العدد 5033 - الجمعة 17 يونيو 2016م الموافق 12 رمضان 1437هـ

«تعلُّم قيادة السيارة»: أهمية اكتشاف الآخر والانفتاح عليه

لقطة من الفيلم
لقطة من الفيلم

ما كتبه جون باترسون، من صحيفة «الغارديان» يوم الجمعة 3 يونيو/ حزيران 2016، عن الفيلم الدرامي «تعلُّم قيادة السيارة» من بطولة كل من: باتريسيا كلاركسون، في دور ويندي شايلدس، بين كنغسلي، في دور دروان سينغ تور، غريس غومر، في دور تاشا، جيك ويبر، في دور تيد، ساريتا شودوري، في دور جاسلين، جون هودغمان، في دور كار سالسمان، سامانثا بي، في دور ديبي، مات سالنغر، في دور بيتر، دانييلا لافيندر، في دور ماتا، مايكل مانتل، في دور والد ويندي، أفي ناش، في دور بريت، براين بورتون، في دور طالب سياقة، ونورا هومل، في دور ممتحنة سياقة.

يأخذ بنا نحو موضوعات متعدِّدة: علاقة ويندي (الناقدة الأدبية) بابنتها، المعاناة من العنصرية التي يمر بها «دوران» الذي يؤدّي دوره كنغسلي، بسبب العمامة التي يضعها على رأسه كونه ينتمي على طائفة السيخ في الهند، واعتقاد بعض الأميركيين بأنه عربي. هنالك مجموعة من الأفكار التي يثيرها ويومئ إليها الفيلم، لكن الخط الكبير في مجموعة القيم التي يريد تمريرها ترتكز على العلاقات الإنسانية التي تثمر عن تحمُّل كل طرف لمشكلة ومأساة الآخر. بمعنى آخر هناك تعميق لأهمية الدخول في علاقة مع الثقافات والانفتاح على الآخر، ولن يحدث ذلك إلا عن طريق الحوارات الثرية التي تحمل دلالات ذات أثر ومغزى، وهو ما يكتنز به الفيلم. يكتنز الفيلم أيضاً بما يشبه قِطَع الأحجية التي تحتاج إلى جمعها كي تصل إلى الشكل والمعنى المراد إيصاله.

في الاشتغال على القيم

اشتغال الفيلم ضمن خطَّه العريض على التصاق بالقيم التي تضيف إلى الإنسان. معنى أن تكون الصداقة ذات بعد محوري ومهم في حياة أي منا. ذلك المدى الكبير الذي يتيحه الحوار مع ثقافات وأفكار مختلفة، وما يحدثه من نقلات محصلتها الاحترام، مخاطبة العقل، وترك أثر في القلب.

الفيلم الذي تم إنتاجه العام 2014، وأخرجته الإسبانية إيزابيل كويست، ومن تأليف سارة كيرنوشان، انطلاقاً من حكاية مُقتبسة من مجلة «النيويوركر»، في مقالة لكاثا بوليت، له مسحته الكوميدية، ويتناول قصة محرِّرة كتب ناجحة تبدأ في أخذ دورس في تعلم قيادة السيارة، وتتعرف بالشخصية الرئيسة المقابلة في الفيلم «دروان» (بين كنغسلي)، معلم السياقة ذي الأصل الهندي من طائفة الشيخ، بعد أن يتم طلاقها من زوجها تيد (جيك ويبر)، بسبب اكتشاف خيانة؛ ما يتاح لها أن تكون متحررة وتبدأ بعلاقة مع معلم السياقة على رغم اختلاف أفكارهما.

بالعودة إلى موضوع العنصرية التي يتعرض لها «دوران»، هنالك ما يلحقها، - بالضغط الذي يتعرض له من قبل الشرطة - على ابن أخته. الفكرة الجامعة في الفيلم تتحدد في ربط تعلُّم قيادة السيارة، بمرحلة أخرى ومختلفة من الحياة، تتم معالجتها ببراعة ملحوظة ومقنعة. المراحل التي يتم فيها تعلُّم قيادة السيارة من ربط الحزام وصولاً إلى توقع المفاجآت، والاسترخاء والهدوء، والذي تتمكن منه ويندي، وليس انتهاء بطلب «دوران» من ويندي الخروج معه، حيث جوبه بالرفض، ليمضي الاثنان في حياتهما، هي إلى حياتها الجديدة بعيداً عن زوجها، وهو إلى حياته الجديدة مع زوجته.

ثمة تداخل في الحكاية وتناولها، ولعل الغموض الذي اكتنف بعض مشاهد الفيلم هو ما أضفى تلك الجمالية، فيما يشبه تدخل القدر أو المصادفة. رسالة أخرى يشير إليها من بعيد، وهي أن جزءاً كبيراً من حياتنا سيكون مُضجراً لولا تلك النكهات التي تضفيها المصادفات على حياتنا. وبحكم أن المصادفة نفسها تسهم إسهاماً كبيراً في التأثير على الخط الدرامي لأي فيلم أو قصة.

يكتب جون باترسون في «الغارديان» البريطانية (ثمة هوامش وتعليقات سبقت كتابته وفي ثناياها أيضاً)، مبتدءاً بتعريف كلاركسون، باعتبارها ناقدة أدبية من نيويورك، وتلعب دور ويندي شيلدز، التي هجرها زوجها (جيك ويبر) بعد زواج استمر 21 عاماً. ذلك الهجر سينتج عنه فجأة فراغ كبير في حياتها.

الثقافات... الحوار مع الآخر

ابنتها (غريس غومر) تعيش بعيداً في فيرمونت، ولكي تتمكن من زيارتها تحتاج ويندي إلى رخصة قيادة؛ ما يدفعها إلى أن تستدعي مدرب السياقة دروان سنغ تور، والذي يؤدي دوره (كنغسلي)، بعمامته البنجابية السيخية، وكلامه القليل، إضافة إلى أنه أحد طالبي اللجوء. في ذلك الوقت، كان في مناوبته الليلية كسائق سيارة أجرة، يُقلِّها في الوقت المناسب بعد أن تخلَّى عنها زوجها. تجسِّد كلاركسون بخبرة ومعاناة دور «ويندي»، وما مرَّت به من لحظات مرِّوعة، من التخلي عنها، وبروز الفقدان؛ علاوة على الوحدة التي تمر بها. هنالك وقوف على المزاجية والتشاؤم عموماً.

باستعانة ويندي بدروان لتعلُّم قيادة السيارة، تتيح لها مثل تلك الدروس اليومية يوماً بعد آخر اكتشاف أمور كثيرة، أولها أهمية الصداقة وسط عالم اضطرها إلى أن تتحول إلى عقل يفكِّر ويتحدَّث من أجل ملء ساعات البث الإذاعي اليومي حيث تعمل، وأهمية أن تكتشف الآخر، حيث التماس مع الثقافات والحضارات والانفتاح على الآخر عبر حوارات ثرية بالمضامين، عميقة بالدلالات والقيم الكبرى.

عندما تحاول إغواء زوجها السابق في اللحظة التي يحاول فيها جمع أشيائه وأغراضه، في محاولة منها لأخذ السيارة منه، تمنحنا كلاركسون كل ما تمكَّن منه اليأس لدى ويندي إلى جانب كراهية الذوات، وكل ما يرتبط بها من ظلال. وعلينا أن نعرف أن كلاركسون تظل دائماً خارقة في أدائها.

يظل كنغسلي سراً ونحن نشهد أداءه، والمُتَع الرئيسية في الفيلم لها علاقة بالكيفية التي تحجب بها كاتبة السيناريو كيرنوشان، وضمن خطة مدروسة المعلومات المتعلقة به، لتقوم بتأنٍ وصبر بكشف مزيد من طبقات التعقيد في شخصيته، كما تقوم بزج أستاذ جامعي سابق في الستين من عمره، وهو منشق منفي. عودة أخته إلى الهند مرة أخرى في محاولة منها لترتيب اقترانه بعروس تم الاتفاق معها في الوقت نفسه. جاسلين (ساريتا تشودري)، الخائفة من مغادرة شقتهما ومواجهة المكان الجديد في أميركا. هو وويندي يتقرَّبان لبعضهما بعضاً، في محاولة منها لإبراز وميض ضوء مفاجئ يظل مبعثه القسوة في أن يكون الإنسان عازباً وهو على أعتاب الخمسينات من عمره، بينما يحاول هو ترتيب زواج من الصفر في دار للعجزة.

في الفيلم حضور للكبار، إلى جانب طاقم التمثيل بالأدوار الرئيسة والثانوية، على سبيل المثال، هناك مدير التصوير مانويل رويز، والموسيقاران داني هاريسون وبول هيكيس.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً