العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ

فيلم «Camp X-Ray»: للسجَّانين مشاعرهم الإنسانية أيضاً

إيمي «كريستين» وعلي «بيمان» ينتصران لإنسانيتهما رغم الحواجز
إيمي «كريستين» وعلي «بيمان» ينتصران لإنسانيتهما رغم الحواجز

لا يحق للسجان أن يقيم علاقة إنسانية مع السجناء، حتى لو كان ذلك يعني حمل شعور بالتعاطف أو أي إحساس بالرحمة أو الشفقة تجاه معاناتهم وما يتعرضون له خلف أسوار السجن. ربما لأن ذلك ما تنص عليه قوانين وتعليمات السجون، العسكرية منها على وجه الخصوص، وبحسب فيلم «مخيم اكس راي» Camp X-Ray،

فذلك ما تنص عليه قوانين «مخيم دلتا»، أحد أقسام سجن غوانتنامو، الذي كان يشار إليه بمخيم اكس راي.

ويعطي الفيلم تفصيلاً أكبر حين يقول إنه لا يمكن للسجان أن يفكر بأي تعامل إنساني تجاه هؤلاء السجناء، على الأخص سجناء غوانتنامو، الذين لا يطلق عليهم وصف سجناء وإنما معتقلون. المعتقلون، بحسب الفيلم، هم الذين لا يقعون تحت أي من معاهدات واتفاقيات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان. هم إذن من لا يحصلون على أي تعامل إنساني. إنه سجن غوانتنامو على أية حال.

الفيلم الذي يستعرض بعضاً من الممارسات الإنسانية في داخل هذا السجن في عدد من المشاهد، يوجه انتقاداً لاذعا لذلك، ويحاول من جانب آخر أن يقف موقفاً محايداً من السجناء والمعتقلين. الفيلم يقول باختصار انه لا ذنب لأحد، المعتقلون قد يكونون أبرياء، وإن لم يكونوا ذلك فلا مبرر للتعامل غير الإنساني معهم، فهؤلاء سيقضون ما تبقى من عمرهم محتجزين في هذه الغرف الكونكريتية وهذه قسوة كافية. كذلك يوضح الفيلم أن السجانين بشر في نهاية المطاف، وانهم قد يحملون مشاعر ربما تؤدي إلى أن يتجاوز بعضهم القوانين والإرشادات الخاصة بالسجن كما فعلت إيمي، وإنهم، أي السجانين، وان تشددوا وبالغوا في قسوتهم تجاه السجناء فهم ليسوا سوى موظفين مكلفين بواجب ما ولا خيار لهم.

على أية حال، لا يحتاج المشاهد إلى أن يتفق مع كل ما يطرحه الفيلم ليعجب به، فهناك نقاط عديدة يستحق الفيلم الإشادة بسببها، بدءا من قصة الفيلم التي كتبها وأخرجها بيتر ساتلر في أول إخراج له، وصولا لأداء الممثلين الرئيسيين كريستين ستيورات في دور إيمي كول، والممثل والمخرج الإيراني بيمان معادي في دور علي أمير.

تدور قصة الفيلم حول إيمي كول، السجانة أو جندية الحراسة في سجن غوانتنامو، الفتاة التي لم تخض تجربة حياتية حقيقية بعد، نظرا إلى صغر سنها، ولأنها تأتي من مدينة صغيرة في فلوريدا. تعمد الفيلم ذلك ليقوي موقف إيمي الإنساني، فهذه فتاة لم تلوثها حياة المدينة الصاخبة مثلاً.

منذ بداية الفيلم، تبدي إيمي تحفظاتها على جميع أنواع المعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها السجناء في القسم الذي تعمل فيه من سجن غوانتنامو، بدءاً من اعتبارهم معتقلين لا حقوق إنسانية لهم، وصولا لأنواع العقاب التي يتعرضون لها إن خالفوا أيّاً من تعليمات السجن، وانتهاء بحرمانهم من أي نوع من التواصل مع العالم الخارجي.

وعلى رغم أن إيمي تنضم إلى قوة رد الفعل الأولية، وهذه ترجمة حرفية لا أجزم بصحتها، لكنها تشير إلى Initial Reaction Force (IRS)، وهي قوة تدخل سريع تتألف من أربعة من أفراد قوات مكافحة الشغب الذين يتدخلون في حال حدوث أي عصيان من المعتقلين.

على رغم ذلك، فإن إيمي، وبمجرد انضمامها للعمل وتعاملها الأول مع السجناء، تتحول من سجانة باردة المشاعر، إلى إنسانة تحمل تعاطفاً مع المعتقلين، وتبدي إستياء صامتاً من أي تعامل لا إنساني يتعرضون له. تنشأ بينها وبين علي أمير علاقة إنسانية سرعان ما تتطور، وعلي سجين تونسي يتهم بانتمائه إلى تنظيم القاعدة، ويختطف من منزله في منطقة بريمير بألمانيا وهو يؤدي الصلاة.

بعد حادث عنيف بين إيمي وعلي، وبعد محاولة انتحار فاشلة من الأخير، تتبدل مشاعر إيمي، ويبدو وكأن الجانب الإنساني بداخلها ينتصر على متطلبات واجبها كسجانة. ولذلك فإنها بدلا من أن تحمل كراهية أو موقفا شخصيا معاديا لعلي الذي يرشقها بقذارة بشرية في مقابل تجاهلها لمحاولاته للتواصل معها، بدلا من ذلك، تهتم بأمره وتسعى للاطلاع على ملفه الشخصي. في ملفه، تكتشف إيمي محاولات متعددة لإيذاء النفس وتجاوزات كثيرة لنظام السجن، قام بها علي، طوال ثمانية أعوام قضاها في غوانتنامو منذ اختطافه من منزله، كما يتضح لها أن علي أصبح أكثر عنفاً بمرور السنوات، ولذلك يتغير موقفها منه وتبدأ في التواصل معه.

وعلى رغم رغبة ايمي في تقوية الرابط الإنساني مع علي، فإن إدارة السجن تكتشف ذلك، الأمر الذي يتسبب في خضوعها للجنة تحقيق، تعاقب على إثرها بأن تنقل للحراسة الليلية. لكن انتهاء فترة العقاب وعودتها لعملها كحارسة نهارية، ما يعني عودة التواصل بينها وبين علي، تجعل الرابط بينهما أقوى. تنتهي الأمور في مشهد يحمل جرعة عالية من الإنسانية حين تؤدي محاولة انتحار جديدة من علي إلى أن يعترف الاثنان، إيمي وعلي، السجانة والمعتقل، بمشاعرهما تجاه البعض. وبعد محاورة جادة هادفة لمنع علي من إيذاء نفسه، وباقتناع إيمي بأن الحرية بكل أشكالها هي حق لأي شخص حتى وإن كان «معتقلاً»، فإنها تقرر منح علي حرية في اختيار قراره بالموت أو الحياة. في هذا المشهد البالغ الإنسانية، تخبر إيمي علي باسمها، وتطلب منه أن يناديها به، وهو الذي ظل يناديها باسم الشقراء منذ أول مشاهدهما في الفيلم، وتناديه هي باسمه بدلا من رقمه كمعتقل 461، وهو ما يعرف به السجناء.

لن أذكر مزيدًا من التفاصيل لكي لا أفسد متعة مشاهدة الفيلم وهي عالية بالمناسبة بسبب الأداء المذهل لكل من كريستين وبيمان في دور إيمي وعلي. كريستين على أية حال قدمت أول أفلامها في عمر التاسعة وكان ذلك فيلم The Thirteen Years، واستمرت في الظهور في أدوار متعددة في عدد لا بأس به من الأفلام، لكن في هذا الفيلم الذي قدم العام 2014، أثبتت موهبتها كممثلة وهي في الواقع موهبة لا تقل عن موهبة ممثلات في مثل سنها سلطت عليهن الأضواء كثيراً. كريستين بأدائها الرائع تمكنت بشكل مذهل من أن تنقل للمشاهد الوضع النفسي الذي يعيشه حراس السجن. ولن أقول هنا إنها فعلت ذلك بتعبيرات وجهها أو بأي شيء آخر، في الواقع وجهها لم يتحرك كثيرًا، مشاهدها صامتة في معظمها، لكنها تمكنت من اقناع المشاهد بأنها هي ايضا تتألم كما يتألم المعتقلون وهي الأخرى سجينة كما هم، سجينة الأوامر والإرشادات الصارمة على أقل تقدير.

من جانب آخر، تمكن الممثل الإيراني بيمان معادي من تأدية دور السجين المقهور الغاضب المتعطش للتعامل الإنساني. وبيمان فنان متمكن أثبت حضوره في أفلام مثل فيلم انفصال A Separation الشهير لأصغر فرهادي، والذي حصل عنه على جائزتي الدب الفضي من مهرجان برلين على جائزة جميعة محبي السينما الدولية International Cinephile Society Awards.

الفيلم بشكل عامًا جيدًا، لا يخلو من ضعف في بعض تفاصيله، بعض هذه التفاصيل مشترك بين جميع الأفلام الأميركية من بينها مثلاً، اختيار ممثل ايراني، يتحدث الانجليزية بلكنه ايرانية واضحة، لتقديم دور ممثل تونسي، عرفت انه تونسي بعض اطلاعي على موقع الفيلم. كذلك يبدو المشهد الأول من الفيلم الذي يطالعنا بشاشة لقناة عربية تنقل خبر تفجيرات (11 سبتمبر/ أيلول)، على لسان مذيعة عربية، يبدو المشهد مضحكاً، بسبب صياغ الخبر الركيك عربيا، واللغة العربية الركيكة أيضا التي تتحدث بها المذيعة. لا أعرف متى ستتجاوز الأفلام الأميركية هذه الهشاشة في تقديم الشخصية العربية بكل تفاصيلها.

على أية حال، حقق الفيلم أرباحا تجاوزت 60 مليون دولار على رغم موازنته التي لم تتجاوز المليون دولار الأميركي، وهذا تميز لفيلم مستقل. كذلك حصل مخرج الفيلم وكاتبه بيتر ساتلر على ترشيح لجائزة هيومانيتاس Humanitas Prize من مهرجان صندانس للأفلام وهو المهرجان الذي شهد العرض الأول للفيلم العام 2014، كما حصل الفيلم على ترشيح لجائزة ارتيوس Artios Awards لتقديمه دراما مميزة بموازنة منخفضة، أما كريستين ستيورات فحصلت على جائزة أفضل ممثلة من تجمع ناقدات الأفلام Women Film Critics Circle، كما منح التجمع الفيلم جائزة أفضل فيلم عن النساء.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:11 ص

      الفيلم كما قرأته يحمل صورة لتكوين علاقة إنسانية وعاطفية بين السجانة والسجين ، وأعتقد أن ما سهّل تكوين هذه العلاقة بعض العوامل منها كما ذكرت أن الشرطية أتت من قرية فهي صفحة بيضاء وعلى ما اذكر جديدة على الخدمة ، وربما محاولات الانتحار للسجين ، أضيف إلى ذلك كون السجانة أنثى فهذه النقطة قد تكون ساهمت في زيادة العلاقة الإنسانية وتأثر الشرطية بحالة السجين وذلك ليس تعميماً ، عموماً تشوّقت لرؤية الفيلم حتماً سأقتنيه ، واستمتعت بقراءتكِ للفيلم

    • زائر 3 | 1:42 م

      أربعة أشياء شدتني..
      ١- ليس شرط على الأنسان أن يتعلم الأنسانية لكي يمارس أنسانيته.
      ٢- الحب.. لا يحده زمان أو مكان أو نوع أو شكل.
      ٣- الأنثى..(المنظور الأنثوي)
      ٤- العدالة..

    • زائر 2 | 1:34 م

      التحليل جميل جدا برغم ان الفلم لم يعجبني لانه بالغ جدا في القصة واستغل حقوق الانسان للتعاطف مع السجان كما اعجبني دقه المحلله في معرفة الشخصيات وتحليلها فشكرا لها لهذا التمييز

    • زائر 1 | 6:46 ص

      شاهدت الفيلم في عرضه السينمائي في البحرين. الفيلم وكما اشارت الكاتبة انه يحاكي القيم الانسانية. اعتقد ان الفيلم فتح المجال للمؤسسات التي تعني بحقوق الانسان للتحري عن اوضاع المساجين على هذه الشاكلة. اقترح بمشاهدة الفيلم للبالغين وايضا الى الذين ادخلو السجون قسرا وظلما. شكرا للكاتبة لاختيارها للافلام المميزة للكتابة عنها

    • زائر 4 زائر 1 | 8:43 ص

      الفيلم كما قرأته يحمل صورة لتكوين علاقة إنسانية وعاطفية بين السجانة والسجين ، وأعتقد أن ما سهّل تكوين هذه العلاقة بعض العوامل منها كما ذكرت أن الشرطية أتت من قرية فهي صفحة بيضاء وعلى ما اذكر جديدة على الخدمة ، وربما محاولات الانتحار للسجين ، أضيف إلى ذلك كون السجانة أنثى فهذه النقطة قد تكون ساهمت في زيادة العلاقة الإنسانية وتأثر الشرطية بحالة السجين وذلك ليس تعميماً ، عموماً تشوّقت لرؤية الفيلم حتماً سأقتنيه ، واستمتعت بقراءتكِ للفيلم .

اقرأ ايضاً