.

على أن السعادة ليست هي نقيض التعاسة كما يعتقد البعض، فكثيراً ما نجد أن بعض الأفراد لا يعانون التعاسة، لكنهم في المقابل لا يظفرون أيضاً بالسعادة التي ينشدونها.

والثابت انه وعلى رغم أن هناك علاقة عكسية بين تكرار ظهور المشاعر السلبية والايجابية فإن شدّة المشاعر، أي «قوة الإحساس» بالانفعالات المختلفة ترتبط معاً ارتباطاً كبيراً، فالأفراد الذين يشعرون بشدّة السعادة هم الذين يخبرون التعاسة بشدة أيضاً.

بالنسبة إلى الكثيرين، قد لا تشكل «السعادة» مطلباً ملحّاً لهم في ظل الأوضاع الصعبة التي يعانون منها في حياتهم، فإزالة أسباب «التعاسة» ومصادر»الشقاء» فقط هي كل ما يرجونه ويصبون إلى تحقيقه، والكثيرون يطمحون إلى رفع»المعاناة» أو «الشعور بالغبن» الذي يتملَّكهم، وهذا الوضع يشيع في المجتمعات التي تغيب فيها العدالة الاجتماعية، وتسود مظاهر التمييز بين البشر.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4910 - الإثنين 15 فبراير 2016م الموافق 07 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:10 ص

      افتقدنا السعادة في هالوطن يا استاذي
      شكرا لك على هذا المقال الرائع

    • زائر 5 زائر 3 | 2:50 ص

      كن

      كن متفائلا تكن سعيدا تملك القلوب مهما قسي الزمن

    • زائر 6 زائر 3 | 3:06 ص

      في هالبلد

      في هالبلد كله هم في هم كله تضييق على المواطن في عيشته بس الله كريم

    • زائر 2 | 11:31 م

      السعاده

      اي والله هجرت قلوبنا شكرا على هذا البحث الشيق

    • wessam abbas زائر 2 | 1:36 ص

      القلوب العامرة بالحب لاتشيخ ياصديقي. وسام

    • زائر 1 | 10:53 م

      لا

      جئت متأخر فقد هجرت قلوبنا الفرح فلا تسأل عن مفردة لا نعرفها ولا نستطيع أن نتعاطى معها

اقرأ ايضاً