العدد 4982 - الأربعاء 27 أبريل 2016م الموافق 20 رجب 1437هـ

الخلاف الدائر حول “سيداو” يصيبني باليأس!

الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة هالة الأنصاري في لقاء خاص مع “بيللا”:

لا يقتصر النقاش في هذا الحوار الذي أجرته “بيللا” مع الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة السيدة هالة الأنصاري على الجدل الدائر والمحتدم اليوم في المجتمعات العربية والإسلامية بشأن اتفاقية مكافحة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) فحسب، بل تتلاقى العديد من المحاور لتشكل نوعًا من الشرح الواضح لقضايا كثيرة قدمت فيها ضيفتنا رؤاها بشأنها.

إن ملف إدماج احتياجات المرأة في التنمية المستدامة هو واحد من الملفات المهمة التي تولت ضيفتنا مسئولية متابعتها، لتحقيق نتائج تتطابق مع التوجه العام في البلد، علاوةً على تحقيق تكافؤ الفرص على المستوى الوطني، ولها بصمات واضحة في مجال التحالفات والشراكات مع المؤسسة الرسمية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة بقضايا المرأة، وسنجد في هذا الحوار أطروحات جوهرية:

السياسة العامة: شراكة وبناء

سؤالنا الأول انطلق من نطاق العمل، فقد ساهمتم في وضع الخطة الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية، هل يمكن أن تحدثينا سعادتكم عما تحقق من هذه الخطة؟ وهل يلبي الطموح؟ وما الذي تطمحون إليه؟

نعم، ولكن قبل الحديث عما تحقق أود أن أتحدث عن خلفية الخطة وظروف إعدادها، فقد كنت جزءًا من فريق العمل المسئول عن وضع هذه الوثيقة التي سميت في حينها بالخطة الوطنية "للنهوض" بالمرأة البحرينية، التي أعدت بالتشاور والتباحث مع كافة المعنيين من مؤسسات وأفراد، وسبق وضع تلك الخطة، استراتيجية وطنية لتكون بمثابة السياسة العامة لوجهة العمل النسائي في مملكة البحرين والقائم على الشراكة والبناء على ما سبق، واليوم، تتمتع البحرين بميزة الخبرة التراكمية في مجال العمل النسوي بالنظر إلى ثراء العمل المدني الاجتماعي المنظم، أضف إلى ذلك التعليم والعمل المبكر للمرأة البحرينية وهما عاملان أساسيان في تشكيل ملامح واقع ومستقبل العمل النسائي في البلاد.

أروع الخطط.. بالأدراج

ومع تولينا لمسئولية الأمانة العامة للمجلس الأعلى للمرأة، أتيحت لنا فرصة مراجعة ما نفذ من الخطة السابقة، وباشرنا فورًا عملية تقييم نتائجها حيت تبين لنا في حينه، بأن نسبة الإنجاز لم تتجاوز 33 في المئة! ولكن لم نكن قلقين من النتيجة بقدر ما أقلقنا بأن من أحد أسباب تدنيها هو بقاء الخطة بمعزل عن خطط الدولة وبرامجها، وهو تحدٍ عالمي، إذ تقوم الدول بإعداد أروع الخطط ولكنها تنتهي في الأدراج لعدم قدرة الآليات الوطنية النسائية في إيجاد حلقة الوصل بين مضامين تلك الوثائق وبرامج عمل الدولة.

ومن أفضل ما تحقق للخطة الوطنية في ثوبها الجديد هو تضمينها في برنامج عمل الحكومة وربطها بالموازنة العامة، إذ بدون إنفاذ الخطة في مسار الدولة التنموي وإيجاد الاعتمادات المالية اللازمة، سنكون كمن يراوح مكانه، وتعمل لجان تكافؤ الفرص اليوم بمثابة الآلية العملية التي يفترض أن تتابع قدرة كل جهة على التطبيق بالإضافة إلى متابعة مدى تقدم المرأة العاملة في تلك الجهات.

لا تغني ولا تسمن!

الجانب الآخر الذي ركزنا عليه في تصميم الخطة المطورة، هو التركيز على قدرة برامج الخطة من تحقيق أثر حقيقي لمساهمة المرأة، وليس فقط نتائج لا تغني ولا تسمن من جوع، فاليوم لا يهمنا فقط أعداد النساء في أي مكان بقدر مساهماتهن النوعية في المجال الذي يدخلون فيه. ورجوعاً للخطة فقد أصبح عنوانها أكثر إنصافاً للمرأة البحرينية، فهي تعمل "لنهوض" المرأة البحرينية وليس "للنهوض" بها، ومن جانب آخر تتداخل محاور الخطة بشكل مقصود، لننطلق من استقرار المرأة أسريًا ومساهمتها الاقتصادية في دخل الأسرة وما يتطلبه ذلك من حاجة لتعلمها وتطوير مهاراتها مدى الحياة لترتقي بالتالي بجودة حياتها لتصل إلى مساهمات أكثر تأثيراً في الحياة العامة في إطار تكافؤ الفرص.

إن أهم مبدأ تقوم عليه الخطة هو أن تمكين المرأة ليس عملية مؤبدة بل مرحلة مبكرة في مشوار حياتها تكون هي سيدة قرارها بعد ذلك، وهذا ليس بغريب على المرأة البحرينية التي شهد لها تاريخنا عطاءً نوعيًأ على مر فتراته.

إرادة سياسية وقناعات شعبية

لكن، ما هي أكثر قضايا المرأة البحرينية والعربية التي تمثل لكم هاجسًا واهتمامًا خاصًا؟ وما الجديد في خصوص اتفاقية القضاء على كافة أنواع التمييز ضد المرأة (سيداو)؟

لا توجد قضية بعينها فكل شجن أو هم تحمله المرأة البحرينية أو تشاركها إياه المرأة العربية يشكل هاجسًا لنا، ما يقلقني هو كيف تجد القضية طريقها للحل، فقضايا المرأة في مجملها قضايا خلافية وتتطلب - كي تحل - إما إرادة سياسية جريئة ومستنيرة أو قناعات شعبية تأخذ مداها لتؤثر، فمثلًا، الخلاف الدائر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية حول اتفاقية "السيداو" يصيبني بنوع من اليأس في قدرتنا على التعاطي مع العالم الخارجي الذي يستغل كافة الفرص للنيل من ديننا الإسلامي.

لا توجد اليوم دولة عربية لم تضبط إيقاع الاتفاقية بشرط الشريعة الاسلامية وعدم تعارضها مع أحكامها، ومن غير المعقول في ظل هذا التقييد المطمئن والذي يفرض على الاتفاقية الدولية خصوصية المجتمعات الإسلامية، أن نظل ندور على أنفسنا بنقاش عقيم لا نصل فيه إلى مكان، هذا من جهة.

أما من جهة أخرى، يجب عدم الاستهانة بصمامات الأمان الأخرى المتمثلة في دساتيرنا الوطنية، التي تستنبط أسسها من أحكام الشريعة الإسلامية، والقوانين الوطنية التي تعاقب وتجرم كل ما نحذر منه اجتماعيًا وإنسانيًا، فقانون العقوبات البحريني يجرم الزنا والاغتصاب والإجهاض المتعمد، كما يتم الاستناد إلى قانون أحكام الأسرة في كل ما يخص العلاقات الأسرية، فتصديق البحرين على الاتفاقية رسالة واضحة مفادها بأن مثل هذه الاتفاقيات الوضعية لا يمكن أن تعلو على الشريعة الإسلامية في عدلها وسموها بالإنسان رجلًا كان أو امرأة.

لا أجد أي مبرر!

تلجأ الكثير من المواطنات اللواتي يعانين من مشاكل في حياتهن إلى المجلس الأعلى للمرأة، ترى، متى تشعرين بأنك (عاجزة) عن مساعدة هذه المواطنة أو تلك؟ ولماذا؟

عندما تتقاطع القضية مع غياب أو قصور تشريعي كغياب قانون أحكام الأسرة في شقه الثاني، ولا أجد أي مبرر لعدم أخذ السلطة التشريعية زمام الأمور في هذا الشأن.

إكمال حلقة التوفيق

حسنًا، لننتقل في حديثنا إلى الصعيد الأسري والاجتماعي، ما هو الأسلوب الذي يميزك في التوفيق بين العمل والمنزل والعلاقات الاجتماعية؟ وماذا تمثل لك: الأسرة – المجتمع - العلاقات والتواصل مع الناس؟

أي توافق هو نابع من صيغة الحياة التي يتفق عليها طرفا العلاقة الزوجية، وقناعة كلاهما بدعم الآخر في مسيرته العملية، وهناك أيضًا، طبيعة الخيارات وحجم التضحيات التي يتخذها الطرفان، فالرجل الذي يشارك زوجته مسئولية التربية، وما أكبرها من مسئولية، هو أكبر داعم لأي عملية توفيق، ثم تأتي المرونة في إدارة العمل وإيجاد وسائل تتناسب مع طبيعة وظروف كل أسرة، ومع الوقت يصبح حتى للأبناء دور في إكمال حلقة التوفيق عبر اعتمادهم على أنفسهم ومساندة الوالدين أحيانًا في مواصلة مشوار العمل.

بالنسبة لي، تأخذ أسرتي الحيز الأكبر من علاقاتي الاجتماعية وتواصلي الخارجي، فعائلتي الصغيرة والممتدة تأتي في المقدمة وبها أنطلق نحو طموحاتي.

تشذيب وتهذيب وضبط ذاتي

يبدو أن سعادتكم من قليلي الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، هل هذا صحيح؟

ليس عدم اهتمام، ولكن لا أحبذ أن أشغل نفسي بإدارة حساب شخصي له تبعاته من وقت وجهد وتفرغ، ولكننا نحرص على فتح كافة قنوات التواصل الاجتماعي بين المواطنين والمجلس الأعلى للمرأة من خلال حسابات المؤسسة، وعلى العكس، فوسائل التواصل الاجتماعي لها مزاياها من حيث سرعة وصول المعلومة وانتشارها والتفاعل السريع مع الجمهور والرد على استفساراتهم، ولكن يبقى، بالنسبة لهذه الوسائل، في بعض الأحيان، تحدي السطحية والتهور في الطرح والتي تتطلب الكثير من التشذيب والتهذيب والضبط الذاتي.

ما هي المجالات التي تحبين القراءة فيها؟

المجالات السياسية والفكرية والإنسانية، وهذه الأيام أعيد قراءة كتاب الوالد، "العرب والسياسة أين الخلل؟" لإعادة قراءة وفهم المشهد السياسي العربي ومساراته.

العلاقة مع الوالد المفكر

كيف هي العلاقة بين الابنة والأب المفكر كما هو وضعك مع والدك المفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري.. حدثينا عن هذه العلاقة وما الذي استلهمتها هالة من والدها المفكر؟ متى تتفقين معه ومتى تختلفين؟

هي علاقة ابنة تلهث للوصول إلى أعماق فكر أبيها الذي لم يمارس إلا دور الأب في حياته اليومية مع بناته الثلاث، ولم يتعامل معنا أبدًا من علياء المفكر، وعندما أرجع لفترات نشأتنا أغبط والدي على أسلوب تربيته الذي لم يمارس فيه يومًا أي فرض فكري أو دكتاتورية أبوية.

تعلمت من صبره على المحن، ومن سماحته في التعامل، وإخلاصه وإتقانه بل تقديسه لعمله ورسالته، وتمسكه بقيمه مهما كانت المغريات، وحفاظه على مبادئه في كافة الظروف، وتعلمت منه أن التغيير يبدأ من داخل الإنسان وأن حق الآخرين هو واجبي للحفاظ عليه، علمني بأن أي فشل ليس "نهاية العالم" على حد تعبيره، وأن الاختلاف في الرأي مع الآخرين يجب أن "لا يفسد للود قضية".. والدي كان صاحب قضية وقضيته هي البحرين وعروبتها ومنها انطلق بفكره لوطنه العربي الكبير الحالم بوحدته وارتقائه فوق خلافاته وفروقاته.

بين النجاح والفشل

في فترة من الفترات، كانت لك مشاركات في الكتابة بالصحف المحلية، ثم توقف هذا الأمر، ما هي الأسباب؟ هل هي انشغالات العمل الإداري؟

نعم فالعمل الإداري الرسمي يستوجب التفرغ، والكتابة لها متطلباتها.

متى، حسب تجربتك، تنجح المرأة ومتى تفشل؟ وكيف ندعم المرأة الناجحة ونساند المرأة المتعثرة؟

تنجح عندما تحتوي الآخرين وتنسب أسباب النجاح لهم وأسباب الفشل لها، وتكون جزءًا من الفريق الواحد وإن كانت هي قائدته.

وتفشل عندما تنفرد في القيادة وتكابر في العلم والمعرفة والرأي وتنشغل بالشهرة على حساب ما تقوم به، والمرأة الناجحة تستمر متى ما توافرت بيئة تساندها وتقدر عطاءها وتبرز تأثير عملها، تستمر في النجاح متى ما استطاعت أن تحقق أثرًا نوعيًا يتجاوز نجاحها الفردي إلى عطاء أشمل، حتى لو قررت أن تتفرغ لبيتها وأولادها، أو تعمل من منزلها.

أما بالنسبة للمرأة المتعثرة فأحد أهم العوامل التي تسندها هي استعادة ثقتها بنفسها من خلال معرفة أسباب التعثر مهما كان، واتخاذ قرار يساعدها على حل مشاكلها من خلال الاستفادة من الخدمات أو الدعم المقدم على اختلافه، ليكون التعثر مجرد ظرف مؤقت أو طارئ لا يسيطر على حياتها.

العدد 4982 - الأربعاء 27 أبريل 2016م الموافق 20 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً