العدد 5041 - السبت 25 يونيو 2016م الموافق 20 رمضان 1437هـ

مدرسة التطرف والتكفيريون الأوائل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شهد العام الـ37 للهجرة، أول معركةٍ في التاريخ شاركت فيها أول حركة عسكرية تكفيرية ظهرت في تاريخ المسلمين.

في فترة وجود الرسول (ص)، كان الصراع بين مسلمين ومشركين، أما بعد رحيله وتحوّل القسم الأكبر من العرب للإسلام، أصبح أغلب الصراع بين المسلمين، حيث بدأت النوازع الأولية للتكفير بالظهور، فهناك من كان يدعو لقتل شخصٍ مسلمٍ آخر بدعوى أنه «كفر». كانت مواقف فردية أفرزتها الصراعات القبلية والحزبية والمالية، لكنها بعد ثلاثة عقود، تحوّلت إلى تيار فكري وقوة سياسية كبيرة، تنحو نحو فرض رأيها بالعنف والقتال. وكانت أول معركة يدخلونها ضد الإمام علي بن أبي طالب (ع) في العام الثالث من خلافته، وكانت أحد عوامل تقويض سلطته وإضعاف حركة الإسلام عموماً.

انشق الخوارج على حكم الإمام لشبهاتٍ، ونتيجةً للمراهقة الفكرية والمزايدات السياسية، فقد ضغطوا عليه أولاً لقبول التحكيم، ولما انكشف عن خديعةٍ كبرى كما حذّرهم، عادوا ليكفّروه لأنه قبِل التحكيم! وطالبوه بأن يشهد على نفسه بالكفر ويعلن عودته للإسلام! وردّ عليهم: «أبعد إيماني بالله، وجهادي مع رسول الله، أشهد على نفسي بالكفر؟ لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين».

كانوا جماعةً منغلقة التفكير، ضيقة الأفق، تمثل تياراً مندفعاً، ميالاً للعنف والقتل. جماعةٌ لم تتشرب قيم الإسلام وسماحته، ولا تدرك أهدافه ومراميه، فانطبعت بطابع الجفاء والغلظة والمعاملة الفظة. يقرأون القرآن فلا يتجاوز تراقيهم، فكانوا يكفّرون عامة المسلمين، ويقتلون في طريقهم حتى الأطفال والنساء، ويستحلون الغدر بمن خالفهم. وكانت شرارة الحرب قتلهم الصحابي عبدالله بن خباب بن الأرت وزوجته الحامل وبقر بطنها، وثلاث نساء من قبيلة طيء.

قبل المعركة، أرسل لهم الإمام عليٌّ ابن عمه عبدالله بن عباس (رض) ليحاورهم بالسنّة وليس بالقرآن، «لأنه حمّال أوجه»، ولمعرفته بلجاجهم وجدالهم الذي لا ينتهي. وحين انتهى من محاورتهم عاد بعضهم إلى الكوفة وبقي الآخرون خارجها، في معسكرهم بالنخيلة. وحين اقترب وقت الصدام المسلح، بشر الإمام أصحابه بقوله: «لن يُقتل منكم عشرةٌ ولن يفلت منهم عشرة».

الثابت تاريخياً، أن الإمام نصح أتباعه بعدم محاربة الخوارج من بعده، فمن ناحيةٍ ستمرّ على مدرسته مرحلةٌ عصيبةٌ، سيكونون خلالها بعيدين عن القرار، ويتعرضّون لاضطهادٍ شديدٍ على يد الأمويين. ومن ناحية ثانية، سيلعب الخوارج كقوةٍ منظمة، دوراً في محاربة الحكم الأموي وإضعافه، وهي مسألةٌ مهمةٌ لما يمثله الأمويون من ثورةٍ مضادةٍ، ومدرسةٍ مناهضة لقيم الإسلام الصحيح، تستبيح كل الحقوق، وتستخف بالقيم والأعراض، وتستولي بنهمٍ شديدٍ على الأموال.

هذه المدرسة التي انبثقت من العقود الأولى للإسلام، لم تندثر بهزيمتها عسكرياً في النهروان، حيث ظلّت بقاياهم كامنةً كخلايا نائمة، ومن بينهم خرج قاتله عبدالرحمن بن ملجم، الذي كان عاشقاً لفتاةٍ منهم، قتل أبوها وأخوها في حرب النهروان، واشترطت عليه مهراً:

ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً... وقتل عليٍّ بالحسام المسمَّمِ.

ظلت هذه المدرسة الفكرية المتطرفة خطرةً على المجتمع الإسلامي، تمارس القتل وعمليات الإرهاب، ويتميّز أتباعها بالاستخفاف بأرواحهم، وكانوا أكثر استخفافاً بأرواح غيرهم من المسلمين، تسوقهم أيديولوجيةٌ منغلقةٌ، على طريقة فرعون: «ما أريكم إلا ما أرى»، ولديهم قناعةٌ عمياء بأنهم وحدهم المؤمنون، ومن سواهم كفّار ومشركون ومصيرهم حتماً إلى النار.

حين أوقع الإمام بهم في النهروان (تقع 35 كم جنوب شرقي بغداد)، صاح أصحابه فرحين: لقد هلك القوم جميعاً، لكن الرجل البصير بالدنيا، قال وهو يتطلّع بعيداً إلى المستقبل، يستشف ما ستأتي به الغيوب: «كلا والله، إنهم نطفٌ في أصلاب الرجال، وقرارات (أرحام) النساء. كلما نجَمَ منهم قرنٌ قُطع، حتى يكون آخرهم لصوصاً سلابين». وهو ما حدث تماماً خلال القرنين اللاحقين، حيث كانوا يتقاتلون على القدح والسوط، والعلف والحشيش.

هذه المدرسة التكفيرية المتطرفة لم تمت أو تنتهِ، وظلّت تطلّ برأسها بين كل بضعةٍ قرون.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5041 - السبت 25 يونيو 2016م الموافق 20 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 34 | 7:58 ص

      مقال رائع ، كشف بعض من الحقائق عن مدرسة التشدد والتكفير التي تجتاح العالم الإسلامي الآن ، وما لها من ارتباط تاريخي بحركة الخوارج في القرن الأول الهجري.

    • زائر 28 | 4:11 ص

      لا توجد مدرسة واحدة للتطرف والتكفير الكل مشترك
      فمَن مِن الطوائف و الملل و الأديان لم تكفر مخالفاً؟ و إن كان لا بد من التكفير فليكن سلمياً أولاً ، و ليكن بوضوح و هدوء و بيان أسباب التكفير ، و أسباب انتفاء التكفير. اليوم نكفر ، و نستبيح الدماء ، و لا نجرؤ على المصارحة و البيان. وشر التكفير هو تكفير العلماء للعوام دون بيان سبب التكفير!

    • زائر 27 | 3:50 ص

      من اروع المقالات !
      شكرا استاذ قاسم ..
      بالنسبة لي كان مقال تثقيفي لاحداث تاريخية لم اكن اعرف عنها قط ..
      تسلم و يسلم قلمك

    • زائر 23 | 2:55 ص

      نعم الجواب الصريح لا يوجد تكفير ولا استباح دم وعرض

    • زائر 22 | 2:32 ص

      مقال ..

    • زائر 20 | 2:10 ص

      اول معركه هي بعد وفاة الرسول (ص)

    • زائر 12 | 12:57 ص

      7

      قصدك الراقصتين وصال وصفا !

    • زائر 11 | 12:42 ص

      ولكن لنكن منصفين إخواني لقد أتهم الشيعة بأنهم مغالين في حب علي ولكنهم لم يذبحو مخالفيهم لمجرد الاختلاف معهم حيث من يفتي بكفر الشيعة يأمر بسفك دمائهم بحجة سب الصحابة ولو رجعو الصحابة للدنيا لمنعو من يقتل بإسمهم ان يتوقف عن فعله فمن الان المغالي من يحب رسول الله وآل بيته ولايقتل من يختلف معه في حبهم أو من يحب الصحابة ويقتل من يشهد الشهادة ويقرء القرءان ويحج بيت الله بحجة سب الصحابة أرجو من جميع المذاهي بدون أستثناء أن يجعلوا الخلق للخالق ولايتفرقوا لمجرد الاختلاف في الرأي والله يعفو عن الجميع

    • زائر 19 زائر 11 | 1:45 ص

      (بحجة سب .......يعني ياحلو مافي سب......، ثم لوكان هناك سب لايجوز ان يكون هناك ردة فعل من الطرف الاخر

    • زائر 10 | 12:38 ص

      نعم هناك تكفريون جهلة من جميع الاطراف لكن فرق شاسع بين من يثرثر في قناة فضائية و يسب و يكفر و بين من يفجر نفسة في المساجد و الاسواق فالاول منظر فاسد و الآخر قاتل

    • زائر 9 | 12:33 ص

      روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عقاب بن ثعلبة قال : حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة ........... قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علي بن أبي طالب بقتال الناكثين ، والقاسطين والمارقين .

      وفي رواية عن الإصبع بن نباتة عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول لعلي بن أبي طالب : تقاتل الناكثين والقاسطين بالطرقات والنهروانات ، وبالسعفات ، قال أبو أيوب : قلت يا رسول الله : مع من نقاتل هؤلاء الأقوام ، قال : مع علي بن أبي طالب

    • زائر 6 | 10:39 م

      نريد رد صريح ماذا تقول في من لا يومن بالولايه والامامه الاثنا عشريه

    • زائر 14 زائر 6 | 1:09 ص

      أنا قارئ و لست كاتب المقال ؛ اخبرك بعقلي المتفتح : لا يهم ماذا تعتقد. الإيمان بينك و بين الخالق. لا توجد عقيدة تحكم بذهاب المخالف الي جنة المدعي و احتلال مكانه هناك او دخول المدعي مكان المخالف في النار. كل من يريد انضمام شخص لعقيدته لا يهدف الا في تحجيم عقل ذلك الشخص و إيقاف تفكيره. إعتقد كما تشاء. لكن ترفع الي ما اراده الخالق و كن آدميا. الوصول الي المرتبة العليا في الآدمية اصعب من الإيمان بأية عقيدة.

    • زائر 25 زائر 6 | 3:45 ص

      درست في حوزة علميه والله يشهد على ما اقول

      توفقت للدراسة 4 سنوات ولم اسمع يوما من كفر الآخرين او استنقص من مذهبهم او سب رموزهم واتذكر جيدا سورة النور وتفسير آيه الافك ولكن تفكر ماهي حيلة من يريد ان يفرق بين المسلمين ويدعوهم للتقاتل ليس له من وسيلة شيطانيه افضل من نبش قضايا خلافيه او تشويه مذهب بتكفيرهم ووصفهم بعباد القبور وغيرها

    • زائر 5 | 10:38 م

      صح لسانك ابو هاشم احسنت

    • زائر 4 | 10:19 م

      لا احد يعمل مذهبه او طائفته ملاك احنا صح عندنا تكفيريين وعندكم تكفيريين واليوتيوب اكبر شاهد

    • زائر 24 زائر 4 | 3:41 ص

      طيب عطنا اسماء

      من مذهب قام بعمليه انتحاريه او قتل اهله او سافر لدول ثانيه علشان القتل والافساد !!!؟

    • زائر 26 زائر 4 | 3:47 ص

      الشيعة كانت في موقع المسؤولية والشجاعة

      وتبرأت ممن يثير النعرات ويشتم الصحابة ولكن من يريد ان يصطاد في الماء العكر يستمع لمجنون واحد ويترك عشرات العقلاء

    • زائر 1 | 10:00 م

      التكفيريين والمتعصبين والمتشددين تجدهم في كل دين ومذهب

    • زائر 8 زائر 1 | 12:32 ص

      بلا اهرار ، ما سمعنا ان اي فريق من الشيعة يكفر المسلمين

اقرأ ايضاً