العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

أندرو كاكابادزه في كتابه«السياسة في الإدارة»

محور الكتاب هو الناس كعنصر في العمل. وهو عن التفاعلات المتبادلة التي تقوم ما بينهم وهو يعملون، والعلاقات التي يطورونها مع بعضهم البعض أثناء قيامهم بعملهم. والتعقيدات التي تنشأ أثناء تسيير وتوجيه ما يبدو في ظاهره على أنه علاقات عمل مباشرة وصريحة. وهذه التفاعلات وعلاقاتها وتعقيداتها هي ما يقصده المؤلف بـ«السياسة في الإدارة». ولقد كان المؤلف موفقاً في بيان الفكرة التي يقدمها والتي لخصها في العبارة التالية:

«إن سياسة الإدارة ذات أهمية حيوية لكل من الفرد وتطوره وللمنظمة ونموها ورخائها. وإني أشير إلى أن إنجاز عمل جيد فحسب لا يكفي في تنظيمات العمل في الزمن الحاضر، وإذا كنت طموحاً في الترقي، وزيادة المركز، والتحكيم في عملك و/ أو في دخل أكبر، أو من الناحية الأخرى، إذا كنت مقتصراً فيما ترغب فيه على أن تترك وحدك لتأدية عملك بطريقتك الهادئة، عندئذ تكون المعرفة بالكيفية التي تتطور فيها السياسة وكيف تتعامل معها ذات اعتبار رئيسي. وإني أشعر بأنه من غير المحتمل أن تترقى/ أو حتى تترك وشأنك إلا إذا عرفت كيف تصبح مندمجاً بفعالية بالآخرين»(36).

ومدار البحوث هو حول أوجه التمكن من التوفيق ما بين العوامل التالية:

الفرد وتحفيزه، والمجموعة التي يعمل ويتعامل معها، وقواعد السلوك لديها بما تشمله من اتجاهات مشتركة ما بين الناس، والوضعية العامة التي يجد الفرد نفسه فيها، والمقبول وغير المقبول من الطرائق التي بها يتعامل الناس مع بعضهم البعض. أما الغاية من الكتاب فهي تحقيق مثل هذا التوفيق.

ويتكون الكتاب من ثلاثة أقسام مسبوقة بفصل تمهيدي بعنوان «لماذا السياسة في الإدارة». ولقد جاء القسم الأول تحت عنوان «دوافع الفرد» يركز على الأسباب التي تجعل الناس يتصرفون بالطريقة التي يتبعونها، وهو يشتمل على تحليل لدوافع الفرد، ويقدم نموذجاً للسلوك البشري والتحفيز بدرس أربعة أنماط من السياسيين التنظيميين(37). كذلك يتم بحث أنماط الفعل والتفاعل الذي يتبناه كل نمط من الأنماط الأربعة بقصد أن يدرك القارئ أن محاولة تحفيز الناس هي في جوهرها عمل سياسي شأنها في ذلك شأن محاولة التلاعب بهم. وكل ذلك يعتمد على الكيفية التي تدار بها تفاعلات معينة، وعلى أسباب العمل بها في المقام الأول، وماهية وجهات النظر والمشاعر التي تحملها الفئات المتقبلة لدى تجربتهم أو معاناتهم لتلك التفاعلات. أما القسم الثاني وعنوانه «الضغوط التنظيمية فقد قام فيه المؤلف بفحص القوى والضغوط التي شكلت المنظمات عندهم في الغرب، ومن ذلك يتبين أن هناك أنواعاً من السياسيين التنظيميين هم أفضل ملاءمة للوضعية، ومن ثم تزداد الحاجة إلى خدماتهم. ويثير المؤلف السؤال عما إذا كانت هذه الحال ستظل مستمرة، ويوضح بأن التغيرات باتت تتم سريعاً في صورة تقدم تكنولوجي ومطالب للسوق واستهلاك للطاقة، مما يدفعه إلى إثارة سؤال آخر يتعلق بالكيفية التي ستكون عليها منظمات الغرب في المستقبل وهل ستكون مشابهة لما هي عليه اليوم أم مختلفة عنها، وهل سيعني ذلك قيام الحاجة إلى نوع مختلف من السياسيين التنظيميين لقيادة منظماتهم نحو المستقبل»؟

وأما القسم الثالث وعنوانه نفس عنوان الكتاب فيقدم فيه المؤلف استراتيجيات عمل وافتراضاً واحداً مفاده أن تنظيماتهم في الغرب تواجه حالياً وستواجه مستقبلاً تغييرات سريعة. لذلك، ومن أجل النجاح في التعامل مع المستقبل، وبقصد تغيير الحالة القائمة، يستعرض الكتاب عدداً من الاستراتيجيات السياسية من أجل التغيير، وهي استراتيجيات ترتبط بكيفية التصرف سياسياً مع الأفراد ومع المنظمات بكاملها. ويوضح المؤلف بأنه بينما يتعلق القسم الأول من الكتاب بفهم عملية السياسة، يدور القسم الثالث حول كيفية اكتساب النفوذ عبر أن يكون المرء سياسياً. ويتم النظر إلى النفوذ على أنه ليس أكثر من أن تتصرف كسياسي فعال.

وكما يبين كاكابادزه فإنك كشخص لا تحتاج إلى الرتبة أو المركز أو المال لتصبح قوياً ذا نفوذ، وما عليك إلا أن تستخدم ما لديك من مهارات التأثير الموجودة لديك وذلك بطريقة مختلفة قليلاً عما هي عليه حتى الآن، وما هو أكثر يلزم ألا ينظر إلى النفوذ في ضوء سلبي، فالنفوذ هو بخصوص انجاز الأشياء بالطريقة التي تريدها، وما تريد أنت أن يتم انجازه، وكيف تريده أن ينجز هو المهم. طبقه و(مارسه) على الوجه الصحيح ولسوف تنتفع وكذلك سينتفع من هم حولك من وجودك.

ويرى أن العمليات السياسية في المنظمات هي جزء لا يتجزأ من الحياة في المنظمات وأن هذا القول يعتمد على الفرضية التي تقرر بأن الاختلافات لا أوجه الشبه بينها، هي التي تشكل حقيقة الحياة في المنظمات، والسعي لفهم السياسة في المنظمات يفضل أن يكون من منطلق تحديد نوعية الفروق الموجودة في المنظمات كاستهلال لفهم السياسة فيها. وكذلك يكون من المناسب هنا التنويه ببعض ما أورده كاكابادزه في شأن نشوء تلك الفروق ونوعيتها. ولقد جاء تناوله لها حسب التسلسل التالي: الاستراتيجية الكبرى مقابل الهوية المحلية - الرؤساء مقابل المرؤوسين - الإدارة مقابل العاملين - المهني مقابل الإداري - التخطيط مقابل التنفيذ. ولسوف يقتصر هنا على عرض بعض ما أوضحه في مجالين اثنين من المجالات التي استعرضها هما المجال المتعلق بالمديرين الرؤساء مقابل المرؤوسين والمجال المتعلق بالإدارة مقابل العاملين لإعطاء القارئ فكرة عن بعض ملاحظات كاكابادزه في ذلك الخصوص.

أولاً: المديرون مقابل المرؤوسين

يمكن إيجاز أهم ما بينه في نقطتين هما:

-1 إن السبب في انبثاق الاختلافات ما بين الناس في هيراركية المنظمة يمكن أن يكون ذا شقين أولها عوامل ترتبط بالدور، إذ قد لا يعطي المدير سلطة كافية لإنجاز الواجبات المطلوبة منه. وثانيهما علل شخصية، إذ قد لا يكون المدير ماهراً بما يكفي لتأسيس علاقة ايجابية ومريحة مع مرؤوسيه.

-2 مع أن المديرين قد يعينون للم شمل الناس معا وتنمية فرق فعالة، فإن العلاقة بين الرئيس والمرؤوس قد تولد من الاختلافات ما يزيد على أوجه التشابه (38).

ثانياً: الإدارة مقابل العاملين

يمكن تلخيص ما أورده في خمس نقاط هي:

-1 في العلاقة ما بين الرئيس والمرؤوس يحتمل أن يشترك كلا الفريقين في نفس الشعور بالهوية الذاتية المرتبطة بالمنظمة، وأن يسعيا لنفس المكافآت من ترقية ومركز وتقدير لفضل أو خدمة. ويحتمل أن تنبعث الفروق عن الكره أو الازدراء. وعلى النقيض من ذلك قد يرجع النزاع ما بين الإدارة والعاملين إلى اختلافات أساسية فيما تعتقده كل من الفئتين حول كيفية التصرف أثناء العمل وخارجه.

-2 إن من المهم للمدير لكي يكون بوسعه العمل بفعالية أن يشارك في حمل قواعد السلوك والقيم التي تحملها المنظمة التي توظفه، وأن يشعر بأن لديه فرصة معقولة لمكافأة مجزية على مساعيه ومجهوداته. وليس هذا هو واقع الحال بالنسبة للعاملين في قوة العمل. وبسبب طبيعة المهام التي يطالبون بأدائها فإنهم ينتجون عملاً إلى حد معقول ولا يشتركون في حمل بعض أو كل من روح المؤسسة التي توظفهم ومزاجها.

-3 إن مهام المدير تشتمل على التخطيط وتطوير الإنتاج والتسويق، وهي مهام تحتاج إلى امتداد زمني طويل المدى، أما مهام العاملين فتتطلب اكمال مهام فرعية محدودة إلى حد معقول والوصول بها إلى مستويات مطلوبة، والاتجاه الذي ينميه الفرد نحو عمله في مثل هذه الظروف هو إكمال عمل قصير الأجل.

-4 إنه في الاستعداد للمستقبل يحتاج المدير إلى اعتبار طريقة تخصيص الموارد (بما فيها الناس) ومن سيتم توظيفه للعمل من أجل تحقيق النتائج القصوى. أما العاملون في قوة العمل فيجب أن يستجيبوا لتوجيهات المدير.

-5 وبينما يبقى المدير أو يسقط حسب أدائه الخاص به، فإن العاملين في قوة العمل يسهمون في ثقافة الجماعة، جزئياً كدفاع في مواجهة الإدارة وجزئياً في محاولة لتنشيط علاقات عمل مرضية (39).

روزماري ستيوارت في كتابها «الإدارة اليوم وغداً»

يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام رئيسية أولها بعنوان «العمل الإداري: ما الذي يجعله ذات الشيء» ويتناول الموضوعات التالية: العمل الإداري وتسيير الوظيفة، والعمل في منظمة، وتسيير الناس الآخرين. والقسم الثاني بعنوان «العمل الإداري: ما الذي يجعله مختلفاً» ويبحث في الموضوعات التالية: الاختلافات في الأعمال الإدارية، والاختلافات لدى المنتفعين من المنظمة، والاختلافات ما بين البلدان والقوميات. والقسم الثالث بعنوان «العمل الإداري: ما هو المتغير» ويستعرض المضامين الإدارية للمجموعة الأوروبية، والمضامين الإدارية لتكنولوجيا المعلومات، وأوجه التغير في المنظمات، والمضامين الشخصية للتغيرات.

وتنطلق المؤلفة في مقدمة كتابها بيان النقاط التالية:

-1 إن أساسيات الإدارة تظل هي هي.

-2 إن العمل الإداري يختلف باختلاف الوظائف والمنظمات والبلدان.

-3 إن الإدارة آخذة في التغير جذرياً.

-4 إن معظم الكتب التي تتناول الإدارة قد ركزت على النقطتين الأولى والثالثة وأما النقطة الثانية فلم تلق الاهتمام الذي تستحقه.

-5 إن الإدارة هي أكثر تعقيداً مما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً، وإن أي كتاب جديد في الموضوع يلزم أن يأخذ في الاعتبار هذا التعقيد، وكذلك المهنية الأكبر قدراً التي باتت متوقعة في المديرين(40).

ولقد خصصت الفصل الأول من كتابها لبحث ماهية عمل المدير وطبيعة العمل الإداري. وهي تقرر بأنه ليس هنالك من تعريف بسيط لذلك لأن عبارة «التسيير الإداري» Managing يجري استعمالها في طرائق وأوجه كثيرة مختلفة، وتشير إلى أن تعريف الإدارة من خلال المستويات الهيراركية يخبرنا عن الأعمال (أو الأشغال) jobs التي يمكن وصفها بأنها إدارية Managerial، ولكنه لا يخبرنا عن طبيعة العمل الإداري، وهو ما يجعلنا في حاجة إلى تعريف من نوع آخر. وتذكر المؤلفة بأن تعريف المدير بأنه شخص مسئول عن أشغال آخرين يتفق مع أفكار معظم الناس عن الإدارة، غير أن الحاجة تظل قائمة إلى تعريف أوسع نطاقاً، كما تذكّر أيضاً بالتعريف الأوسع الذي مفاده أن المدير هو شخص يحقق النتائج بواسطة آخرين وأنه بناء عليه فإن التسيير الإداري يشمل إصدار التعليمات، والمراقبة (الضبط) والتأثير، والتوجيه والإقناع أو أي خليط من هذه مما يمكن له أن يعمل عمله في وضعية معينة، إلا أنها تخلص إلى أن المديرين عليهم عمل ما هو أكثر من ذلك لأن الإدارة تشتمل على قرارات حول ماذا، ومتى، وكيف.

والواقع أن هناك الكثير من الأفكار والآراء المتميزة التي تقدمت بها في سياق بحثها ودراستها لمختلف المسائل والقضايا التي عالجتها في مؤلفها. إلا أن ما يهمنا في هذه الورقة هو ما أوردته بشأن ماهية العمل الإداري وما عرضته بشأن المدير الفعال والتفكير استراتيجياً. وهذا يمكن بيانه واستعراضه فيما يلي:

أولاً - حول ماهية العمل الإداري

تلفت روزماري ستيوارت النظر إلى الوصف الذي سبق أن تقدم به هنري فايول قبل عدة عقود لمهام الإدارة من حيث كونه يشتمل على خمسة أصناف هي: التخطيط، التنظيم، التحفيز، الرقابة، والتنسيق، وتشير في معرض حديثها إلى عدد من النقاط بيانها كما يلي:

-1 إن صمود تلك الأصناف عبر العقود يظهر بأنه لم يتسير بعد أوصاف بديلة تكون مقبولة عموماً. وهي مفيدة كقائمة من الأنشطة تشكل جزءاً ضرورياً من الإدارة. فالمديرون يجب عليهم أن يقرروا ما يلزم عمله ومتى، وذاك هو التخطيط. والناس العاملون معاً يحتاجون إلى ن ينظموا وإلى أن يحفزوا، والمراقبة يلزم ممارستها لتأكيد أن ما هو مخطط يتم بالفعل. ومشكلة جعل الناس يعملون معاً لتحقيق بعض الأهداف تكمن في تنسيق أنشطتهم.

-2 إن هناك وجهين من أوجه القصور في مدى فائدة توصيف فايول لوظائف الإدارة: أولها أن هذه المهام ليست مقصورة على ما تقوم به الإدارة. فالناس دون المستوى الإداري - خصوصاً أولئك الذين تضمهم الوظائف المهنية والفنية - كثيراً ما يقومون بتلك المهام، وربما انضموا أيضا إلى آخرين في تأدية تلك المهام جماعياً. وأما ناحية القصور الثانية فهي أن تلك الأصناف الخمسة هي عامة جداً بل إنها أوصاف مجردة، والسبب في ذلك كون تلك الأصناف أكثر فائدة لمعلمي الإدارة وكتابها، كإطار لمحاضراتهم وكتبهم التدريسية، منها للمديرين الممارسين كدليل بشأن ما يلزم أن يعملوه.

-3 إن هذه الأصناف لا تنقل حقيقة لما يعنيه كونك مديراً، كما أنه لا تقدم صورة يسهل التعرف عليها بشأن كيف يصرف المديرون أوقاتهم وهم يديرون. وان ناحيتي القصور المذكورتين أعلاه تنطبقان إلى حد أقل على ما قدمه منتزبرغ من وصف للعمل الإداري من حيث كونه يتكون من عشرة أدوار في ثلاثة أصناف رئيسية هي مجموعة ما يقوم بين الشخصيات من علائق بينية lnterpersonal وما يتعلق بالمعلومات informational وما يتعلق باتخاذ القرارات (41) Decisional.

ولقد استعرضت المؤلفة مجموعة من أهم الدراسات التي تناولت العمل الإداري منذ الخمسينيات وطوال العقود التي تلتها حتى الوقت الحاضر باعتبار أن تلك الدراسات قد أدت في مسيرة تتابعها في بحث الموضوع إلى رسم صورة لما يكون عليه المدير في ممارسة الإدارة، وكيف يقضي المديرون أوقاتهم، وتوصلت من ذلك إلى الاستعراض إلى أن تلك الدراسات قد اتصفت بكونها أكثر كشفاً لما يتعلق بـ «كيف» في الإدارة منها بـ «ماذا»، وإلى أن هناك نتيجة واحدة ظلت مستمرة وهي أن يوم المدير هو مجزأ جداً، وأن أكثر المديرين هم في المعتاد يحولون اهتمامهم من موضوع إلى آخر، ومن شخص إلى شخص، منبهة بأن عبارة «في المعتاد» إنما تعني بها كل بضع دقائق عدا الاجتماعات، وأن هذا النمط من التجزؤ في كيفية العمل قد تمت ملاحظته منذ الخمسينيات وتجلى ظهوره أكثر وأكثر في الدراسات التي تمت في العقود التالية. ويتلخص أهم ما جاء في استعراضها لتلك الدراسات في النقطتين التاليتين.

الأولى: أن التخطيط والتنظيم والتحفيز والمراقبة والتنسيق تنقل صورة لعملية عقلانية ومنتظمة. إلا أن الدراسات حول المديرين وهم يعملون توحي بصورة مختلفة. فالمديرون كثيرا ما يديرون منطلقين في نشاط مستمر يعملون في دوامة من النشاط، وعليهم في كثير من الأحيان أن يعتمدوا على العادة كمرشد للاستجابات السريعة، ويجب أن يعتمدوا أيضا على الحدس lntuition، مما يشمل كونهم قد نموا وطوروا لديهم تفهماً لما عليهم أن يعملوه مما قد لا يكونون قادرين على تحليله. وكثيراً ما يحتاج المديرون إلى أن يكونوا منتهزين للفرص.

والنقطة الثانية أن الدراسات قد أظهرت أن الإدارة كثيراً ما تكون فاعلية سياسية لأن الأفراد والجماعات هم وراء مصالحهم، وأن على المديرين أن يدركوا أن تضارب المصالح هو وجه من أوجه الحياة التنظيمية، وأن الحصول على الدعم لما يحاول الواحد أن يعمله يحتاج في العادة إلى أكثر من حالة يعرضها تتميز بالتحليل الجيد، وهو ما يعرفه كل مدير ذي عقلية سياسية، إذ هي تعني السعي لاكتساب الدعم وتقديم الحالة بطريقة تجعل الفكرة المطروحة (أو الرأي المعروض) من المرجح أن تروق لدى أولئك الذين بوسعهم التأثير في النتيجة. ولقد يعني ذلك استخدام المداورة مع من بيدهم اتخاذ القرار لاستمالتهم نحو اتجاه معين، والخداع lntrigue وتخريف الحقائق Misrepresentation وجميعها طرائق سياسية (42).

ثانياً - حول المدير الفعال والتفكير استراتيجيا

يتلخص ما تورده ستيوارت في هذا الشأن في النقاط الأربع التالية:

-1 إن إدارة الوظيفة بفاعلية وكفاية هي جزء مهم من كينونة المدير مديراً فعالاً، فالمديرون الاكفياء يستخدمون الموارد اقتصاديا، بما في ذلك الوقت الخاص بهم والأوقات الخاصة بغيرهم. والمديرون الفعالون يقومون بالعمل الصحيح، والفعالية تتطلب القدرة على النظر إلى الوظيفة استراتيجياً.

-2 إن المديرين - ما عدا أولئك الذين هم الأفضل تنظيما - يحتاجون إلى أن يحدوا من حين لآخر من انغمارهم في المهام والمشكلات المباشرة لكي ينظروا نظرة يقدّرون بها ما يقومون به، إذ إن هناك ما يغري الذين لا ينزعون إلى النظرة التحليلية إلى أن يقوموا بأداء العمل وفق الطريقة التي تتأتى لهم طبيعيا دون أن يفكروا بشأنها كثيراً. إن أولئك الذين يفتخرون بكونهم مديرين عمليين هم الذين غالبا ما يفعلون ذلك. بيد أن أكثر المديرين ذوي العقلية العملية لا بد لهم من أن يقوموا ببعض الافتراضات بشأن «الإدارة الجيدة»، ومثل هذه الافتراضات هي النظريات الشخصية في الإدارة، التي يحملها المدير، وإن كانت تدعى بالفطرة السليمة. وهي من شأنها أن تساعد في التعرف على الافتراضات التي يقوم بها الفرد، والسؤال عما إذا كانت هي الصحيحة بالفعل. والإدارة الجيدة تحتاج إلى بعض التحليل، ومكان البدء هو في كيف يفكر المرء بشأن الإدارة وبشأن وظيفته الخاصة به.

-3 إن الناس في نفس الوظيفة يتباينون في «رؤيتهم» لها. وهو واحد من الأسباب التي تجعلهم يؤدونها بطرائق مختلفة. ومعظم المديرين لا يعرفون أنهم يرون وظيفتهم بطريقة مميزة، وإنه لمما يفيد أن يعرف المديرون ذلك، فهو الخطوة الأولى لتحرر المرء مما قد يكون رؤية محصورة للإدارة.

-4 إن هناك طريقين رئيسين كثيراً ما يحدد بهما المديرون الخيارات المفتوحة لهم، أولهما المبالغة في العمل الذي يجب أن يقوموا به لكي يظهروا، دون أي مبرر، منغمرين في أداء ما يعتقدون أنه يلزم أداؤه، في الوقت الذي يأسفون فيه لكونهم يفتقرون إلى الوقت لكي يختبروا بعض الأشياء التي يعتقدون أنها مهمة. والطريق الثاني هو المبالغة في القيود التي تحد ما يستطيعون عمله(43).

غراهام ويلسون: «حل المشكلات وصنع القرارات - التجديد وعمل الفريق والطرائق التقنية الفعالة»

مدار الكتاب بعض الطرائق الإبداعية التي يحتاج إليها المدير في الغرب للتمكن من أداء دوره الجديد في المنظمات عندهم في ضوء ما استجد من تغييرات في البني التنظيمية لتسيير العمل الإداري فيها. ويتكون الكتاب من ثلاثة أقسام رئيسية أولها بعنوان «التجديد والفرد»، والثاني بعنوان «الفِرَق وحل المشكلات» والثالث بعنوان «الأدوات والطرائق التقنية». والكتاب هو واحد من سلسلة من الكتب التي تشارك «رابطة التربية والإدارية والتطوير AMED» في نشرها تباعاً بقصد توفير عدد من المقررات المحورية التي تتناول الموضوعات التي تشتمل عليها برامج الماجستير في إدارة الأعمال في بريطانيا، وهي مقررات تمثل في مجملها طريقة جديدة في تقديم موضوعاتها لكونها تتصف بأسلوب عملي يركز على الفعل ويستلزم من القارئ تقييم الذات والمشاركة في الأنشطة التي يعرضها الكتاب.

ويتميز الكتاب بتعدد وتنوع موضوعاته، فقد تناول القسم الأول ستة موضوعات هي: كيف تتغير المنظمات - التحسن المستمر: الوضعية الجديدة لحل المشكلات - التكتيكات لتنشيط حل المشكلات - استحداث الحلول التي يمكن أن يستخدمها الناس - الدماغ وكيف يعمل - الحمل الثقيل من المعلومات. وتناول القسم الثاني ثلاثة موضوعات هي: حل المشكلات المعتمد على الفريق - المشكلات في داخل الفِرَق - تسيير الفِرَق. وأما القسم الثالث فشمل استعراض المسائل والقضايا التالية: نماذج حل المشكلات - التحديد الدقيق للمشكلات - تسجيل المعطيات - الإحاطة بالمعلومات وبثها - إقرار الحلول وتصميمها - التأثير والتقويم. والواقع أن هذا الكتاب هو بحق كما وصفه السير جون ايغان (John Egan) في مقدمته له «عون نفيس للمدير الذي يريد أن يحسن أداءه الشخصي وأن يخطط للنجاح على المدى الطويل».

أما ما يهم كاتب هذه السطور عرضه هنا فهو ما أورده المؤلف في الفصل الثاني المعنون «كيف تغيرت منظمتك»؟ لدى تحليله لاتجاهات التغيير في العمل الإداري كما تتبين في مجالات العمل وأوجه التنظيم التي اختارها وهي (1) سلطة الفِرَق، (2) الأسلوب الجديد للمدير، (3) مراقبة النوعية أو الجودة الكلية (Total quality) وثقافة المنشأة، (4) تغير الثقافة. وبيان ذلك كما يلي:

حول سلطة الفِرَق

ينبه المؤلف إلى أنه في السنوات الأخيرة أخذت المنظمات تبتعد عن استخدام أفراد يشرّعون في الأعمال بمفردهم وصارت تتجه أكثر وأكثر إلى العمل عن طريق الفِرَق، وإلى أنه قد صاحب هذه التوجه نحو عمل الفريق تنازل أكبر عن السلطة والمسئولية، وانه أصبح بوسع الفِرَق أن تتخذ فعلياً أي قرار في المنظمة: الأمر بالتجهيزات والتموين، جدولة العمل، إجراء أعمال الصيانة، فحص جودة الناتج، وحتى التوظيف والفصل(44).

حول الأسلوب الجديد للمدير

يذكر المؤلف بأنه قد صاحب ذلك التحول في النفوذ power تغير في دور المدير، وأنه ربما لا يعترف بذلك سوى قلة، إلا أنه في السابق كثيراً ما كان دور المدير يشمل الحفاظ على النظام، والضبط والمراقبة، وكان تصرفه كما لو كان قد عين نفسه ممثلا للعدالة في المنظمة، وبأن هناك اليوم مديرين يكون مثار دهشتهم واستغرابهم الاقتراح بأن يقوم موظفوهم برصد ومراقبة علاوات إجازاتهم، وأن يكونوا مسئولين عن الجدولة والسلامة الخ... ويشير إلى أنه في كثير من الأعمال التجارية يكون المدير هو «مسمار العجلة» للمعلومات، وأنه يصدمه ان يسمع بأن الاجتماع الأسبوعي أو الشهري للفريق ستكون رئاسة الجلسة فيه على أساس دوري بين هيئة الأعضاء، وأنه مع اقتناء الفِرَق لأدوات وتقنيات أكثر تعقيداً فإنه يكون من المعتاد لهم أن يجروا تحليلاً لنواحي القوة والضعف في الأعضاء، وكثيراً ما يجدون أن أحدهم له مهارات معينة في إدارة الجلسات، ومن ثم يتم اختياره لتلك المهمة بدلاً من المدير، وأنه على خلاف ما هي عليه الحال في المنظمات التقليدية ليس هناك ما يهدد المدير، كما أن الشخص الذي يرأس الاجتماع إنما يقوم بعمله كعضو في الفريق ولا يستمد أي نفوذ من دوره.

وينبه إلى أنه مع تخلي المديرين عن بعض السلطة والمسئولية، أخذوا يحملون مسئولية أضافية بشأن تطوير موظفيهم، وبأنه لمن المؤكد احتمال أن يجد المديرون الذين كانوا على وجه الخصوص من النوع التسلطي authoritarian هذا التحول صعباً، إلا أنه بالنسبة للكثيرين هو دور كانوا دوماً يريدونه ولكنهم، نتيجة ضغط العمل الذي يقومون به، لم يكن لديهم متسع من الوقت بخصصونه له(45).

حول المراقبة الكلية للنوعية (أو الجودة) وثقافة المنشأة

يذكر المؤلف بأنه في الستينيات قامت حركة في بريطانيا وبلاد أخرى لإدخال حلقات النوعية وهي فِرَق من الناس يجتمعون في إحدى الدوائر لمعالجة مشكلة معينة، وبأنه كثيرا ما تدخل المنظمات حلقات النوعية فيها دون تغيير كبير في أي مكان من العمل التجاري، وأنه في السبعينيات والثمانينيات أصبح من الواضح انه بينما قد تكون حلقات النوعية - أو ما يعادلها - نتاجا نهائيا مرغوبا فإن قدراً كبيراً من العمل الأساسي يلزم القيام به قبل أن يتيسر ادخالها بنجاح، ومن ثم بدأت حقبة جديدة في مهمة تغيير الثقافة. ويشير كذلك إلى أن بعض المنظمات قد باشرت في اتخاذ هذا النوع من التغيير بوعي ولكن من دون اعطائه أي تسمية معينة، إلا انه بالنسبة لعدد كبير من المنظمات كان أول عهدهم بعملية تغيير الثقافة هو عن طريق مراقبة النوعية الكلية. وينبه إلى أنه ربما كان استعمال «النوعية» غير موفق، من حيث كونها توحي لكثيرين من الناس بأنها «رقابة العمليات» أو «نظم الإدارة»، وإلى أنه في الواقع تكون «النوعية الكلية» هي وصف لثقافة داخل منظمة، وان ثقافة النوعية الكلية هي موضع اهتمام الزبون وتركيزه، وأنه لتحقيق ذلك على المنظمات أن تفوض الثقة والسلطة إلى موظفيها، لأنه ليس بوسع المديرين ان يشغلوا بالأمر كل مرة تنبثق فيها قضية في شأن خدمة الزبون.

كذلك يوضح بأنه لأجل تخويل الموظفين، بالسلطة على هذا المنوال قامت المنظمات بإدخال أشكال أخرى من المراقبة، عادة من خلال عمل الفريق، ومن ثم تظهر عند ذلك خاصية أخرى لبيئة «النوعية الكلية» هي كونها كثيراً ما يهيمن عليها فِرَق من الناس، وفي المقابل يكون على المديرين أن يغيروا دورهم، وأن مثل هذه الثقافة لا مناص لها من أن تقود إلى مداخل جديدة عديدة وحلول تجديدية للمشكلات، وهكذا تقوم خاصية جديدة هي مستويات عليا من توليد الأفكار(46).

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً