العدد 4950 - السبت 26 مارس 2016م الموافق 17 جمادى الآخرة 1437هـ

«فتاة في المنفى» لإسماعيل كاداريه... قصة الاستبداد السياسي في ألبانيا

غلاف الرواية
غلاف الرواية

الوسط - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

من داخل مؤسسة الحكم الشمولي في ألبانيا، كتب الروائي والشاعر الحائز على جائزة بوكر، إسماعيل كاداريه، معظم أعماله، كما كتبها بعد أن قطع صلاته بتلك المؤسسة. ولا تبتعد روايته «فتاة في المنفى»، التي صدرت في العام 2009، والتي احتاجت إلى 7 سنوات كي تجد طريقها إلى الترجمة الإنجليزية، عن الموضوعات التي غلبت معظم أعماله. هي عن بلاده التي ترزح تحت الحكم الشمولي، من خلال قصة فتاة، بحضور الأماكن التي هي مسرح للملاحقة والرصْد، في توظيف للتاريخ الذي لم يبتعد عنه كاداريه في جل أعماله. عن المنفى الداخلي يكتب، وعن القيود والخلاص أيضاً. هي قصة «تقشعر لها الأبدان»، برصد الاستبداد السياسي في ألبانيا، بحسب العنوان الذي اتخذه ماثيو آدامز، لمراجعته في صحيفة «الإندبندنت»، يوم الاثنين (21 مارس/ آذار 2016).

هل نعود إلى أول أعماله «مدينة بلا إعلانات»، تلك بدأها في موسكو، وحالت سلطة بلاده دون نشرها؟ هل نستعيد روايته «الوحش»، اتكاء على ما أراده لصورة العدو في هيئة حصان طروادة؟ أم «الشّاعر والطاغية»، انطلاقاً من بيت لهوميروس؛ حيث الماضي لا يموت ومؤدَّى العمل: فك ارتباطه بالسلطة؟ أم «جنرال الجيش الميت»، ولم تبتعد عن موضوعات الحرب، والذين فقدوا فيها؟ وفي «الحصن» تتبعاً لفترة الحكم العثماني، وحصار أحد الحصون في القرن الخامس عشر؟ مروراً بـ «موظف قصر الأحلام»، و«قصة مدينة الحجر»، و«خريف مدينة»، و«الشتاء الكبير»، و«حفلة موسيقية في نهاية الشتاء» و«الهرَم» و«الظل» وليس انتهاء بـ «الباشويات الكبرى»، كل تلك الأعمال على تماس مع التاريخ، ومتاخمة لموضوعة الاستبداد. هنا أهم ما ورد في مراجعة ماثيو آدامز.

رواية «فتاة في المنفى»، التي نُشرت للمرة الأولى باللغة الألبانية في العام 2009 ووجدت طريقها إلى الترجمة الإنجليزية هي، مثل الكثير من أعمال الروائي والشاعر الألباني إسماعيل كاداريه، في تركيزها واشتغالها على طبيعة الاستبداد السياسي. تقع أحداث الرواية في العاصمة الألبانية (تيرانا) (حيث ولد كاداريه) في فترة ثمانينات القرن الماضي، وهي الفترة نفسها التي حكم فيها أنور خوجة، وتحكي قصة كاتب مسرحي، روديان ستيفا، وصديقته الشابة، ميجينا، وامرأة شابة تدعى «ليندا ب»، والتي تم نفيها إلى بلدة غامضة وبائسة لمدة خمس سنوات، وتعمد السلطات إلى تمديد فترة سجنها.

روديان، في مُفتتح الرواية، يشق طريقه إلى اجتماع مع هيئة رسمية - على رغم أن سبب الاستدعاء يظل غامضاً. ربما، كما يعتقد روديان، بسبب علاقته مع ميجينا، التي اتُّهمت مؤخراً بأنها جاسوسة، وربما بسبب عمله المسرحي الأخير والذي لفت انتباه رقباء الدولة، جاء الاستدعاء. بعد السماح له بتوضيح كلا الاحتمالين بحضورهم، هل تبدأ اللجنة في استجوابه بشأن «ليندا ب»، الانتحارية التي تم الوقوف على جانب من لوازمها وتجهيزاتها مُدوَّنة ضمن كتاب روديان؟

لا ذكريات يمكن لروديان استعادتها، تتعلق بلقائه مع ليندا، ولكن مع تداعي الأحداث في الرواية، يصبح مأخوذاً بالقصة الكامنة من وراء نفيها وانتحارها، وقلقاً من احتمال أن يكون تحت طائلة مسئوليته عن مصيرها. وفيما يحاول تجميع شظايا حكايتها، يكتشف أن المدينة الغامضة التي أرسلت لها وهي مسلوبة الشعور بحريتها والحياة، غرست فيها التلهُّف والتحفيز الفكري والفني، ذلك الذي يبدو أن مدينة تيرانا وعدتها به.

استحضار كاداريه للمنفى الداخلي، والفقر العاطفي والفكري، مبعثه أن ليندا وُجدت للتحمُّل بقوة لافتة... بحنان. في أوقات مؤلمة يقوم بتصوير تلك الأوقات ضمن مدى رهيب للدولة الاستبدادية التي تحكم بحزمة تبدو أنيقة من الرعب... العبثية... والسخط ، وما يقاربها من التعلق بالماديات. تلك هي صورة المجتمع - «ديكتاتورية البروليتاريا» - التي توجد فيه «حملة أيديولوجية ضد المقاهي». حيث الـ «حظر على الدِّين» والسجن، إن لم يكن الموت «ضمن أقل صوره ودواعيه انتقاد ستالين» في إعجابهم به، ذلك المليء بالحنين إليه؛ حيث تطبِّق الدولة مثل تلك الإجراءات حتى على الموتى!

كاداريه لديه نقطة ضعف تتصل بالكليشيهات، تلك التي تجرِّد شخصياته من الخصوصية؛ ما يعني أن العمل يمكن أن يفتقر إلى الكثير من الأصداء. ولكن في أفضل حالاته هو عمل تقشعر له الأبدان... إنساني وجميل بغرابة، عمل من شأنه أن يتركك مع شعور متريِّث بالقلق.

إسماعيل كاداريه
إسماعيل كاداريه




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً