العدد 5033 - الجمعة 17 يونيو 2016م الموافق 12 رمضان 1437هـ

معجم المهن الشعبية: مهنة دق الحَبِّ وتحضير حَبِّ الهريس

دق الحب في الأربعينيات (الحويحي 2008، ص141)
دق الحب في الأربعينيات (الحويحي 2008، ص141)

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

هناك العديد من المهن الشعبية التي ارتبطت بأهازيج معينة، أو ما تعرف باسم أغاني العمل، وغالبية هذه المهن انتهت، أي لم يعد أحد يمارسها، وحتى الأهازيج المرتبطة بها، لم يبقَ منها إلا القليل في الذاكرة الشعبية. إلا أن بعضاً من هذه المهن، استمرت الأغاني المرتبطة بها وتحولت إلى فنون شعبية مازال البعض يمارسها، ومن هذه المهن مهنة دق الحَبِّ وتحضير حَبِّ الهريس. يذكر، أن هناك نوعين من أنواع دق الحَب، وفي كل نوع يغلب استخدام طريقة معينة من طرق الدق، فهناك دق ثمار مجففة لتحضير البذور، وهنالك دق حَب القمح لتحضير حَب الهريس، وكلا النوعين تحولا لاحقاً لضرب من الفنون الشعبية، ويمكننا تفصيل ذلك كما يأتي:

دق الثمار المجففة

تستخدم عملية الدق لبعض المحاصيل، وهي تنقسم إلى قسمين أيضاً، فمنها ما ارتبط بتحضير البذور من بعض أنواع المحاصيل الزراعية، كالرويد (الفجل) والبقل (الكراث) والقت؛ وذلك ليتم استخراج البذور منها، فيتم تجفيف الثمار، والتي تعرف حينها باسم الگرون لأنها تكون على شكل قرن. ويستخدم في عملية الدق، الگدف (القدف)، وهو الجزء السفلي من السعفة الذي توضع عليه الأشواك، وتوجد في نهايته الكرب. والبعض يُسمي الگدف الذي يستخدم في الدق (الضبر)، وهو عبارة عن گدف أخضر أو ليس يابساً تماماً، وله في النهاية كربة منبسطة. ومهنة الضرب هذه شاقة جداً حيث تجفف النباتات، ثم يتم نشرها على الأرض، وبعد ذلك يجتمع عليها عددٌ من الرجال، وتبدأ عملية الدق أو الضرب. وعادة ما تبدأ العملية عند قرابة منتصف النهار، وتستمر لعدة ساعات، ومن ثم تفصل البذور عن بقايا النباتات.

أما النوع الثاني، فيعرف باسم «الحصاد»؛ حيث تستخدم عملية الضرب بالگدف، عند حصاد الشعير، والذي كان يزرع قديماً في البحرين في عددٍ من المناطق، وخصوصاً في وادي الحنينية. وفي يوم الحصاد يجمع المحصول ويكوم بطريقة هرمية ويلتف حوله مجموعة من الرجال ويبدأون بالضرب بطريقة موحدة. وقد تحولت هذه العملية لنوع من الفنون الشعبية، فعادة ما يصاحب عملية الضرب، موسيقى وحركات إيقاعية معينة، كالالتفاف حول كومة المحصول والتصفيق (المالكي 1999، ص 62).

وبعد زوال مهنة حصاد الشعير، بقيت الأغاني والرقصات التي ارتبطت بحصاد الشعير، وتحولت لفن شعبي خاص.

دق حَب الهريس

الهريس، من الأطباق الرمضانية الخليجية المشهورة، والذي يحضر من حَب القمح، ويعرف حينها باسم حَب الهريس. في الوقت الراهن يتم شراء حَب الهريس جاهزاً، ولكن في الماضي يتم تحضير حب الهريس يدوياً قبل شهر رمضان حيث يتم دق حب القمح في مناحيز. والمنحاز، ويسمى أيضاًمهراس، هو نوع من أنواع الهاون الذي يصنع من الخشب. وقد كان يصنع في السابق من جذع النخلة؛ حيث تؤخذ إحدى قطع الجذع، ويحفر في أعلاها حتى تتكون حفرة يضرب فيها حَب الهريس، وذلك بواسطة عمود مصنوع من خشب شجر التوف أو الرمان أو الخوخ ويسمى يد المنحاز، وعادة ما يوضع في رأس هذا العمود قطعة من حديد تسمى (البرقع)، حتى يكون التأثير أكبر.

هذا، وقد تخصص البعض في مهنة دق حَب الهريس بالمنحاز حتى أصبحت مهنته، وأحياناً قد يكون هناك تعاون بين الجيران في دق حَب الهريس، أما في البيوت المقتدرة فعادة ما يتم استئجار فرقة كاملة لدق كميات الحب التي سيستخدمها طوال شهر رمضان. وتتكون الفرقة من عدد من الرجال، أو النساء، بمناحيزهم.

وتبدأ عملية الدق بغسل حبوب القمح، ومن ثم توضح في المنحاز، ثم تبدأ عملية الدق. وعادة ما يقف أمام كل منحاز شخصان متقابلان، وفي يد كل منهما يد المنحاز ويضربان بها الحَب الموجود بالمنحاز. وعند الانتهاء من دق الحَب ينشر على أوان كبيرة لتعريضه للهواء حتى يجف، وبعدها تتم عملية فرز ما تم دقه، وهي على ثلاثة أشكال؛ فتستخرج منه النخالة (أي الشوار) الذي يستخدم كعلف للماشية، وكذلك تخرج منه كسر صغيرة يحضر منها طبق الجريش، أما ما يتبقى بعد ذلك فهو الحَب الصالح لتحضير الهريس، والذي يعرف باسم حَب الهريس. وعادة ما يصاحب عملية دق الحَب إنشاد الأغاني التي تسبقها مواويل معينة، ومن المواويل التي اشتهرت في البحرين أثناء عملية دق الحَب (العريفي، بدون تاريخ, ص129):

إجمال صبري على دار الحبيب أبراك

ومن المدامع عيوني ترسن أبراك

يا ريش العين عيني بالدجى تبراك

والله لعصي جميع الناس وأطيعك

وأحارب الكون وكوني من اصابيعك

الناس ما هي سوى وانظر لصابيعك

وإن ردتني لك ولف يا حلة الابراك

وهناك نوعان من أنواع أغاني دق الحَب، فمنها الرجالي ومنها النسائي. وبعد أن انتهت مهنة دق الحَب تحولت أهازيج ومواويل هذه المهنة إلى ضرب من الفنون الشعبية عرف باسم رقصة دق حَب الهريس، ومنها النسائي والرجالي (المالكي 1999، ص 62 - 64).

الخلاصة، إن عملية دق الحَب، سواء لتحضير البذور أو للحصاد أو لتحضير حبوب الهريس، جميعها انتهت، ولم يتبقَ منها إلا بعض الأنماط من الفنون الشعبية التي ارتبطت بها، والتي تحولت لفنون شعبية قائمة بذاتها.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً