العدد 4992 - السبت 07 مايو 2016م الموافق 30 رجب 1437هـ

العلمانية وموقف القوى المختلفة «الجانب الإنساني والشخصي»

جميل المحاري jameel.almahari [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استكمالاً للعمود السابق الذي ناقش موضوع «العلمانية» بمفهوم فصل الدين عن الدولة من ناحية التشريعات والقوانين الوضعية التي تم إدخالها في جميع دساتير الدول الإسلامية، من تغيير الأحكام الإسلامية الشرعية كـ»الحدود» إلى عقوبات بديلة تحرم العقوبات الجسدية، بالإضافة إلى تجريم الاتجار بالبشر وتحريم العبودية، وكلها قوانين إنسانية استنبطت من تاريخ تطور الحضارات البشرية، ما يؤكّد ما ذهبنا إليه من أنه لا توجد أي دولة في الوقت الراهن تطبق الشريعة الإسلامية بحذافيرها أو أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريعات فيها، إنما هنالك في جميع الدول تشريعات وضعية وبنسب متفاوتة من دولة لأخرى.

يبقى من المهم مناقشة الجانب الإنساني الذي أصبح في عالم اليوم من المسلمات التي لا يمكن المساس بها أو تقييدها بأي نص قانوني، وأهم ما يمكن ذكره في هذا المقام ما تؤكده أغلب الدساتير في الدول الإسلامية من أن «الحريات الشخصية مصونة»، وذلك ما يؤكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه الغالبية العظمى من دول العالم بما فيها الدول الإسلامية.

فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم تدشينه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948، يلخص أهم المبادئ الإنسانية التي توصلت إليها البشرية عبر تاريخها المليء بالقتل والدماء والصراعات بين الدول والمصالح والأفكار والعقائد والسياسات المختلفة. هذا الإعلان العالمي الذي رأت فيه أغلب دول العالم وشعوبها المنقذ من تسلط الحكومات، يعتبر لحد الآن أهم وثيقةٍ يمكن الاستناد إليها فيما يخصّ الحريات العامة والشخصية.

الجانب الآخر من الموضوع يرتبط بشكل عملي، فيما نمارسه يومياً في حياتنا المعيشية والعملية، والذي يكشف بوضوح ما يعيشه البعض من تناقض عام ومربك في الكثير من الحالات، ومع ذلك يصر على التمسك بالأفكار العامة، غافلاً عن قصد أو دون قصد، عن مناقشة مدى التناقض بين ما يدعو إليه من أفكار وما يمارسه يومياً من نشاطات.

العلمانية كأسلوب حكم تتبعه الدول المتقدمة والتي تصدر لنا جميع احتياجاتنا من مأكل وملبس ووسائل مواصلات وتكنولوجيا ووسائل اتصال، وبالمختصر كل شيء، فإن ذلك يستتبع بالضرورة تصدير الأفكار والثقافة ونمط العيش والحياة برمتها، وسواءً شئنا ذلك أم أبينا، فإن المفاهيم والثقافة التي نعيشها في وقتنا الحاضر جميعها مستوردة، شأنها شأن السيارة التي نركبها والتلفزيون الذي نشاهده والطائرة التي نسافر بها وكل شيء نستخدمه يومياً، وحتى أين نعمل وماذا نعمل.

مثال بسيط جداً، كم كان عدد المحرمات والمحظورات قبل خمسين سنة من الآن، والتي أصبحت في زمننا الحالي من الأمور الطبيعية؟ في الماضي القريب كان محرماً على المرأة أن تتعلّم في المدارس في حين نرى الآن أن المرأة، شأنها شأن الرجل، يجب أن تحظى بأرقى الشهادات الجامعية. في الماضي القريب كان من المعيب أن تقود المرأة السيارة، ولكننا نرى الآن أن سياقة المرأة من أساسيات التعاون في الحياة الزوجية. قبل مدة بسيطة كان من المحرّم التعامل مع البنوك الربوية «التجارية» أو العمل فيها، ونحصي الآن من لديه حساب في هذه البنوك أو حتى يعمل فيها. قبل وقت قريب لم نكن نؤمن بالديمقراطية أو الاختلاط أو حقوق الإنسان أو ربما مازال البعض ينكرها، ولكن إلى متى سيظل ذلك؟

إننا نخطو خطوات صغيرة وبطيئة نحو التطور والعلمانية... ولكن دون أن ندري.

إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"

العدد 4992 - السبت 07 مايو 2016م الموافق 30 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:41 ص

      من المقولات الغير ناجحة لجحا في التجارة الغير حرة والمقيدة في الألفية الثانية!!
      من الممكن ولكن من غير المعقول فصل الدِّيْنِ عن الدنيا ولا عن الدَوْلَةِ !!! فلا دولة بلا معاملات ولا معاملة بلا دولة. وهنا يمكن القول أن لا توجد دولة في العالم بلا ناس وما دان الناس متواجدة بلا بد أن تكون مشاكل في المعاملة. فالدين معاملة ولا يمكن أن تفصل الدين عن المعاملة ولا السياسة عن المعاملة وكذا التجارة. فهل توجد تجارة بلا معاملات؟؟؟

    • زائر 2 | 1:33 ص

      أن نقترب من العلمانية كتصرفات فردية أو مجتمعية لا يعني بحال من الأحوال تشريع العلمانية، فلو اتجه الناس كل الناس إلى شرب الخمر مثلا، فهذا لا يجعل الخمر مباحا أو لا يعني أن نغير القوانين الإسلامية بهذا العذر.
      كما يجب أن لا نغفل أن في الشريعة مساحة متروكة للفقيه الإسلامي يتحرك فيها بما هو مسموح وهذا لا يجعل كل الشريعة في ضمن هذه المساحة.
      وما هو واضح وملموس ومشاهد ولا يمكن إنكاره إلا مكابرة، أن الدول التي تعمل بالعلمانية؛ في أكثرها لا يوجد حقوق للإنسان، ويضطهد الإنسان بمسميات أخرى فهي ليست حلا.

    • زائر 1 | 1:09 ص

      العلمانية أو إ ليبرالية هي أساس الديمقراطية وهي الحاضنة لجميع الأديان والمذاهب وهذا ما يلاحظ فيها جميع دور العبادة لكل الأديان ومذاهبها

اقرأ ايضاً