العدد 5115 - الأربعاء 07 سبتمبر 2016م الموافق 05 ذي الحجة 1437هـ

في موسم الحج... إبراهيم كان أمّة

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

إبراهيم من صلى وطاف، إبراهيم من سعى وضحى، إبراهيم من رمى الشيطان بالجمرات، ابراهيم له خصوصية لا تضاهى في الحج وفقا للآية الكريمة: «فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا» آل عمران/97، ففي موسم الحج لا تفارقك ذكرى النبي إبراهيم (ع) فهي معك في كل ركن من أركان الحج، إبراهيم خليل الله، العبد الأواب، النبي الإمام الذي بحث عن ربه في آياته فوجده، كان مخلصا في عبادته، وكبيرا في تضحياته، فهو من أعلن الحجّ ابتداء لقوله تعالى «وأذن في الناس بالحج» الحج/27. ولكن لم كان الحج تعظيما لبطولات ابراهيم الخليل؟ قيل لأن لإبراهيم موقفين متميزين وهما: تحطيمه الأصنام بمفرده، إذ وقف لوحده امام تيار قوي كاسح، والثاني: همه بذبح ابنه على صغر سنه، وتقديمه قرباناً لله عز وجل، على الرغم من وسوسة الشيطان إليه بأنه يقدم على قتل ابنه. لذا استحق إبراهيم وصفه «إن إبراهيم كان أمة قانتا لله» النحل/120، ويشير الطباطبائي في تفسيره إلى أنه «كان أمة منحصرة فيه، اذ لم يكن على الأرض موحد يوحد الله غيره، فهو قائم مقام جماعة في عبادة الله نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة».

الأمة هي الجماعة من الناس، وأن يطلق على شخص واحد يعني أن همته همة جماعه، ومستوى حراكه حراك افراد مجتمعة، وأن مستوى التغيير الذي يحدثه يفوق قدرة النفس الواحدة، فهو يمتلك قدرة قوية وصلابة توازي الجبال شموخا وتحديا، فالأنبياء وحدهم هم أصحاب رسالة واجهوا امة ليغيروا معتقدها وتوجهها وفكرها بل حتى سلوكها الذي اعتادت عليه، وعانوا ما عانوا ولم يتوقفوا لحظة رغم العذاب والعناد والتضييق وردة الفعل الغاضبة، لكنهم مضوا في طريقهم، وعلى سيرتهم سار الحكماء والنبلاء وأصحاب القضايا المصيرية، فخلدهم التاريخ، فبم تميز هؤلاء عن غيرهم؟

تميزوا بأن لديهم قضية ذات فكر ايجابي لإنقاذ أمة، يؤمنون بالتغيير وأنه واقع لا محالة، فلذا لا يجد اليأس ولا القنوط طريقا لهم، هم شجعان لا يخافون ولا يتركون أمرهم بيد مخاوفهم لتتحكم بهم الهواجس، يخوضون المخاطر بعزم لا يلين، ليسوا مستبدين برأيهم بقدر ما يشاركون الآخرين رأيهم وهمومهم، فلا يستصغرون احدا، وفي المقابل لا يخشون أحدا مهما علا شأنه، متواصلون ومنفتحون مع الآخر ولو كان خصمهم، فالخصومة لديهم تكمن في الأفعال وليس في الشخوص، لذا فهم عقلاء يزنون الأمور، ويعرفون في كل موقف كيف يتصرفون، ومتى، ملتزمون بمبادئهم ولو كلفتهم حياتهم فهم أصحاب تضحية وإباء.

فعلو الهمّة هو الطريق نحو القمة، فالهمة وهو ما هم بالشيء على حد قول ابن منظور في لسان العرب: فهمَّ بالشيء نواه وأراده وعزم عليه، والهمة العالية: هي النية الصادقة، والعزيمة الجازمة والإرادة القوية الرفيعة. وفي هذا الصدد يذكر أن كافور الاخشيدي حاكم الدولة الاخشيدية في مصر (334 – 357ه) كان عبدا، جيء به الى مصر ليباع في سوق العبيد، وهناك التقى بعبد آخر فسأله عمن يتمنى ليباع له، فقال أتمنى أن أباع لطباخ، لآكل ما أشاء وأشبع بعد جوع، فرد كافور: أما أنا، فأتمنى أن أملك مصر كلها، لأحكم وأنهى، وآمر فأطاع. فبيع كافور لوالي مصر محمد بن طغج الإخشيد بثمانية عشر دينارا ليكون خادما له وبيع الاخر لطباخ، فأظهر كافور كفاءته فصار الخادم الخاص والوصي على أبناء الاخشيد، حتى أخذ حكم مصر لنفسه -وكانت أول حادثة من نوعها في التاريخ الإسلامي ان يصل خادم مملوك الى الحكم-، وبعد سنوات مر كافور بصاحبه فرآه طباخا، عندها التفت إلى أتباعه وقال: «لقد قعدت بهذا همته فكان ما ترون، وطارت بي همتي فصرت كما ترون».

فالهمة، هي الباعث على الفعل، فأصحاب الهمم ينجزون الكثير، والواجبات لديهم أكثر من الأوقات، فلا يضيعون العمر في أمور لاتسمن ولا تغني من جوع، فقد قيل لرجل ذي شأن عال: تعال اجلس في صدر المجلس، فقال صدر المجلس حيث أجلس، حيث يلتفت الجميع إليه، ويستمعون لحديثه، فصدق الإمام علي عليه السلام حين قال: «ما رام امرؤ شيئا إلا وصل إليه أو ما دونه».

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 5115 - الأربعاء 07 سبتمبر 2016م الموافق 05 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً