العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ

حطم التقليد الأعمى.. ابحث عن ذاتك!

لم تعد كلمة "التقليد الأعمى" مقتصرةً على ما يدار من كلام حول الشباب في المجتمعات العربية وتقليدهم لما يحدث في مجتمعات الغرب من ناحية اللباس وقصات الشعر، أو في حالة انتشار ظاهرة ما لا تتناغم من عادات وتقاليد مجتمع ما أو مكون ما، فالتقليد الأعمى يمكن أن تتشابك تعقيداته حين يخرج عن إطاره المألوف المعتاد، ليتحول إلى سلوك لدى البعض يمسح فيه شخصيته وكيانه ويبحث له عن (نموذج) أو (مرشد مفترض) كأن يكون مسئوله في العمل، أو شخصية من الشخصيات أو أحد المشاهير.

ومن واقع خبرته الطويلة في مجال بحث الظواهر الدخيلة والسلوكيات غير القويمة، يختصر مدير مستشفى المركز الطبي الدولي في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية الدكتور وليد أحمد فتيحي الإجابة عن سؤالنا بشأن الطريق الأمثل للتخلص من هذا السلوك بالقول :"الحكمة ضالة المؤمن" فهذا الحديث النبوي الشريف هو المنطلق الأول للتلخص من فكرة استلاب الذات نحو غيرها، ولهذا، فإن المجتمعات العربية كانت ولاتزال حتى اليوم، تقلد الغرب، ولكن مع شديد الأسف، تقلده في أسوأ الأشياء والممارسات والأفكار والسلوكيات، وقلما نجد تقليدًا تنمويًا مجديًا للغرب في مجتمعاتنا.

ومن باب خبرته ومحاضراته وبرامجه التي تتناول إلقاء الضوء على الأخطاء الصحية والعادات السيئة في كثير من المجتمعات العربية، يرى الدكتور فتيحي أن التقليد الأعمى قد يجرف بعض نماذج البشر تأثرًا بمن هم حولهم، فحتى الإنسان المتوازن يتأثر ويؤثر، وذلك من باب القول إن بعض أنواع التقليد قد تكون طبيعية، فانتماء شخص ما إلى مجموعة يلزمه في بعض الأحيان أن يقلد تصرفاتهم ولباسهم وسلوكهم وأفكارهم، لتحقيق القبول والاندماج في الجماعة وهنا يمكن تسمية ذلك بالتكيف الاجتماعي الذكي.

ويفصل في الحديث عن التقليد الإيجابي فيقول إن الصالح والنافع أن يكون هذا التقليد مؤسسٌ على اكتساب المعارف والمهارات والمضامين الإيجابية والتحصل النافع والقدرات البناءة، وهو شكل من أشكال السعي لتحقيق الأفضل، وهنا فرق كبير بين تقليد النماذج الجامدة المجوفة المفرغة من أي محتوى، وبين تقليد المتميزين والناجحين والمجتهدين.

ولتشخيص التشخيص السلبي، تكمن الأهمية في ربط ذلك ببعض السلوكيات النفسية والعادات السيئة المنهي عنه حتى في الإسلام، كالحسد، فهناك من لا يقوى على منافسة المتميز، ولا يمتلك أسس ومعايير النجاح، ولا يمكنه تحقيق ولو شيئ يسير من المثابرة، فيتجه لتقليد المتيز في بعض أعماله، بل ويسعى لتشويه عمل الآخرين ظنًا من أن ذلك يجلب الاهتمام إلى ما يقدم من عمل أو خدمة أو عمل تجاري أو ما شابه، وكما يجمع علماء النفس فإن المقلد السلبي هو في الغالب يشكو من عقدة النقص وانعدام الثقة في نفسه وقدراتها، وعادةً ما يكون أصحاب منهج التقليد الأعمى من ذوي النفسيات القلقة غير المستقرة، وفي الوقت ذاته، لا يمتلكون القدرة على استكشاف مزايا القوة لديهم ومواقع الضعف لكي يتمكنوا من إزالة ذلك الغطاء السيئ الذي يجعلهم يسيرون على وتيرة متخلفة على كل المستويات، ويمنعهم من استبصار طريق النجاح.

إن من الأهمية بمكان أن تكون لدى كل فئات المجتمع مشاركة في منع نمو مثل هذه الأفكار، وذلك من خلال البيت والمدرسة والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني المعنية في التخصص ذاته أي الاجتماعية والتنموية منها، ونشر الأفكار عبر وسائل الإعلام المختلفة، ونقصد تلك الأفكار التي تستهدف الأفراد والجماعات من بوابة الارتقاء بالوعي والتحول نحو التفكير الإيجابي، لكن كل ذلك لا يمكن أن ينجح إن لم تبدأ أنت بنفسك.. خذ قرارك وابحث عن ذاتك وحطم التقليد الأعمى.

العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً