العدد 5007 - الأحد 22 مايو 2016م الموافق 15 شعبان 1437هـ

«دعيني للغنى أسعى»!

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

صدق عروة بن الورد في شعره الذي زاد عن الألف سنة، عندما تحدّث عن الغنى فقال:

دعيني للغـنى أسعى، فـإنّي رأيتُ الناس شرّهم الفقير

وأبعدهــم وأهونهـم عليهـم وان أمسى له حسب وخير

ويُقصـيه النَّـدِيُّ، وتـزدريـه حليلته وينهره الصغير

ويلقـى ذا الغـنى ولـه جلال يكاد فؤاد صاحبه يطير

قليـلٌ ذنبُـه، والـذنـبُ جــمّ ولكن للغِنى ربٌّ غفورُ!

لم يكذب عروة بن العبد أبداً في هذه الأبيات، بل كل كلمة كتبها منذ ذلك الحين إلى يومنا الحاضر هي الحقيقة وتحدث كلّ لحظة، فالنّاس عندما تتكلّم مع الفقير تختلف في كلامها عندما تتكلّم مع الغني، وتأكل من طعام الغني، ولكن طعام الفقير تدقّق فيه، ودائماً تجدها مع الغني (غير)! لماذا؟ لا ندري!

في بيت الغني يتخضّع معظم النّاس، وفي بيت الفقير يدقّقون في كل شيء، فمجلسه لا يناسب، ومطبخه لا يناسب، وحتّى الحمام لا يستخدمونه، وهذا أمر نجهل إلى اليوم سببه، وتدور الأيام!

وتدور الأيام ويختلف وضع الفقير، فيصبح غنياً، فيتغيّر الناس حوله، يجدون بيته من أفضل البيوت وأكله من أفضل الأكلات، ومكانه من أنظف الأماكن، مع أنّهم هم أنفسهم أولئك النّاس الذي دخلوا بيته وانتقدوه!

ليس هذا فقط، فلو كان أحدهم كارهاً لأحد وهو فقير، وحضر هذا الفقير إلى بيته، تجد بأنّ صاحب المكان لا يستقبله، ولكن لو كان هذا الشخص نفسه كارهاً لغني، وحضر الغني إلى بيته، فستجده مستقبلاً ومرحّباً وإن كان كارهاً له أو مُعاتباً، يالغرابة الموقفين، فقط الفاصل بينهما هو الغنى والفقر!

وحدهم الصادقون هم الذين لا ينظرون إلى غني ولا إلى فقير، الجميع سواسية، فجلستهم مع الغني نفسها هي جلستهم مع الفقير، وقد تكون جلستهم مع الفقير أفضل وأروع من جلستهم مع الغني، إذ لا تدخل البروتوكولات ولا التحفّظات، بل البساطة والابتسامة تجمع الصادق والمخلص مع الفقير.

في يومٍ ما سيتغيّر الحال، فهل يتغيّر من حولك؟ هل ستجد مسكنك ومشربك وطعامك لائقاً لجنابهم؟ نعم سيتغيّرون لأنّك تغيّرت وصعدت، ويتكلّمون معك بأدب وبأخلاق عالية، ولا يطلبون منك ويسألونك عمّا قمت به، لأنّك فوق الشبهات، أنت الآن غني، وتُغتفر ذنوبك!

للأسف أصبحنا أمّةً نُعامل الآخرين حسب مستوى الدخل، على مستوى ما عندك في البنوك وما لديك من أراضٍ وخيرات، لا على مستوى أخلاقك الرفيعة وتواضعك وطيبتك معهم!

هي الدنيا هكذا منذ ألف سنة إلى اليوم، الغني له وضعه الخاص، والفقير له وضعه الخاص، والحكم بينها المحبّون والمخلصون والمتكبّرون، ولكن ليعلم المتكبّر بأنّ الدنيا لا تدوم، وإنّها تتغيّر، فالفقير قد لا يبقى فقيراً، والغني قد لا يبقى غنيا!ً

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 5007 - الأحد 22 مايو 2016م الموافق 15 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 7:30 ص

      أحسنتي أخت مريم على هذا الموضوع الرائع الصادق! سلمت أناملك الصادقة!

    • زائر 3 | 1:46 ص

      مريم ما جبتين شي جديد ، الغني طول عمرة فوق والفقير تحت

    • زائر 6 زائر 3 | 3:33 ص

      أكثر اهل الجنة من الفقراء. الحمد لله على نعمه وفضله.

    • زائر 2 | 1:12 ص

      كل شي ارزاق وقسمة من رب العالمين

    • زائر 4 زائر 2 | 1:56 ص

      صحيح ارزاق بس كيف تكون الارزاق يعني اموال واراضي الدولة ملك من وحق من
      الارزاق لو كانت بالتكافأ ما في مشكلة لكن الارزاق بطريقة اخرى في رب عادل والعدل اساس الحكم

    • زائر 5 زائر 4 | 3:17 ص

      هنا بارك الله فيك يأتي ضمير الفرد وخوفه من رب العالمين

    • زائر 1 | 10:39 م

      واقعيه اخت مريم

      الإمام علي عليه السلام قال لوكان الفقر رجلآ لقتلته ..هذا الواقع اللي نعيشه ..اكبر مثال الفقير يمرض ويموت بسرعه لأن لايملك ثمن العلاج ..والغني يمرض مرض بسيط يقدر يتعالج وفي أغلى مستشفيات العالم ..الغني ماعنده مشاكل وان كانت.. مشاكل تافهه والفقير يعيش العوز والمذله من كل صوب ..والغريب الفقير يزيد فقر والغني يزيد غنى ..حكمتك يارب

اقرأ ايضاً