العدد 5103 - الجمعة 26 أغسطس 2016م الموافق 23 ذي القعدة 1437هـ

صناعة النُّورَة

أحد مواقع صناعة النُّورَة في عالي (Wheatcroft 1988)
أحد مواقع صناعة النُّورَة في عالي (Wheatcroft 1988)

النورة هي المسحوق الأبيض الناتج من عملية حرق حجر الجير (يتكوّن من كربونات الكالسيوم) وإطفائه بالماء حتى يتحوّل إلى مسحوق يستعمل كمونة في عملية البناء أو كطلاء للجدران. هذا، وقد اشتهرت النورة، أيضاً، عند العامة في البحرين باستخدامها في عملية إزالة الشَعْر بعد أن تُخلط مع الزرنيخ، كما اشتهرت النورة عند العرب بهذه الصفة أيضاً؛ فقد جاء في معجم «تاج العروس: «النُّورَة، بالضمّ: الهِناء، وهو من الحجر يُحرَق ويُسوَّى منه الكِلسُ ويُحلَق به شعرُ العانة. وانْتارَ الرجلُ وَتَنَوَّرَ وانْتَوَر، حكى الأوَّلَ ثعلبٌ وأنكر الثاني؛ وذكر الثلاثةَ ابنُ سِيده، إذا تَطَلَّى بها».

والبعض يعتقد أن النورة لوحدها هي التي تقوم بعمل إزالة الشعر، لكن في الواقع تكون المادة الفعالة لإزالة الشعر هي الزرنيخ، ومن هنا قالت العامة في أمثالها «الاسم للنورة والگص للزرنيخ»، والمثل يضرب في حال نسب العمل لغير فاعله الحقيقي.

وتعتبر صناعة النورة في البحرين من الصناعات القديمة، ويرجح أن هذه الصناعة كانت معروفة منذ حقب دلمون المبكرة (Killick 2005, p. 128). . هذا، ولا يوجد توثيق جيد لهذه الصناعة في البحرين، والتي اشتهر بها سكان قرية عالي، وكل ما عثرنا عليه حول هذه الصناعة في البحرين، مقال ورد في حساب شبكة قرية عالي على موقع الفيسبوك (www.facebook.com/aalinet)، كما تطرق لهذه الصناعة سلمان المحاري بصورة مختصرة، وذلك في كتابه «المواقع الأثرية في مملكة البحرين» (ص 95– 96). وسنلخص هنا أهم خطوات صناعة النورة.

جمع ورص الحجارة داخل الدوغة

تبدأ عملية صناعة النورة بجمع الحجارة (الحجر الجير)، وهذا النوع من الحجارة منتشر في مناطق محددة في البحرين، وتكثر في عوالي بالقرب من الصخير. بعد ذلك يتم رص هذه الحجارة داخل فرن خاص ليتم حرقها، وقد سبق أن ذكرنا في الحلقة السابقة أن الفرن الخاص لصناعة النورة يسمى «الدوغة». وتقسم الدوغة من الداخل إلى طابقين يفصل بينهما حاجز مصنوع من الصفائح الطينية، ويوجد بهذا الحاجز ثقوب تسمى السياسر.

تتم عملية رص الحجارة، بعد تكسيرها بأحجام مختلفة، داخل الطابق العلوي للدوغة بطريقة هرمية شبيهة بطريقة صف الجص الخام في الصيران؛ حيث تبدأ عملية الرص بصف الحجارة الكبيرة حول الثقوب، أي السياسر، على شكل هرمي حتى تصل إلى حافة الفرن العليا. بعد ذلك يتم رص الحجارة المتوسطة الحجم بين الأشكال الهرمية للحجارة الكبيرة، حتى تملأ الفراغات بينها. وبعده يتم تغطية الحجارة الكبيرة والمتوسطة بالحجارة الصغيرة، وذلك لمنع تسرب الحرارة من الفرن إلى الخارج بقدر الامكان.

عملية حرق الجير

يتم ملء الطابق الأسفل من الدوغة بالوقود، وهو عبارةٌ عن الحطب وقطع جذوع النخيل وغيرها من المخلفات القابلة للإشتعال. هذا، ويتم تزويد الدوغة بالوقود على فتراتٍ حتى تشتد، وعادة ما تستمر عملية الحرق ما بين 8 – 12 ساعة، وربما أكثر اعتماداً على الظروف. يذكر، أن حجر الجير يحتاج للحرق تحت درجة قد تصل إلى 1000 درجة مئوية، ولمدة تصل لعدة أيام متتالية (Wright 2005, p. 144)، بينما في البحرين، كما لاحظنا، لا تستمر عملية الحرق حتى يوماً واحداً.

يذكر، أنه في مناطق أخرى غير البحرين، على سبيل المثال في حضرموت في اليمن، يتم تحضير النورة وذلك بحرق حجر الجير في أفران تقليدية، تسمى الميفاء، وتستمر النار مشتعلةً لمدة يومين على الأقل. هذا، وتحسب فترة الحرق بنوبات العمل التي تسمى أوضاح، وكل وضح عبارة عن 12 ساعة (www.alshibami.net).

عملية إطفاء النورة ودقها

بعد التأكد من انتهاء عملية تحوّل الحجر الجيري داخل الدوغة، يتم التوقف عن ضخ الوقود في الدوغة، وتترك الأحجار داخل الدوغة لقرابة 24 ساعة حتى تبرد. بعد ذلك، تتم عملية إخراج الحجارة، والتي توضع في ساحة مخصصة لها، ويتم بعدها رشّ الحجارة بالماء حتى تطفى، ويبدأ بعضها بالتكسر والتحوّل إلى مسحوق. وبعدها، يتم دق أو طحن كِسر الحجارة المتبقية التي لم تتفتت، ومن ثم، يتم غربلة المسحوق الناتج، وهو النورة، والتي أصبحت، بعد الغربلة، جاهزة للتعبئة والتسويق على هيئة مسحوق أبيض.

الكيزان وصناعة النورة

تتكون الأصداف البحرية، بصفة خاصة، من مادة كربونات الكالسيوم، أي المكوّن الأساسي لحجر الجير؛ ولهذا السبب استخدمت الأصداف البحرية كبديل للحجر الجيري في تحضير النورة. للأسف، لا يوجد توثيق لتحضير النورة من الأصداف في البحرين، بينما في مناطق أخرى في الخليج العربي، كدولة الإمارات العربية المتحدة، تستخدم أنواع من الأصداف في تحضير نوع من النورة تسمى الهچ (الهك) (عن موقع شبكة تراث الإمارات أو النهام alnahaam.com).

هذا، وتستخدم القواقع البحرية المسماة بالكوز كمكوّن أساسي، في تحضير النورة. وتتم العملية على شاطئ البحر، حيث يتم جمع الأخشاب وصفها بصورة معينة وتوضع بعدها الكيزان، ومعها أيضاً أنواع أخرى من الأصداف البحرية من ذوات الفلقتين. وبعدها تشعل النار والتي تستمر فترةً طويلةً، ربما يوماً أو أكثر حتى تنصهر الكيزان، وبعدها يتم دق الكيزان حتى تتحوّل إلى مسحوق (alnahaam.com).





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً