العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

ثالثاً - عناصر صناعة القرار والسبيل إلى تحسين مستواها

لقد وجدت فيما أورده «بيتر دركر» في الفصلين السادس والسابع من كتابه «المدير الفعال» المعنونين بـ «عناصر صناعة القرار» و«القرارات الفعالة»، وفي الفصل الثامن والعشرين من كتابه «ممارسة الإدارة» المعنون بـ «صنع القرارات» ما يمكن أن يحدد للمدير معالم الطريق في هذا المجال الشائك.

ويمكن تلخيص ما أورده بشأن عناصر صناعة القرار في خمسة عناصر هي:

-1 الإدراك الواضح بأن المشكلة هي نوعية ولا يمكن حلها إلا عن طريق قرار تتأسس بموجبه قاعدة أو مبدأ.

-2 تعريف المواصفات التي على جواب المشكلة أن يفيَ بها؛ أي «شروط الحد» (Boundary conditions).

-3 التفكير عن طريق «ما هو الصحيح» أي الحل الذي سيفي بمتطلبات المواصفات قبل النظر في المساومات والتكيفات والتنازلات اللازمة لجعل القرار مقبولاً.

-4 جعل القرار مشتملاً على العمل اللازم لتحقيقه.

-5 جعل القرار يشتمل على «التغذية الراجعة» (feedback) لتوفير الفحص المستمر للتوقعات التي تكمن وراء القرارات المتخذة لمواجهة الوقائع.

ويتلخص ما أورده في شأن «القرارات الفعالة» في تسع نقاط و»محذور» نبه إليه، أما النقاط فبيانها كما يلي:

-1 إن القرار هو حكم. إنه اختيار من بين بدائل. ونادراً ما يكون اختياراً بين خطأ وصواب، وهو في أحسن الحالات اختيار بين «ما هو صواب تقريباً» و»ما يحتمل أن يكون خطأً». ولكن في أكثر الأحيان هو خيار بين نهجي عمل ليس أي منهما بالقطع أكثر صحة من الآخر.

-2 إن معظم الكتب حول صناعة القرار تنصح قارئها بأن عليه بادئ بدء أن يبحث عن الحقائق. ولكن المديرين الذين يصنعون القرارات الفعالة يعرفون أن المرء لا يبدأ من الحقائق. وإنما يبدأ بالآراء وهذه ليست سوء فرضيات لم يجرِ فحصها، ومن ثم فهي لا قيمة لها ما لم تختبر على أساس الواقع. ولتقرير ما هو حقيقة يحتاج المرء أولاً إلى قرار بشأن معايير الصلة أو الملاءمة (criteria of relevance) وخصوصاً بشأن القياس المناسب وهذا هو أساس القرار الفعال، وهو في العادة أهم جانب من جوانبه الجدلية.

-3 وأخيراً، فإن القرار الفعال لا ينبعث من الاتفاق الجماعي في الرأي بشأن الحقائق، كما تصرح كثير من الكتب حول صناعة القرار. إن الفهم الذي يكمن وراء القرار الصحيح ينبثق من التعارض والتضارب في وجهات النظر المختلفة ومن الاعتبار الجاد للبدائل المتنافسة. والحصول على الحقائق أولاً هو مستحيل. فما هناك حقائق إلا إذا كان لدى المرء معيار للصلة أو الملاءمة. والوقائع وحدها ليست حقائق.

-4 إن هناك أسباباً للإصرار على الاختلاف:

أ) إنه الضمان الوحيد لكيلا يصير متخذ القرار «سجين المنظمة». فكل واحد في المنظمة يريد شيئاً من متخذ القرار، وكل واحد منهم يسعى ليأتي القرار في صالحه... والسبيل الوحيد للتخلص من قيود التشفع (الالتماس) الخاص والاعتقادات المقصورة مسبقاً هو التأكد من ضمان أن تأتي الاختلافات مبنية على الحجج، وموثقة، ومدروسة.

ب) إن الاختلاف بوسعه وحده أن يوفر البدائل للقرار. والقرار من دون بديل هو رمية مقامر يائس،... مهما كانت دراسة القرار جيدة. فهناك دوماً احتمال كبير بأن يتبين أن القرار خاطئ - إما لأنه كان خطأً من البداية أو لأن تغييراً في الظروف يجعله خطأ. وعندما يكون المرء قد فكر في البدائل خلال عملية صنع القرار، فإنه يكون لديه دوماً ما يستند إليه... شيء سبق أن جرى التفكير فيه ودرس وفهم. وبدون مثل هذا البديل، فإن المرء قد يتخبط في متاهة عندما يثبت الواقع أن قراراً ما هو عديم المفعول.

ج) إن الاختلاف لازم لتنشيط الخيال والمرء ليس في حاجة للخيال من أجل إيجاد الجواب الصحيح لمشكلة... وإنما هو في الشئون المتعلقة باللايقين الحتمي (true uncertainty) مما يتعامل المدير معه - سواء أكان ذلك في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو العسكري - يحتاج إلى الحلول الخلاقة التي تخلق وضعية جديدة... وهذا يعني أن المرء يحتاج إلى الخيال - طريقة جديدة ومختلفة للإدراك الحسي والفهم.

-5 إن «صانع القرار» الفعال ينظم الاختلاف. وهذا يقيه من أن يؤخذ بالذي هو معقول ظاهراً ولكنه زائف وناقص. كما أنه يعطيه البدائل لكي يكون بوسعه أن يختار وأن يتخذر القرار، ولكيلا يضيع في الضباب عندما يثبت أن القرار قاصر أو خاطئ لدى التنفيذ. كذلك فإن الاختلاف يدفع إلى التخيل - لديه ولدى من يعملون معه. إن الاختلاف يحول المعقول ظاهراً إلى صحيح، والصحيح إلى قرار جيد.

-6 إن «صانع القرار» الفعال لا يبدأ بافتراض أن أحد سبل العمل المقترحة هو الصحيح وأن كل السبل الأخرى لا بد أن تكون خاطئة. ولا يبدأ بافتراض أنه على حق وأن الآخرين على باطل. وإنما يبدأ بالالتزام بالبحث عن أسباب الاختلاف في الرأي. ولا حاجة إلى القول بأن ذلك ليس هو ما يفعله معظم الناس سواء أكانوا مديرين أم لم يكونوا. فمعظم الناس يبدأون باليقين وبأن نظرتهم هي الطريقة الوحيدة للرؤية بأية حال.

-7 إن هناك سؤالاً أخيراً يلزم أن يسأله «صانع القرار» الفعال وهو «هل القرار ضروري حقيقة؟»... وأحد البدائل هو ألا يتخذ أي إجراء. إن القرار هو مثل العملية الجراحية. إنه تدخل في نظام ولذلك فإنه يحمل معه خطر الصدمة. والمرء لا يتخذ القرارات غير الضرورية مثله في ذلك مثل الجراح الذي لا يقوم بالجراحة غير الضرورية.

-8 إن على المرء أن يتخذ قراراً عندما يترتب على عدم اتخاذ القرار تردٍ في الحالة. وهذا ينطبق أيضاً في شأن الفرص... فإذا ما كانت الفرصة مهمة ويحتمل أن تضيع إلا إذا تصرف المرء وعجل في التنفيذ، فإن المرء يقوم بتغيير جذري.

ومن الناحية المقابلة فإن هناك الظروف التي يستطيع المرء بشأنها، من دون أن يكون متفائلاً أكثر مما يلزم، أن يتوقع بأنها ستعالج نفسها بنفسها حتى لو لم يقم بأي أجراء. فإذا ما كان الجواب عن السؤال ماذا سيحدث إن لم يقم بأي أجراء؟ هو «أنها ستعالج نفسها بنفسها». فإنه لا حاجة عند ذلك للتدخل كذلك لا يتدخل المرء عندما تكون الوضعية، رغم كونها مزعجة، غير ذات أهمية وليس من شأنها أن يكون لها أي تأثير. غير أن المديرين الذين يفهمون هذه الحقيقة هم نادرون.

-9 إن «صانع القرار» الفعال يقارن الجهد والمخاطرة بالجهد والمخاطرة لدى عدم القيام بأي أجراء. وليس هناك صيغة نصية للقرار الصحيح هنا. ولكن الموجهات واضحة بحيث إن القرار في الحالة المعينة نادراً ما يكون اتخاذه صعباً... وهي:

- تصرف عندما يكون توازن الفوائد يفوق كثيرا الكلفة والمخاطر.

- افعل أو لا تفعل، ولكن لا «تراوغ» أو «تساوم».

إن الجراح الذي يستأصل إحدى اللوزتين أو نصف الزائدة الدودية يعرض مريضه لنفس مخاطر التلوث أو الهزة التي يعرضه لها لو استأصل الكل... وهو لم يشف الحالة وانما جعلها أسوأ. وهو إما أن يجري العملية أولا يجريها. وبالمثل، فإن «ًصانع القرار» الفعال إما أن يفعل أو لا يفعل. إنه لا يقوم بنصف فعل، فإن نصف الفعل هو خطأ دوماً، وهو الطريقة الوحيدة التي من المؤكد أنها لا تفي بالحد الأدنى للمواصفات، وبالقدر الأدنى من شروط الحد.

تلك هي النقاط التي أوردها «دركر» في شأن «القرارات الفعالة» وأما «المحذور» الذي نبه إليه فقد أوضحه كما يلي:

«والآن فإن القرار جاهز لأن يتخذ. فلقد تم التفكير في المواصفات، وتم استقراء البدائل، ووزن المخاطر والمكاسب، وصار كل شيء معلوماً. وبات من الواضح أي نهج عمل يجب اتباعه». وعند هذه النقطة يكاد القرار يكون قد «صنع نفسه بنفسه»... إلا أنه عند هذه النقطة تضيع معظم القرارات. ذلك لأنه يتضح فجأة أن القرار لن يكون مبعث سرور، أو لن يكون مرغوباً عند الناس، أو لن يكون سهلاً، ويصبح من الواضح أن القرار يحتاج إلى الشجاعة قدر ما يحتاج إلى الحصافة. إنه ليس هناك من سبب ذاتي يجعل مذاق الدواء مراً - ولكن الأدوية الفعالة هي في العادة مرة المذاق... وبالمثل فإنه ليس هناك سبب ذاتي يوجب أن تكون القرارات غير مستساغة - ولكن معظم القرارات الفعالة هي غير مستساغة.

شيء واحد لا يفعله المدير الفعال عند هذه النقطة. إنه لا يقول «لنقم بدراسة أخرى». إن هذه هي طريقة الجبان - وكل ما يحققه الجبان هو أن يموت ألف مرة بينما لا يموت الشجاع سوى مرة واحدة. وعندما يُواجه المدير الفعال بالحاجة إلى «دراسة أخرى» فإنه يسأل: هل هناك من سبب للاعتقاد بأن دراسة أخرى ستأتي بجديد؟! وهل هناك من سبب للاعتقاد بأن الدراسة الجديدة ستكون ذات صلة ومتات؟ وإذا كان الجواب بالنفي - كما هي العادة - فإن المدير الفعال لا يسمح بدراسة جديدة. وهو لا يضيع وقت الناس الطيبين لتغطية عدم قيامه باتخاذ القرار... كما أنه في الوقت ذاته لن يستعجل في اتخاذ قرار إلا إذا كان واثقاً من أنه يفهمه».

وأما في شأن «صنع القرارات»، فقد انطلق «دركر» في بحث الموضوع بتوضيح ما يلي:

-1 إن أهمية صنع القرارات أمر متفق عليه. ولكن الكثير من المناقشات اتجهت نحو التركيز على حل المشكلات، أي على البحث عن إجابات. وهنا كان مكمن الخطأ. إن المصدر الرئيسي للأغلاط في القرارات الإدارية هو تأكيدها على إيجاد الجواب الصحيح بدلاً من البحث عن السؤال الصحيح.

-2 إن نوع القرارات التي تتركز في حل المشكلات هو القرار غير المهم، والروتيني، والتكتيكي. فإذا كانت كل من ظروف الوضعية والمتطلبات التي على الجواب أن يفي بها هي معلومة وبسيطة، فإن حل المشكلات هو بالفعل الشيء الضروري الوحيد. وفي هذه الحال فإن المهمة هي مجرد الاختيار بين بضعة بدائل واضحة. والمعيار هو في العادة معيار اقتصادي، أي أن القرار سيحقق النهاية المرغوبة بأقل جهد واضطراب.

-3 صحيح أن معظم القرارات التكتيكية هي معقدة وأكثر أهمية. إلا أنها دوماً ذات بعد واحد: أي أن الوضعية معطاة والمتطلبات بينة، والمشكلة الوحيدة هي إيجاد أكثر التكيفات اقتصادية للإمكانيات المتاحة.

-4 ولكن القرارات الهامة، القرارات التي لها تأثيراتها فعلاً، إنما هي القرارات الإستراتيجية. وهذه تشتمل على إيجاد الوضعية، أو تغييرها، أو على إيجاد ماهية الإمكانيات أو تحديد نوعيتها. وهذه هي على وجه الخصوص قرارات إدارية. وكل مدير لا بد أن يقوم بهذه القرارات الإستراتيجية، وكلما ارتفع مستواه في الهيكل الإداري كلما زاد ما يتوجب عليه أن يتخذه منها.

-5 إن من بين القرارات الإستراتيجية جميع القرارات المتعلقة بأغراض المؤسسة وبطرق الوصول إليها... وكذلك القرارات المؤثرة في الإنتاجية: وهي دوماً تهدف إلى تغيير الوضعية الكلية... وجميع القرارات التنظيمية وجميع القرارات الرئيسية بشأن إنفاق رأس المال. ومعظم القرارات التي تعتبر قرارات تشغيل هي إستراتيجية من حيث طبيعة ارتباطها وملاءمتها.

-6 إن القرارات الإستراتيجية - مهما كان حجمها أو تعقيدها أو أهميتها - يلزم ألا يتم تناولها عن طريق أسلوب حل المشكلات. وبالفعل، فإنه في هذه القرارات التي هي على وجه الخصوص قرارات إدارية لا تكون المهمة الأساسية والصعبة هي البحث عن جواب صحيح. وإنما هي البحث عن السؤال الصحيح. فليس هناك ما هو عديم الفائدة - إن لم يكن بنفس الدرجة من الخطورة - مثل الجواب الصحيح للسؤال الخطأ.

-7 إن ما هو أهم وأكثر صعوبة من إيجاد الجواب الصحيح هو جعل خط العمل المقرر ذا فاعليه. إن الإدارة ليست معنية بالمعرفة من أجل المعرفة، إنها معنية بالأداء. وليس هناك ما هو عديم الفائدة مثل الجواب الصحيح الذي يختفي في دفات الملفات، أو الحل الصحيح الذي يعطله في صمت الناس الذين عليهم أن يجعلوه فعالاً. وإن من أهم المهام الحاسمة في كامل عملية صنع القرار هي تأكيد أن تأتي القرارات التي يتم التوصل إليها في مختلف أقسام المؤسسة وعلى مختلف مستويات الإدارة متساوقة مع بعضها البعض، وأن تأتي منسجمة مع أهداف المؤسسة بكاملها.

ثم انتقل «دركر» إلى استعراض الأحوال والمراحل التي يمر بها صنع القرار والخطوات التي يلزم اتخاذها في كل طور أو مرحلة مسلطاً الضوء على كثير من الأخطاء التي يقع فيها كثيرون من المديرين. ولقد تضمن استعراضه لأطوار صنع القرار الكثير من الملاحظات والآراء القيمة مما يمكن اعتباره بمثابة توجيهات للمديرين في شأن الإستراتيجية أو السياسة التي يلزم انتهاجها في صنع القرارات، وهذه النقاط يمكن تلخيصها في التالي:

-1 حول تعريف المشكلة

أ) إنه من الناحية العملية ليس هناك مشكلة في الحياة، سواء في دنيا الأعمال أو غيرها، تقدم نفسها أصلاً كحالة تحتاج إلى أن يتخذ بشأنها قرار. وأن ما يبدو لأول وهلة كأنه عناصر لمشكلة ليس هو في حقيقته بالأمر ذي الشأن أو ذي المتات. وهو في أحسن الحالات مجرد أعراض. وكثيراً ما تكون أكثر الأعراض ظهوراً أقلها صرحاً. إن الإدارة قد ترى تصارع الشخصيات بينما قد تكون المشكلة الحقيقية سوء استفادة من البنية التنظيمية. وقد ترى الإدارة مشكلة كلفة التصنيع وتبدأ بحافز يرتكز على تخفيض الكلفة بينما قد تكون المشكلة الحقيقة سوء تصميم هندسي أو سوء تخطيط للمبيعات. ولقد ترى الإدارة مشكلة تنظيمية بينما تكون المشكلة عدم وجود الأهداف الواضحة.

ب) إن أول مهمة في صنع القرار هي إذن تبين المشكلة الحقيقة وتحديدها. ومهما طال الوقت الذي يصرف على ذلك فإنه وقت يصرف في محله. إن الكتب والمقالات في شأن القيادة مليئة بالنصائح حول كيفية التوصل إلى القرارات السريعة، القوية والثاقبة. بينما ليس هناك ما هو أكثر حماقة - وما هو مضيعة للوقت - من النصيحة للإسراع في اتخاذ قرار بشأن ماهية المشكلة.

ج) إن طريقة التشخيص على أساس الأعراض - الطريقة التي يستخدمها معظم المديرين - ليست حلاً. إنها ترتكز على الخبرة بدلاً من التحليل. وهذا أساساً ما يوجب على المدير أن يستبعدها حيث إنه ليس بوسعه أن يكتسب هذه الخبرة بصورة منتظمة في دنيا الأعمال.

ثم إن المدير عليه أن يفترض أن الأعراض قد تكون زائفة. وهو يعرف أن المشكلات في دنيا الأعمال تظهر نفس مجموعة الأعراض، كما أن المشكلة نفسها تظهر في طرق مختلفة لا حد لها. ومن ثم فإنه على المدير أن يحلل المشكلة بدلاً من أن يشخصها. ولكي يصل إلى تحديد المشكلة عليه أن يبدأ بالبحث عن «العامل الحرج» وهو العنصر (أو العناصر) في الوضعية اللازم تغييره قبل أن يغير أي شيء آخر أو يحرك أو يجرى له شيء.

د) إن البحث عن العامل الحرج بواسطة التحليل المباشر للمشكلة ليس دوماً بالأمر السهل. وهناك طريقتان فرعيتان يلزم في العادة استخدامهما. أحداهما تفترض أنه لا شيء مهما كان يمكن أن يتغير أو يتحرك ويكون السؤال: عن ماهية ما يحدث بمرور الوقت؟ والطريقة الثانية: تقوم بالإسقاط رجوعاً ويكون السؤال: عن ماهية ما كان لازماً أن يفعل أو أن يترك دون فعل الوقت الذي ظهرت فيه المشكلة لأول مرة مما كان بوسعه أن يؤثر فعلاً في الوضعية الحاضرة.

هـ) إن الخطوة الثانية في شأن تحديد المشكلة هي تحديد الظروف من أجل حلها والتفكير في الأهداف التي يسعى الحل إلى الوصول إليها. والأهداف يلزم دوماً أن تعكس أغراض المؤسسة ويلزم دوماً أن تتركز في النهاية على الأداء الذي تقوم به المؤسسة ونتائج ذلك الأداء؛ ويلزم دوماً أن توازن وتؤالف ما بين المستقبل القريب والمستقبل البعيد، ويلزم دوماً أن تأخذ في الحسبان كلاً من المنظمة ككل والنشاطات اللازمة لتيسييرها. وفي نفس الوقت فإنه يجب أن يجري التفكير في القواعد التي بموجبها يتم التوصل إلى الحل، أي ماهية المبادئ والسياسات وقواعد السلوك التي يلزم اتباعها... إن إشهار تلك القواعد ضروري لأنه في كثير من الحالات يحتاج القرار الصحيح إلى تغيير في السياسات أو الممارسات السائدة. وما لم يفكر المدير بجلاء في شأن ما يريد أن يغيره والأسباب الداعية للتغيير فإنه يقع في خطر محاولة «تغيير الممارسة السائدة» و«عدم تغييرها» معاً وفي ذات الوقت.

و) القاعدة هي في الحقيقة النظام القيمي الذي ضمنه يلزم صنع القرار. وهذه القيم قد تكون أخلاقية، وقد تكون ثقافية، وقد تكون أهداف المؤسسة أو مبادئ تقبلها بنية المؤسسة. وهي في كليتها تشكل نظاماً أخلاقياً. ومثل هذا النظام لا يقرر ماهية نهج العمل اللازم، وإنما يقرر فقط ما يلزم ألا يكون، ورجال الإدارة عادة ما يتصورون أن القاعدة الذهبية «عامل الآخرين كما ترغب أن يعاملوك» هي قاعدة عمل، وإنهم في ذلك لمخطئون. والقاعدة الذهبية إنما تقرر فقط ما نوع العمل الذي يلزم ألا يعمل. إن تجنب مناهج العمل غير المقبولة هو في حد ذاته من المستلزمات الأولية الأساسية للقرار. وبدونها يكون هناك عديد من مناهج العمل المتاحة للاختيار مما قد يشكل القدرة على التصرف.

-2حول تحليل المشكلة

إن البحث عن الحل الصحيح وصنع الأغراض وتحديد القواعد تشكل في جملتها الطور الأول في صناعة القرار. وهي تحدد المشكلة. أما الطور الثاني فهو تحليل المشكلة: أي تصنيفها والبحث عن الحقائق.

أ) إن تصنيف المشكلة ضروري لمعرفة من يجب أن يتخذ القرار، ومن يجب أن يستشار في عمله، ومن يجب أن يبلغ به. وبدون البدء بالتصنيف تواجه فاعلية القرار النهائي خطراً، وذلك لأن التصنيف وحده هو الذي بوسعه أن يبين مهمة كل واحد من أجل تحويل القرار إلى عمل مجد.

ب) إن مبادئ التصنيف أربعة.

- مستقبلة القرار (أي المدى الزمني الذي تنشغل فيه المؤسسة بخط العمل، والسرعة التي بها يمكن عكس القرار).

- أثر القرار على المناطق والمهام الأخرى.

- عدد الاعتبارات النوعية التي تدخل فيه.

- فردية أو دورية القرار.

وهذا التصنيف وحده كاف لأن يؤكد بأن القرار يمكن بالفعل أن يسهم في عمل المؤسسة بكليتها بدلاً من أن يحل المشكلة المباشرة أو المحلية على حساب الكل. حيث إن التصنيف المقترح يفرز المشكلات حسب ارتباطها بأهداف المؤسسة ككل وبأهداف الجزء أو الجانب الذي يقوم المدير بإدارته. وهى تجبر المدير على أن يرى مشكلته من وجهة نظر المؤسسة.

ج) إن على المدير في مسعاه للحصول على الحقائق أن يسأل عن ماهية المعلومات التي يحتاجها للقرار المعين. وعليه أن يقرر مدى صلة المعطيات التي في حوزته بالمشكلة ومدى صحة تلك المعطيات... وعليه أن يحدد ماهية المعلومات الإضافية التي يحتاج إليها وأن يبذل كل ما هو ضروري للحصول عليها. وهذه ليست مهام ميكانيكية. إن المعلومات نفسها تحتاج إلى تحليل ماهر ومقدرة على التحليل كما يجب أن يتم تفحصها لتبين الأنماط التي تسندها والتي يمكن أن تشير إلى أن المشكلة قد حددت بالخطأ أو وصفت بالخطأ. وبعبارة أخرى إن الحصول على الحقائق ما هو إلا جزء من المهمة. وإن استخدام المعلومات كوسيلة لاختبار صحة الطريقة هو على الأقل بنفس الدرجة من الأهمية.

د) إن المدير لن يكون بوسعه أبداً أن يحصل على جميع الحقائق اللازمة، ومن ثم فإن الواقع يقتضي أن تتخذ معظم القرارات استناداً إلى معلومات غير كافية - أما لأن المعلومات غير متيسرة أو لأن الحصول عليها يتطلب وقتاً كبيراً ومالاً كثيراً. وليس لزاماً لعمل القرار السليم أن تتوافر كل الحقائق وإنما اللازم معرفة طبيعة الحقائق المفتقر إليها وذلك لتقرير مدى المخاطرة التي ينطوي عليها القرار وكذلك درجة الدقة والثبات التي يتيحها نهج العمل. إذ ليس هناك ما هو أشد خداعاً - وللأسف أكثر انتشاراً - من محاولة عمل قرارات دقيقة على أساس من معلومات غير دقيقة أو غير كاملة.

وعندما لا تتسير المعلومات، فإنه بالوسع القيام بالحدس والتخمين، والوقائع هي التي تظهر ما إذا كان للحدس أو التخمين ما يبرره أم خلافه.

هـ) إن المدير شأنه في الحدس والتخمين شأن الطبيب، من حيث إن أفضل المشخصين ليس هو الذي ينجز أكبر عدد من مرات التشخيص الصائب، وإنما هو الرجل الذي بمقدوره أن يرى مبكراً تشخيصه الخاطئ ويصححه فوراً. وهذا يتطلب من المدير أن يعرف أين يقتضي الافتقار إلى المعلومات اللجوء إلى الحدس التخمين.

-3 حول تطوير الحلول البديلة

أ) ينبغي أن يكون أمر تطوير عدة حلول بديلة لكل مشكلة قاعدة ثابتة يعمل بها. وإلا فإن هناك خطراً في أن يقع المرء في كمين لزوم الاختيار بين نهجين فقط... وليس هناك من شيء أكثر عمومية من الالتباس بين تناقض (contradiction) صحيح (كالتناقض بين الأخضر وغير الأخضر) وهو الذي يضم كل الاحتمالات، وبين التباين (contrast) (كالتباين بين الأخضر والأحمر مثلاً)، وهو ما يعني اثنين فقط من عدة إمكانات. ومما يزيد من الخطر ميل الإنسان عموماً إلى التطرف والمغالاة. وهناك من الأدلة ما يظهر أن كثيرين منا محدودون في قدراتهم على التصور والتخيل. فنحن نميل إلى أن نرى نمطاً واحداً ونعتبره النمط الصحيح إن لم يكن النمط الأوحد.

ب) إن الحلول البديلة هي الوسيلة الوحيدة للوصول بافتراضاتنا الأساسية على مستوى الوعي، مجبرين أنفسنا على اختيارها وفحص مدى صحتها. إن الحلول البديلة لا تكفل الحكمة أو القرار الصحيح. ولكنها على الأقل تمنعنا من أن نتخذ قراراً بوسعناً أن ندرك بأنه خاطئ لو أمعنا النظر في المشكلة.

إن الحلول البديلة هي في الواقع أداتنا الوحيدة لتعبئة وتدريب الخيال. إنها لب ما نعنيه بالطريقة العلمية. وهي سمة العالم من الطراز الأول... الذي ينظر بعين الاعتبار إلى التفسيرات البديلة مهما كانت الظواهر الملحوظة مألوفة أو معروفة. صحيح أن البحث عن البدائل واعتبارها لا يمد المرء بالقدرة على التصور إن كانت تعوزه... غير أن معظمنا لديهم من القدرة على التصور أكثر مما يستعملون... إن البصيرة يمكن تدريبها وتطويعها وتنميتها والطريق إلى ذلك هو البحث المنظم عن الحلول البديلة وتطويرها.

ج) إن عدم القيام بأي عمل هو قرار بقدر ما يكون القيام بعمل هو قرار. ومع ذلك فقليلون هم الذين يدركون ذلك. وهم يتصورون أنهم يستطيعون تجنب اتخاذ القرار غير السار عن طريق عدم القيام بشيء. والطريقة الوحيدة لمنعهم من خداع أنفسهم عن هذا الطريق هي بإشهار ما يستتبعه عدم القيام باتخاذ القرار من نتائج.

د) إن إجراء عمل في مؤسسة هو دوماً من نفس طبيعة التدخل الجراحي في العضو الحي. إنه يعني أن الناس عليهم أن يغيروا من عاداتهم وطرائق عملهم للأشياء، ومن علاقاتهم بعضهم ببعض، ومن أهدافهم أو أدواتهم. وحتى لو كان التغير قليلاً فإن هناك دوماً بعض الخطر من حدوث هزة. إن تحمل العضو السليم مثل هذه الهزة أكثر من تحمل شخص مريض. والمؤكد أن الصحة بالنسبة للتنظيم بمؤسسة تعني قدرة ذلك التنظيم على تقبل التغيير بسهولة وبدون أي ضرر، ومع ذلك فإنها سمة الجراح الخبير ألا يقطع إلا ما يجب قطعه.

-4 حول إيجاد الحل الأفضل

أ) هنا فقط ينبغي على المدير أن يحاول تحديد الحل الأفضل. وهو إذا كان قد قام بما يلزم على النحو الكافي، فإنه إما أن تصبح لديه عدة بدائل يختار منها، وكل منها كفيل بحل المشكلة، وإما أن يصير لديه بضعة حلول يقصر كل منها عن أن يبلغ الكمال، ولكنها تختلف فيما بينها في نواحي قصورها. وإنها لوضعية نادرة تلك التي لا يكون لها إلا حل واحد.

ب) هناك أربعة معايير لانتقاء الحل الأفضل من بين الحلول الممكنة.

المخاطرة: إن على المدير أن يوازن المخاطر لكل نهج عمل مقابل المكاسب المتوقعة. وليس هناك من عمل لا يشتمل على مخاطر وليس هناك من عدم عمل لا يشتمل على مخاطر أيضاً، وما يهم أكثر ليس هو المكاسب المتوقعة أو المخاطر المنتظرة، وإنما النسبة بينهما. وكل بديل يلزم إذن أن يشتمل على تقييم لاحتمالات النجاح والخسران التي ينطوي عليها.

اقتصادية المجهود: إن على المدير أن يأخذ بالاعتبار الطريق التي تتميز من بين طرق العمل بأنها تعطي أعظم النتائج بأقل مجهود، وتؤدي إلى التغيير المطلوب بأقل ما يلزم من الاضطراب في المنظمة.

التوقيت: عندما تكون الوضعية متسمة بصفة الاستعجال الكبير، فإن نهج العمل المفضل هو الذي يجعل القرار ملفتاً للنظر ويشعر المنظمة بأن هناك أمراً مهماً سيحدث. أما إذا كانت الحاجة تستلزم مجهوداً مستمراً وطويلاً فإن بداية بطيئة تجمع قوة الاندفاع قد تكون أفضل. وفي بعض الوضعيات يجب أن يكون الحل نهائياً ويجب أن يعلو بتطلعات المنظمة إلى هدف جديد. وبعبارة أخرى إن ما يهم أكثر هو المباشرة بالخطوة الأولى. ويمكن أن يكون الهدف النهائي ملفعاً في عتمة في الوقت القائم.

إن تنظيم القرارات المتعلقة بالتوقيت أمر بالغ الصعوبة، وهو يعتمد على الإدراك الحسي. فحيثما ينبغي أن يغير المديرون من رؤيتهم لتحقيق شيء جديد، فمن الأفضل التطلع إلى ما هو أكبر، ضمن رؤية شاملة للبرنامج التام وللهدف النهائي. وحيثما ينبغي أن يغيروا من عاداتهم، فإنه قد يكون من الأفضل أخذ الأمر خطوة خطوة أو البدء ببطء وبتواضع، وعدم القيام في البداية بأكثر مما هو ضروري.

حدود الموارد: إن أهم مورد يلزم اعتبار حدوده هو الناس الذين سينفذون القرار. وليس هناك من قرار يمكن أن يكون أفضل من الناس الذين سينفذونه. وإن تبصرهم وكفاءتهم ومهارتهم واستيعابهم يحدد ما بوسعهم أو ليس بوسعهم أن يفعلوه. إن خط عمل ما قد يحتاج إلى المزيد من الخصائص مما لا يتوافر لديهم اليوم. ومع ذلك يكون هو البرنامج الصحيح الوحيد. ثم إن هناك جهوداً يجب أن تبذل - وأن يشتمل عليها القرار - بقصد رفع قدرة ومستوى الناس أو أنه يلزم توفير أناس جدد يتصفون بما تقتضيه الحاجة. ولقد يبدو هذا أمراً واضحاً ومفهوماً، غير أن الإدارات في كل يوم تضع قرارات وتستحدث إجراءات وتسن سياسات دون أن تسأل ما إذا كان لديها الوسائل لتحقيق تلك الأمور، وما إذا كان لديها الناس اللازمون لذلك.

-5 حول جعل القرار فعالاً

أ) إن أي حل يجب أن يكون مجدياً لدى التطبيق. والملاحظ أن كثيراً من الوقت يصرف في «بيع» حلول. وان هذا الوقت ضائع. ان محاولة بيع حل يعني ضمنياً ان كل شيء على ما يرام إذا ما قبل الناس أن «يشتروا». ولكن، انه في جوهر قرار المدير ان الناس الآخرين يجب أن يطبقوه لجعله فعالاً. وما يقرره مدير هو دوماً قرار يختص بما يلزم أن يقوم به الناس الآخرون. لذا فإنه غير كاف أن يشتروه وإنما يجب أن يجعلوه يخصهم.

ب) والحديث عن «البيع» يعني ضمناً أن ما هو قرار صحيح يخضع لما يريده «الزبون» ولكن هذا مبدأ شديد الضرر وغير مأمون. إن ما هو صحيح تحدده طبيعة المشكلة، اما رغبات «الزبائن» وميولهم واستعدادهم للتقبل فهي تماماً غير ذات صلة أو متات. وإذا ما كان القرار هو الصحيح فإنهم يجب أن يوجهوا إلى تقبله سواء أحبوه في البداية أم لم يحبوه.

وإذا ما صرف وقت على «بيع» القرار، فإنه لم يعمل على الوجه الصحيح، ولا يحتمل أن يكون فعالاً. ان تقديم النتائج النهائية يلزم ألا يشغل البال كثيراً، وإن كان من اللازم أن يقدم القرار إلى الناس في لغة يستعملونها ويفهمونها.

ج) إن «بيع القرار» عبارة مريبة غير أنها تشير إلى حقيقة مهمة: إن من طبيعة القرار الإداري أن يصير فعالاً من خلال عمل الناس الآخرين. والمدير الذي «يصنع» القرار لا يفعل في الواقع مثل هذا الشيء. انه يحدد المشكلة ويضع الأهداف ويشهر القواعد. وهو يصنف القرار ويجمع المعلومات. وهو يحدد الحلول البديلة، ويعمل الفكر وينتقي الأفضل. ولكن لكي يكون الحل قراراً فإن العمل لازم. وهذا ما ليس بوسع المدير صانع القرار أن يوفره.

انه بوسعه فقط أن يوصل إلى الآخرين ما يلزم أن يعملوه وان يحفزهم إلى عمله. ولا يكون القرار قد صنع إلا لدى قيامهم بالعمل الصحيح.

د) إن ترجمة حل إلى فعل يحتاج إلى أن يفهم الناس ما هو التغير المتوقع في سلوكهم وما هو التغير المتوقع في سلوك الآخرين ممن سيعملون معهم. وان ما عليهم أن يتعلموه ما هو إلا الحد الأدنى الضروري لجعلهم قادرين على العمل بالطريقة الجديدة.

وانها لصناعة قرار فقيرة تلك التي تقدم القرار كما لو كان الأمر يتطلب أن يبدأ الناس التعلم من جديد أو يحولوا أنفسهم في صورة جديدة. ان مبدأ الاتصال الفعال هو الاقتصار على نقل الانحراف أو الاستثناء ذي الدلالة - وأن يكون ذلك في صورة واضحة ودقيقة وغير غامضة.

هـ) إن الحفز مشكلة سيكولوجية ولذا فإنه يستند إلى قواعد مختلفة. انه يتطلب أن يكون أي قرار لدى الناس الذين عليهم ترجمته إلى عمل بمثابة قرار منهم وإليهم. وهذا بدوره يعني أن عليهم أن يشاركوا في مسؤولية صنعه. وهم بالتأكيد لا يلزم أن يشاركوا في تحديد المشكلة. فأساساً لا يعرف المدير نفسه من ينبغي أن يشارك منهم حتى يكون قد أتم التحديد والتصنيف، وهو حينذاك فقط يعرف ما هو الأثر الذي سيتركه القرار وعلى من سيتركه. ومن ثم فإن المساهمة غير ضرورية - وفي المعتاد غير مرغوبة - في مرحلة تجميع المعلومات. غير أن الناس الذين عليهم أن ينفذوا القرار يلزم دوماً أن يشاركوا في إعداد البدائل. والواقع أن ذلك قد يحسن من نوعية القرار النهائي عن طريق كشف النقاط التي يكون المدير قد غفل عنها، وتحديد الصعوبات الخفية وبيان القوى والامكانات البشرية المتيسرة وغير المستخدمة.

و) نظراً لكون القرار يؤثر في عمل الناس الآخرين، فإنه يتوجب أن يساعد القرار هؤلاء على التوصل إلى أغراضهم، ومساعدتهم في عملهم، والإسهام في تحسين أدائهم بفاعلية أكثر وباحساس أكبر بالانجاز. ولا يجوز أن يأتي القرار مصمماً فقط لمساعدة المدير على القيام بعمله على نحو أفضل أو على القيام بمهمته بسهولة أكثر أو لكي يحصل منه على اكتفاء أعظم.

بعد ذلك انتهى «دركر» إلى تأكيد ما يلي:

-1 إن هناك الكثيرين من المديرين ممن يستخدمون طريقة صنع القرار استخداماً جيداً إلا أن قليلين منهم هم الذين يدركون بوعي ما يفعلون.

-2 إن هناك تطورين يجعلان من المهم أن يعي كل مدير عملية صنع القرار هما:

أ) مجموعة الأدوات الجديدة التي تساعد على صناعة القرار مما أصبح متوفراً، وهي أدوات قوية وقيمة ولكنها لا يمكن أن تستخدم إلا إذا فهم المدير أغراضها.

ب) كون التكنولوجيا الجديدة قد أخذت تحول التوازن بين القرارات التكتيكية والاستراتيجية. وأن كثيراً من القرارات التي كانت دوما تكتيكية إن لم تكن روتينية قد أصبحت قرارات استراتيجية تنطوي على درجة كبيرة من المستقبلية وعلى تأثير كبير واعتبارات نوعية عديدة. وبعبارة أخرى لقد أصبحت قرارات في مستوى عالٍ ولا يمكن صنعها بنجاح وفاعلية إن لم يعرف المدير ماذا عليه أن يفعل وكيف يفعله في نسق منتظم.

-3 إن هذه الأدوات هي في جوهرها أدوات معلومات ومعالجة للمعلومات وليست أدوات صناعة قرار، وهي كأدوات معلومات يمكن اعتبارها أفضل الموجود. وهذه الأدوات تثير السؤال عما هو أساس الظاهر وليس مجرد وصفها، كما أنها تركز على العمل مظهرة طرق العمل البديلة المتيسرة وما تشتمل عليه كل منها، لذا فإنها تيسر عمل القرارات بدرجة كبيرة من العقلانية في شأن ما قد يحمله المستقبل والمخاطر والاحتمالية، وهذا هو نوع المعلومات التي يحتاج إليها كل مدير لوضع أغراضه بحيث تسهم أكبر مساهمة في عمل مؤسسته، وفي تحكمه في نفسه.

-4 إن المدير قد لا يحتاج أن يكون قادراً على تشغيل هذه الأدوات بنفسه... ولكن من الضروري أن يفهمها، وأن يعرف متى يستدعي اختصاصيا لاستخدامها، وأن يعرف ما يطلبه من الاختصاصي. وفوق كل ذلك يجب عليه أن يفهم الطريقة الأساسية التي يشتمل عليها صنع القرار. حيث انه بدون هذا الفهم لن يقدر أبداً على استخدام هذه الأدوات الجديدة، أو أنه قد يغالي في تأكيد اسهامها وينظر إليها على انها المفتاح لحل المشكلات، ولا ينتج عن ذلك إلا إحلال للآلات (Gadgets) محل التفكير وإحلال للميكانيكا (Mechanics) محل الحصافة (Judgements). وبدلاً من أن يكون معاناً بالأدوات الجديدة، فإن المدير الذي لا يفهم صنع القرار كعملية تتطلب منه أن يحدد، ويحلل، ويرتئي، ويخاطر، ويقود إلى العمل الفعال يكون مثله «كمثل الحمار يحمل أسفاراً».

-5 إن المدير - مهما كانت مهمته أو مستواه - عليه أن يقوم بقرارات استراتيجية أكثر وأكثر. وستتناقص قدرته على اعتماد القرار الحدسي والتكتيكي الصحيح.

-6 إن المدير الذي بوسعه اليوم أن يواصل عمله دون أي معرفة بعملية صنع القرار أو أي تبصر فيها، سيكون لزاماً عليه في المستقبل أن يعرفها وأن يستوعبها وأن يحسن استخدامها.

هذا تلخيص لما أورده «دركر» في شأن عناصر صناعة القرار والقرارات الفعالة وصنع القرارات. ولا شك أن القارئ الحصيف المتأني في قراءته لهذه الدراسة قد كون لنفسه في ضوء ما لخصته مما بينه دركر ومما اقتبسته قبلاً مما أورده «ديل» في هذا الشأن صورة متكاملة لحقيقة وكنه عملية صناعة القرار بما تشتمل عليه عناصر صناعة القرار من مضمون وبما تتصف به القرارات الفعالة من سمات. ولقد تعمدت أن أولي هذا الموضوع جانباً كبيراً من هذه الدراسة لأن صناعة القرارات تمثل في حقيقتها «جوهر» عملية الإدارة.

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً