العدد 5013 - السبت 28 مايو 2016م الموافق 21 شعبان 1437هـ

في بيتنا صائم صغير

يراقب الصيام بعيون مخادعة

في بيتنا صائم صغير، رغم المشقة طالب من تلقاء نفسه لخوض تجربة الكبار لينتقل فيها – حسب فهمه – من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج والإدراك والرجولة. تجربة الصيام لأول مرة، تجربة تكتنفها مشاهد جمعت الآباء ببناءهم في سبيل إنجاحها. مشاهد حملت بين طياتها الطرافة والفكاهة حيناً، وربما قصصاً من الترهيب والتعنيف حيناً آخر. هنا، استطلعنا قراء الوسط الطبي .. انتقلنا بهم بين زمنين، زمان الزرع حين كانوا أبناء وزمان الحصاد حين باتوا آباء. الوقفات التالية تستذكر ماضيهم وتحي حاضرهم القريب لنقول لهم ولابناءهم كل رمضان وأرواحكم أجمل.

يستطرد مجدي النشيط (54عاماً) في حديثه عائداً لسنوات المراهقة حينما بدأ الصيام في سن 14 عاماً وتحديداً عند ناصية الشارع الذي كان يسكنه حينذاك في مدينة عيسى حيث يباغته الأصدقاء مازحين بشقاوة يحاولون إطعامه كعكة أو بسكويتاً اختباراً منهم لقوة صيامه وقبوله التحدي. وحين سؤاله عن مواقف طريفة حصلت له مع ابناءه أثناء صيامهم، اعترف النشيط بكون هذا سؤال يوجه للأم فهي من تقوم بمراقبتهم عن كثب وتعليمهم أصول الصوم. ذكريات النشيط الأب الموجه لابنائه (24 عاماً و 28 عاماً) لا تبارحه، فيقول: «إن البنت في الصيام أفضل من الولد وأقولها عن تجربة شخصية، حيث كان ابني المصاب بنقص الخميرة يتخذ مرضه ذريعة لإفطاره على حصص أكبر مما نسمح له بها خلال فترات الصيام». أما عن كيفية استعداد وتهيئة ابنائه لاستقبال شهر رمضان أجاب إن أسبوع تدريب على الصيام في أواخر شهر شعبان من شأنه تهيئة الجسم تماماً.

أما ماجد المرخي (46 عاماً) فقد انتقل بنا ناحية بيت جدته حيث ترعرع واصفاً تلك الأوقات التي كانت عمته تطعمه فيها خلسة خلال فترة صومه لأول مرة في سن العاشرة خلال شهر رمضان دون علم الجدة. المرخي الأب بدا وكأنه ينتهج نهج العمة إلى حد ما مع ابناءه الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 18 عاما،ً فيقوم هو بتهريب الطعام لهم بنفسه رغم اعتراض زوجته التي ترى بأن ذلك يفسد التزام الابناء بفرض الصوم. ويرى المرخي إن التدريج في الصيام كصيام نصف يوم مبدئياً والسماح بشرب الماء هو السبيل الأمثل للتعود ومن ثم التمكن من اتمام الصيام كاملاً عند الاطفال.

استوقفنا علي غيبي (43 سنة) الذي بدأ بالصيام في حدود 6 – 7 سنوات كصيام مبدأي والذي لم تفزعه فكرة الصيام بل كانت مقبولة تماماً من قبله أسوة بأفراد المنزل الصائمين كأبويه اللذان كانا يقومان بصيام 3 أشهر متواصلة (رجب وشعبان ورمضان) لدرجة أن والده كان يعد الأيام وصولاً لشهر رجب إيذاناً ببدء الصيام. أن تترعرع في مثل هذه البيئة – حسب قول علي - شجعته على الالتزام المبكر بالصيام في سن الــ 9 سنوات ومما زاد التزامه بالصيام هو مجاراة أترابه وأصدقاءه من أبناء الجيران الذين وضعوا تحدي بينهم على الصيام الأمر اللي شجعه كثيراً على اتمام صيامه في السنة الأولى. ومن القصص الطريفة التي استحضرتها ذاكرة غيبي هي طلب الأصدقاء باخراج اللسان للتأكد من صدق صيامه بقولهم: « طلع لسانك، إذا لونه أبيض صيامك تمام وإذا لونه أحمر انته فاطر». ذكريات غيبي تترجل عند عتبات مطبخ منزلهم، فيحكي لنا أنه في أحد أيام شهر رمضان استيقظ من قيلولته إثر سماعه صوت الأذان ففتح الثلاجة و تناول منها الكسترد البارد اللذيذ، حتى دخل عليه والده و عنفه بالضرب و السبب أن الأذان الذي سمعه ما كان إلا صوت أذان الظهر . يفكر علي الأب بتدريب ابنه حسين (6 سنوات) على الصيام ابتداءً من السنة في أيام الاجازات خلال شهر الله كما ويشدد على ضرورة أن تراعي المدارس الخاصة المختلطة بالمسلمين وغير المسلمين حرمة شهر رمضان كعدم بيع المأكولات والمواد الغذائية احتراماً للطلبة المسلمين ممن يخوضون تجربة الصيام لأول مرة.

نورة عبدالله معتوق (37 عاماً) بدأت بالصيام في السابعة من العمر ولم تفزعها فكرة الصيام حينها بل سرعان ما التزمت بالصيام الكامل رغبةً منها. نورة الأم لابناء تتراوح أعمارهم بين 8 – 16 سنوات، قد بدأوا بصيام شهر رمضان الكريم حيث قامت بتهيئتهم للخوض في تجربة الصيام مثلما فعلت معها أمها سابقاً حيث كانت تسمح لها بالنوم حتى الظهيرة كي لا تشعر بالتعب والجوع، وما يتبقى بعدها من سويعات قليلة لحين موعد الإفطار لا تشعر فيها بالملل وطول الوقت، وهذا تماماً ما تفعله مع أطفالها الآن.

الفضول وحب السمر مع الكبار دفعا نعيمة المهنا (47 عاماً) للصيام مبكراً في سن الثامنة حيث تعتبر إن « القعدة مع الكبار» شجعتها كثيراً لتقليدهم في الصيام لتحظى بعدها بالاستمتاع بأحاديثهم الليلية بعد الإفطار. نعيمة التي بدأت تشارك في أعمال المنزل كالطهو والتنظيف منذ نعومة أظافرها تحكي قصتها الطريفة عندما كانت تلعق «تلحس» أصابعها ببراءة أثناء الإعداد لوجبة فطور رمضان كما و بدافع العطش أيضاً تمضمضت بـــ» سفن آب» لتروي شفتاها المتشققتان ظمئاً، وحين تم نهرها عن فعلتها هذه أجابتهم: « ما شربته بس تمضمضت به! «. براءة نعيمة البنت أصبحت هاجسأ لاحق نعيمة الأم التي كانت تراقب ابنائها خوفاً من نقضهم صيامهم كما كانوا يفعلون هم أنفسهم قبلاً. تذكر المهنا طريقتها التي تبنتها لتهيئة ابناءها (26، 24 و 18 عاماً) على الصيام التام حيث قامت بعمل لوحة مقسمة توضح الفروض اليومية في شهر رمضان من صلاة وصيام وقراءة قرآن وتحتسب النقاط بوضع نجوم لاصقة على أن تقوم في نهاية الشهر بمكآفأتهم بهدية. لكنها الآن لا تنصح الآباء والأمهات الجدد باتباع هذه الطريقة لأن – وحسب قولها- تجعل الابناء في انتظار المكافأة عوضاً عن الاخلاص في العمل لأجل العمل نفسه.

نعيمة المهنا رائدة العمل التطوعي ورئيسة لجنة فتيات النعيم بمركز شباب النعيم توجه بدورها رسالة للبنات لمساعدة أمهاتهم في أعمال المطبخ أثناء أيام الشهر الفضيل، حيث ومن موقع نشاطها الاجتماعي تتلقى الكثير من تعليقات وشكاوى الأمهات اللاتي لا تجدن يد العون من بناتهن وتتمنى منهن إعادة النظر في ما يتعلق بالمساعدة في اتمام شؤون المنزل ما من شأنه أن يمنحهن مهارات يستفاد منها في بيت الزوجية لاحقاً.

العدد 5013 - السبت 28 مايو 2016م الموافق 21 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً