العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ

على الخشب تعبّر المينا المطعّمة بالخشب في ساعات بارميجياني فلورييه عن البراعة الفائقة للشركة فنياً وتقنياً

تعتبر فلورييه ملاذاً للريادة في صناعة الساعات في قلب منطقة فال دوترافير في سويسرا، حيث تعانق الأشجار الكثيفة والكبيرة السماوات الخالية من التلوّث. تبدو فلورييه بلدة على وفاق مع الطبيعة. دخلت صالة الاستقبال في مصنع Parmigiani Fleurier وسرعان ما انضمّ إليّ ميشال بارميجياني، صانع الساعات ورئيس الشركة التي تحمل اسمه، وكان سبق لي أن التقيته في مناسبات عدة. لم يكن لباسه رسمياً جداً ولكن في شخصه دقة غريبة وترتيب في ثنيات سرواله، وقميصه أملس وأبيض ناصع. بالفعل، يهتمّ هذا الرجل بالتفاصيل الدقيقة ولطالما تمحورت حياته على ترتيب التفاصيل. بفضل الدعم المالي من مؤسسة عائلة ساندوس، أسّس ميشال شركة بارميجياني فلورييه العام 1996 وقد أصبحت هذه الشركة منذ ذلك الحين، مُنتِجاً مرموقاً للساعات الراقية. وبعد تأسيس الشركة بمدة قصيرة، أسّست مؤسسة عائلة ساندوس خمس وحدات إنتاجية إضافية وابتكرت عناصر عدة تمّ استخدامها في أغلفة ساعات بارميجياني. ويتمّ إنتاج المينا والأغلفة والتروس والعجلات والمسامير وأجزاء أخرى بحسب معايير هذه الشركات تحديداً والتي بات يشار إليها اليوم باسم Les Manufactures Horlogères de la Fondation - MHF. في الواقع، إن العناصر الوحيدة التي لا تصنعها بارميجياني هي أحجار الياقوت وبلّورات الصفير وأساور Hermès الراقية التي تجمع بين الساعة ومالكها في اتحاد فخم.

الحفاظ على فن صناعة الساعات السويسرية

ولدت بارميجياتني فلورييه من براعة ميشال وقوته في إعادة إحياء فن صناعة الساعات. بالفعل، تقع دعوة ميشال في قلب ثقافة الماركة، ولم أتفاجأ بالتالي عندما بدأت زيارتي للمصنع في قسم الترميم. قبل تأسيس الشركة، بذل ميشال جهداً كبيراً في ترميم ساعات اليد والحائط لصالح مؤسسة عائلة ساندوس. ولقد قصدته ساندوس نظراً لمهاراته الممتازة في ترميم القطع الفنية. وتظهر موهبة بارميجياني الرائعة في الترميم وقد أوصلته إلى تأسيس ماركته الخاصة به. وفي شركته، يبقي بارميجياني قسم الترميم شديد الانشغال. ويترافق كلّ مشروع بملف مفصّل عن القطعة، حيث يحفظ الحرفي الرئيس في القسم جميع التفاصيل بشكل صور ويضيف إليها نصاً يوضح طبيعة عملية الترميم خطوةً تلو الأخرى، بما في ذلك وضع الساعة قبل الترميم وبعده. وكما أوضح مضيفي باستمرار، فإن الترميم لا يقتصر على تصليح أو تجديد القطعة، بل هي عملية حذرة للحفاظ بدقة كبيرة على أصول الساعة التاريخية. ولا يستطيع مرمّم الساعة أن يفرض شخصيته على القطعة، بل عليه أن يحافظ على شخصيتها كما كانت عند صنعها في البداية.

ويتمّ الاعتناء بالقطع بشدة، وعلى قدر الإمكان يتمّ الحفاظ على القطع الأصلية. فمثلاً، إزالة آثار الأكسدة قد يترك أحياناً بعض العلامات على سطح الساعة. ولكن ظهور هذه العلامات لا يعيق عمل الساعة، ويمكن الإبقاء على القطعة ما ضمن الحفاظ على الصورة الأصلية للساعة. وتشكل الأبحاث التاريخية عنصراً أساسياً في عملية الترميم. ولقد أشار ميشال إلى عجلة ضالة وجدت في ساعة جيب. لم تكن المادة التي صنعت منها العجلة ونوعيتها الرديئة تتماشى مع بقية أجزاء الساعة، ما يشير إلى عملية إصلاح ردئية سابقة. لم يكن الثلم مناسباً وبدا شكله غير مطابق للساعة. ثم تابع ميشال وأراني الصورة التي تظهر الساعة بعد الترميم في الملف، وفجأة، اتّضح لي فوراً سبب وجود هذا القسم.

الأجيال المستقبلية

تصنع دار بارميجياني فلورييه ساعات يد وحائط استثنائية يتمّ ابتكارها دون التضحية بأي معيار على حساب الآخر، ومع الحرص على الحصول على منتج ممتاز! وتقوم الآليات الدقيقة ومكررات الدقائق المعقدة التي تمنح الساعة هالةً غريبةً، والساعات الرائعة المرصّعة بالأحجار الكريمة بتجسيد قوة الماركة الفنية. تتوافر لبارميجياني إذاً مجموعةً واسعة من المهارات والحرف وقد قرّرت التركيز على بعض تصاميم Tonda الغريبة التي تتميّز بمينا مطعّمة بالخشب.

في العام 2013، أطلقت بارميجياني فلورييه ساعتي معصم Tonda Tourbillon: ساعة Tonda Woodrock التي تحمل رسم Union Jack على المينا وساعة Tonda Woodstock التي تبدو رائعةً بفضل النجوم والخطوط التي تظهر في الخلفية. بارميجياني شريك قديم في مهرجان Montreux للجاز ولقد أرادت الماركة أن تحتفل بعلاقاتها بعالم الموسيقى من خلال هذين التصميمين. وفتحة الصوت التي نجدها في الغيتار والمصوّرة على المينا، تحتوي على التوربيون. وهذه السنة، أدهشت الماركة الجميع من جديد بفضل أحدث ابتكاراتها، ساعة Tonda Mambo التي تصوّر الشغف والمشاعر التي تبعثها كوبا بفضل موسيقى المامبو! أما المينا في هذه الساعة، فهي الأكثر تعقيداً حتى اليوم. وقميص الموسيقي المنقّط، يحمل نقاطاً بأشكال مختلفة ويظهر علم كوبا بألوانه القوية وهو مطعّم بالخشب. إن العناية بالتفاصيل في هذه الساعة استثنائية فعلاً!

التطعيم بالخشب

تستخدم دار بارميجياني تقنية تطعيم بالخشب تعتمد على تقطيع الخشب وإعادة جمعه لبناء أنماط معقّدة ومتشعّبة. وتعود أصول هذه الحرفة إلى صناعة الخزائن حيث يتمّ الجمع بين الأخشاب المدهونة والبرغلة لإنتاج ابتكارات ساحرة وجذابة. يرسم حرفي التطعيم بالخشب باستيان شوفالييه التصميم الأساسي باستخدام أداة خاصة تعرف باسم Rotring ما يحدّد الإطار الخارجي لعملية التطعيم. ويتم صنع عدة نسخ من هذا الرسم وتستخدم كل نسخة لإنجاز جزء من التصميم.

ويتمّ تثبيت مجموعة من القطع الخشبية معاً وتقطيعها على التوالي باستخدام آلة محددة فيما يكون الرسم الخارجي مثبتاً على أعلى المجموعة، ويدلّ الحرفي على خطّ التقطيع.

بعد التقطيع، تستخدم أفضل القطع الخشبية. في بعض الأحيان، تستخدم قطعة خشبية واحدة من العشرة التي تمّ تقطيعها. ثم يكرّر الحرفي هذه العملية الصعبة لكلّ جزء من أجزاء المينا. وتبدأ بعد ذلك عملية التجميع. وعلى الرغم من إيلاء عناية كبيرة بالتفاصيل في هذه المرحلة، إلا أن العمل الماهر يتطلّب أحياناً الحرص على عدم ظهور وصلات بين مختلف العناصر. وأحياناً، يضطر الحرفي إلى أن يكرّر عملية التقطيع للتوصل إلى المنتج المثالي النهائي. في هذا العالم، لا مكان للنفعية. وتعتبر العناية والصبر والمهارات البارعة ضرورية لإنتاج هذه الدرجة المتقدّمة من الحرفية، حيث لا يمكن التغاضي عن أي خطأ أو شقّ مهما كان بسيطاً. وبالنسبة إلى السيد شوفالييه، لا تظهر المكافأة على هذا العمل الممتاز إلا عند إنجاز المينا واكتمال الساعة ككلّ. وإن كان الحرفي يعمل على ترميم ساعة فنية من القرن الثامن عشر أو يصنع قطعة معاصرة مطعّمة بالخشب للأجيال الجديدة، فإن دوره يبقى في قلب بارميجياني فلورييه. فهذه الشركة تصنع تاريخها الخاص لتتأمله أجيال المستقبل وتستمتع به.

العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً