لا يعتبر ملف “ظاهرة العنوسة” جديدًا على صعيد التباحث والمداولات والمعالجة والطرح الإعلامي في المجتمعات العربية والإسلامية، إلا أن “بيللا” ارتأت طرح هذا الملف متواكبًا مع يوم المرأة العالمي الذي يصادف الثامن من شهر مارس / آذار من كل عام، بهدف استمزاج مختلف الآراء في شأن الحلول المطروحة لهذه الظاهرة التي تمثل صدعًا رهيبًا في كيان المجتمع.
إحصائيات العالم العربي
وفي الحقيقة، فإن العديد من المراكز البحثية في الوطن العربي أجرت دراسات وأصدرت إحصائيات بأرقام مقلقة بالفعل لهذه الظاهرة، وأحدث تلك البيانات ما أصدرته مؤسسة بشر (الشرق الأوسط لتنمية المجتمع) بالتعاون مع مركز أبحاث ميسود اند سليوشن للدراسات والأبحاث حيث كشفت عن أن نسبة العنوسة في مصر تشكل 50 في المئة (هناك 13 مليون عانس)، أما في السعودية فتبلغ النسبة 5 في المئة (قرابة 1.4 مليون عانس)، أما في الأردن فالعدد التقريبي للعوانس 50 ألفًا، وفي قطر تبلغ نسبة العنوسة 15 في المئة، الكويت 18 في المئة (عدد العوانس التقريبي 79 ألفًا)، البحرين 20 في المئة (عدد العوانس التقريبي 50 ألفًا)، الإمارات 60 في المئة (عدد العوانس التقريبي 175 ألفًا)، المغرب 60 في المئة (عدد العوانس التقريبي 7 ملايين)، الجزائر 38 في المئة (العدد التقريبي للعوانس 11 مليونًا)، سوريا 50 في المئة (مع توقعات بتغير النسبة بسبب أوضاع الحرب)، العراق 85 في المئة، لبنان 91 في المئة (وهي أكبر دولة عربية من ناحية نسبة العنوسة)، تونس 81 في المئة، فلسطين 1 في المئة وهي أقل دولة عربية تعاني من هذه الظاهرة.
عوامل مرتبطة بالاضطراب
ويربط الكثيرون بين هذا العدد الكبير من العوانس وما يقابلهن من العزاب وبين حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي كأحد العوامل الداعمة لهذه الحالة من الاضطراب، ومن الحلول المقترحة للحد من تزايد نسبة العنوسة تقديم تسهيلات من المجتمع في قبول تخفيض تكاليف الزواج من مهور وتأثيث السكن، وقبول فكرة تعدد الزوجات اجتماعيًا ودعم وتشجيع الحكومة للمتزوجين من خفض الضرائب على المرتبات للمتزوجين ودعم المؤسسات الخيرية عينيًا لغير القادرين على مصروفات الزواج، وزيادة التكافل الاجتماعي بين الأفراد بالمساهمة في تكاليف الزواج.
لنفكر في الحلول المتاحة
هل يمكن الحديث عن مدى التأثير الحقيقي على المجتمع بسبب ظاهرة العنوسة؟ وهل هي في الأساس ظاهرة بالفعل؟ وكيف يمكن الإسهام في حلها أو الحد منها؟ هذه التساؤلات كانت محور البحث الذي طرحته "بيللا" مع رئيس مجلس إدارة بيت المودة الاجتماعي الدكتورة أمل محمد عبيد لخبرتها الطويلة في بحث القضايا والظواهر الاجتماعية والأسرية، حيث تقول أن (العنوسة) من وجهة نظرها لا تعتبر مشكلة، ذلك لأنها شأن من شئون الله في خلقه، ولا نستطيع أن نعترض عليها فهي موجودة في المجتمع البحريني ولابد من تقبلها، إلا أن المهم هو المساهمة في تقليصها والحد منها.
ويمكن ذلك من خلال نشر فكرة الزواج الجماعي وتأسيس صناديق الزواج والتبرع لتشجيع الشباب من الجنسين للإقبال على الزواج وإعانتهم، فأنا أؤمن بأن هذه ثقافة إيجابية، والثقافة الإيجابية متى ما انتشرت بين الناس فإنها تؤدي إلى التقبل والتأثير الفعال.
لماذا يتأخر الزواج؟
ومن جزئية تأخر سن الزواج أو العزوف عنه، ترى الدكتورة أمل أن من بين الأسباب هي أن الشاب قد يكون متمكنًا معيشيًا وكذلك الشابة فهي تعمل ولديها راتبها وسيارتها وغيرها من الأمور ما يجعل الاحتياج للطرف الآخر أقل عما هو في السابق من السنوات، وأصبحت المرأة اليوم تعيش حياتها باستقلالية وكذلك الرجل، لا سيما من يرى حريته بدون زوجة أولى وأريح، فالثقافة الدارجة أن الزواج يسهم في التقييد، وهذه الثقافة تجعل من الجيل الجديد يعزف ويؤجل وتظهر هنا العنوسة لعدم تحقيق الزواج مبكرًا، بل البعض يتأخر ولا يتزوج ما يعزز الحاجة للثقافة ذات النظرة الإيجابية لمؤسسة الزواج.
مكاتب توفيق الزواج
وتؤكد على أن (الاحتياج) مهم لعفة الإنسان وبما يرضي الله سبحانه وتعالى، وحين نتكلم عن العنوسة، فدائمًا ما تثار مسألة تعدد الزوجات وهذه لا اعتراض عليها فهي منزلة بأحكام إلهية من الله سبحانه وتعالى، إلا أن التعدد يُشترط فيه القدرة والعدل، ومع ذلك، فهو – أي تعدد الزوجات – ليس حلًا جذريًا! وبالنسبة لي، أرى أن هناك بالطبع رجالًا ونساءً تقدموا في السن ولم يتزوجوا، فما المانع من وجود مكاتب متخصصة للتوفيق بين هذه الحالات وتمنحهم فرصة التلاقي والمقابلة، وتكون هذه المكاتب قادرة على جمع من تقدموا في السن من النساء وكذلك الرجال وتوفر لهم ظروفًا أفضل لمساعدتهم على الزواج.
النزاهة والعمل المنظم
وتستدرك الدكتورة أمل لتشير إلى نقطة حساسة، وهي أنه ليس هناك في مجتمعاتنا مكاتب متخصصة يمكن أن تقوم بهذا العمل، صحيح لدينا نظام (الخطابة التقليدية)، إلا أن الحاجة للمكاتب المتخصصة يجمع بين المهنية والتخصص، ودعني أوضح وأسهل الطريق، فكما لدينا دور لرعاية المسنين ومؤسسات للإصلاح والتوفيق الأسري والمراكز الاجتماعية، أقول إن المراكز الاجتماعية في مختلف مناطق البحرين والتابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية يمكن أن تقوم بهذا العمل، ولن تكون المسألة صعبة ولا خطرة بل نحتاج إلى شيء من الاهتمام ولفت النظر وإيجاد الحلول وتيسير الأمور لمن لا يتمكنون من الزواج.
اختلال التوازن العددي
كل ما تقدم يلزم بحث هذه الظاهرة بحيث يتعدى العمل مجرد أروقة (الأبحاث والدراسات والتوصيات) إلى تطبيق الحلول الممكنة، وفي هذا النطاق، يرى فضيلة الشيخ علي عاشور بحكم تجربته في التعامل مع القضايا الأسرية والاجتماعية ونشر ثقافة تنمية المجتمع، أن العنوسة ظاهرة سلبية ولكنها تعكس طبيعة اختلال التوازن العددي بين الذكور الإناث بنسبة غير قليلة، بعضها بلا شك مرتبط بالإمكانيات الاقتصادية للذكور والتي تؤدي كسبب رئيسي لتأخير الزواج، وهناك أسباب أخرى لدى الفتيات، أذكر منها الشائع: الوهم السائد لانتظار فارس الأحلام، فالفتاة تبحث عن شاب بمواصفات وظيفية واجتماعية وجمالية وشكلية الأمر الذي أدى لتقدم الكثير من الفتيات في العمر وبالتالي، تقل رغبة الرجال في الاقتران بمثلهن.
أضف إلى ذلك، والحديث للشيخ عاشور، مبالغة بعض الفتيات في الشروط خصوصًا تلك التي تعيش في وضع عائلي مترف ومتميز، وتريد أن يساويها زوج المستقبل بالمستوى الاقتصادي والمالي، ومن ناحية أخرى فإن الشباب يحجمون عن التقدم لهذه النوعية من الفتيات لعدم وجود التكافؤ مما يضطر الشباب لحفظ ماء الوجه خوفًا من الرفض ، فتكون الفتاة ضحية الوضع المترف المتميز الذي تعيش فيه، وبالتأكيد فإن الأوضاع السياسية المتأزمة هي من الأسباب التي تناولتها العديد من الدراسات في الوطن العربي.
إصدار التشريعات المناسبة
ربما نسمع عن وضع سن معين للشباب من جانب الشباب، فيقول سأتزوج عندما أبلغ من العمر 30 عامًا مثلًا! ونسمع عن محاربة الفتيات لموضوع تعدد الزوجات، لكن من المهم أن تعمل كل الأطراف على وضع الحلول وأولها تنظيم حملة توعية تحث أولياء الأمور على تسهيل أمور الزواج، وكذلك دراسة الظاهرة ووضع التشريعات المناسبة من جانب المجلس التشريعي، واستمرار إجراء استطلاعات تكشف أسباب تأخر الزواج، بالإضافة إلى تسليط الضوء على خطوة الظاهرة عبر الإعلام المكثف، وتركيز خطابات المنبر على ظاهرة العنوسة حتى يتحسس المجتمع حجمها.
العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ
مشكلة كذا
لازم الرجال يصيروا شجعان ويتزوجون ثنتين أو ثلاث أو أربع عشان ظاهرة العنوسة تختفي