العدد 5124 - الجمعة 16 سبتمبر 2016م الموافق 14 ذي الحجة 1437هـ

الموسوي: آمنَّا بأن الثقافة أرض للمحبة والسلام

«وجود» مبادرة تسعى لتقديم المختلف المميز...

الكتاب الأول لـ «وجود»
الكتاب الأول لـ «وجود»

المنامة - سوسن دهنيم 

تحديث: 12 مايو 2017

«وجود»، كيان ثقافي أسَّسه أفراد آمنوا بالثقافة. آمنوا بالقدرة على العطاء، وبقدرتهم على تغيير الواقع نحو الأفضل. انطلقوا من إيمانهم بأنفسهم، وأثبتوا للجميع أن القطاع الأهلي قادر على خلق مشهد ثقافي قد لا يستطيع القطاع الرسمي إيجاده.

«الوسط» استضافت الكاتب البحريني عبدالعزيز الموسوي محرِّك هذا الكيان، رغبة في تسليط الضوء على المبادرات الشبابية الاستثنائية التي تميزت في السنوات الأخيرة. حول فكرة «وجود» وما إذا كانت بديلاً عن فكرة سابقة أسسها الموسوي مع زملاء له تحت مسمى المتكأ الثقافي يقول: «لأجيب على هذه النقطة صار من المُلحِّ التحدث بشكل واضح عن أسباب توقف (المتكأ)، المشروع الذي عملنا فيه وكأنه يستحيل عليه التوقف؛ لأننا وجدنا أن جهدنا فيه كان يستحق كل دقيقة من وقتنا، وكل فلس استقطعناه وخرج من محافظنا في سبيل طباعة إصدار أو إقامة فعالية. سبع سنوات والجهد الفردي يواصل عمله حتى أصبح أيقونة للعمل التطوعي الثقافي.

لكن لأي مدى يمكن أن يصمد أفراد ويضحوا بوقتهم وجهدهم ومالهم من أجل الآخرين؟ ثمة من تعب وانشغل بمتطلبات حياته الخاصة، إضافة إلى الضربة التقنية الموجعة في هجر المنتديات، لذا حين أصبح الوضع ساكناً، انتقلت بعملي ذاته لـ (وجود). ما أستطيع أن أقوله هو أن عملي هو عملي، وأفكاري ومشاريعي هي هي ذاتها التي أعمل عليها في (وجود)، بمعنى عملي في (وجود) هو امتداد لعملي في (متكأ)، لكن (وجود) مبادرة مستقلة قائمة بذاتها ولم تنشأ لأسباب غير التي ذكرت. هل ستصمد وجود؟ الإجابة محزنة لذلك نقول إن أمام كل مستحيل مئة ممكن ونحن نعمل على الممكنات. وما أقمناه في موسم واحد في مبادرة (وجود) من فعاليات فاق بكثير ما أقامه (المتكأ) في سبع سنوات مليئة بالإنجازات، لذا أستطيع القول مطمئنا إن (وجود) هي امتداد للرغبة في مواصلة العمل الثقافي بشكل مستقل وبالأهداف نفسها».

الحاجة إلى التعدُّد

ولا يخفى على أحد ما يعانيه الوسط الثقافي البحريني اليوم من تشظٍ وتفكك، ولهذا سألناه عن هذا التفكّك، وما إذا حان الوقت لنلم شمل هذه التجمعات الكثيرة التي ظهرت فيتوحد شمل الثقافة، لكن الموسوي كان يختلف معنا في ضرورة هذا التوحيد إذ قال: «خلال الست سنوات الأخيرة لاحظنا فعلاً قيام كيانات وتجمعات تطوعية، وأصبحت السمة الغالبة لهذه المبادرات هي التوقف، وما دامت هناك مبادرات أخرى تظهر بين الحين والآخر، فذلك يعني الحاجة الملحَّة لإيجاد مساحة حرة للتعبير عن مختلف الفنون والإبداعات. أغلب هذه الكيانات تتمنى ضمنياً أن تكون كياناً شاملاً لكل المبادرات، وهذا خطأ كلنا وقعنا فيه ذات حماسة بأن نكون جهة وقبلة واحدة. وجود هذا التعدد يمكن أن يخلق حالة صحية من المنافسة للبرامج والفعاليات التي تستحق، فلو افترضنا أنك تضمن مكانك وجمهورك فما الذي يحفزك على استقطاب جمهور ومبدعين للانخراط في جماعتك أو كيانك أو مشروعك، المهم فعلاً ألاَّ تكون هذه كيانات منغلقة على أطياف ومذاهب بل تؤسس ثقافياً وإبداعياً. إن القول بأن (الدكاكين الثقافية) التطوعية تخلق حالة من الفوضى وتشظى الجمهور والمبدع الذي هو بالأساس صغير على هذا الكم من المبادرات، هو كلام غير دقيق، فالجمهور يُخلق أيضاً تماماً كما يُحفّز ويُخلق المبدع. هناك مؤسسات استطاعت أن تخلق جمهورها وأخرى فشلت، على رغم كل ما تحظى به من دعم.

الركون إلى أن الجمهور الثقافي محدود وغير قابل للخلق أو الزيادة هو ركون لضعف الحيلة وضيق الأفق، على المؤسسات والمبادرات الثقافية أن تسأل نفسها: كيف نخلق جمهوراً؟ وستجد عشرات الأجوبة والمشاريع لتنفذها.

المشهد يتسع إذا ما كان الهدف من أي نشاط مؤسسي أو تطوعي هو الإضافة الجيدة لا الحروب الشخصية باسم الثقافة، لأن الثقافة ليست حرباً، إنها أرض للمحبة والسلام».

الكيانات الطيارة

وفي ظل تهميش واضح من قبل المؤسسات الحكومية للمبدع البحريني - إلا من رحم المزاج - سألنا الموسوي عمّا إذا كان القطاع الأهلي المتمثل في هذه الكيانات غير الرسمية قادراً اليوم على القيام بدور المؤسسات الرسمية المفترض فأجاب: «ظهور المبادرات والكيانات غير الرسمية له أسبابه كما ذكرت، وأهمها أن تجد وتخلق لنفسها موطئ قدم على المشهد، لأنه صار من الواضح عجز المؤسسات الرسمية المعنية عن احتواء وإنصاف الجميع، وهي بطبيعة الحال تعطي أولوية لمشاريع قد لا يكون من بينها أو على رأسها المبدع المحليّ. يمكن لمنتدى مثل (متكأ) أن يبرز الموهوبين ويدعمهم، لكن لتدعمك مؤسسة رسمية عليك أن تكافح وتثبت وجودك، فلن يكتشفك أحد، أعني من المؤسسات، ولن يعترفوا بوجودك إلا عندما تشق طريقك بنفسك. إن انتظار الدعم والعون في مثل هذه الحالات قد يعني أن تُطمس وتُنسى. لا يمكن للجهود الشخصية أن تقارن بإمكانيات المؤسسات، الجهود الفردية تحتاج إلى مساندة لتصمد، لذلك تنجز المبادرات و (الكيانات الطيارة) - كما يسميها الشاعر أحمد العجمي - ما تقوم به أفضل -أحياناً - من مشروع مؤسسة، لأنها تعمل عليه بإيمان وتقاتل من أجله بالممكنات المتاحة».

لم نلتفت للدقة المادية

مبادرة «وجود» ليست مجرد منصة للفعاليات، بل تعدَّت ذلك لتكون رافداً للمنتج المطبوع أيضا فأصدرت كتابين، عن هذا سألنا الموسوي فقال: «لو كانت (وجود) تحسبها بدقة مادية فعلاً - أعني كلفة كل شيء - فإنها لن تخطو أي خطوة. لذلك كان علينا الدخول بتحدٍ عند وضع مشروع ما أو فعالية والجري بالسرعة الممكنة، لكي ننتهي منها من غير أن نشعر فعلاً بكم الإرهاق، نستعين بالنجاح لأخذ أنفاسنا ونبدأ في كل مرة من جديد.

طبعا فيما يتعلق بالتمويل، هو جهد أفراد، لذا نعتمد على التعاون فيما أنجزنا من مطبوعات مع دار فراديس للنشر والتوزيع، ونحييّ فيها هذا الإيمان بما نقوم به من عمل، ونحاول أن يكون كل منجز قابلاً لأن يدعم نفسه، من خلال جودته وفرادة مضمونه. إن نجاح أي مشروع طباعة حتماً سيشجّع الآخرين بدعمنا والتعاون معنا في مشاريع قادمة. طبعاً لغاية الآن تم إنجاز كتابين الأول تضمن شهادات إبداعية في التجارب البحرينية بعنوان (موطئ وطن)، وللأسف تم تعليقه من قبل هيئة شئون الإعلام التي أتمنى فعلاً أن تعيد النظر في هذا المنجز المحلي المهم من باب تدعيم الجانب الإبداعي بعيداً عن أية مضامين تخرجه عن السياق الذي تم من أجله. وحالياً ننتظر الإصدار الثاني وهو بعنوان (خطاطيف) قصص قصيرة جدا - البحرين. ويأتي ضمن مبادرة (قصص قصيرة جداً- البحرين) والتي لاقت رواجاً ونجاحاً بفضل الكاتبة خديجة هارون التي تدير مجمل المبادرة وتنسق شئونها. هذا الإصدار يمثل أكثر من مئة كاتب وكاتبة من البحرين، يجرّبون في هذا الجنس الأدبي الحديث نسبياً، وهو ما يدعم أهلية المبدع البحريني لأن يكون في مصاف كل الدول التي تتقدم في هذا المجال».

وعن مدى خدمة الانترنت لهذه المبادرات، وخدمتها للنصوص اليوم يقول الموسوي: «نحن ندين لهذا المارد المسمى (نت). لقد سهّل وقرّب لنا ما لم يكن باليد، لا يمكن التعويل على كل المواقع في الإسهام بشكل جيد في تبيان المواهب مثلاً، لكن عندما تخصص حساباً لجنس أدبي معين كما في مبادرة ق. ق. ج تجد من السهولة تتبع المواهب ومراقبة تطورها، المواقع والحسابات التي تفرد بموضوعية مساحة لأجناس بعينها ممكن أن تخدم وكثيراً، لأنها مختصة ومرتبة بعيداً عن الشكل الفوضوي في الكثير من المواقع. شخصياً أجد أن التقنية خدمت النص وأخرجته من بين أغلفته وعبرت به إلى مواطن كان من الصعب عليه ولُوجَها. طبعاً هذا وجه واحد لما يمكن للتقنية أن تفعله سلباً وإيجاباً».

بدأت مبادرات (وجود) بالمنتج البحريني، واهتمت به كثيراً، ولكنها مؤخراً سعت إلى استضافة العربي أيضاً، ولهذا سألنا الموسوي عن هذه الاستضافات فأجاب: «في مبادرة القصة القصيرة جداً والتي نخصصها للبحرينيين، دائماً ما يتعرض المواهب والكتّاب للاستخفاف بنصوصهم، فجاءت فكرة التعريف بنتاجات الآخرين لهدف تعميق فهم القصة القصيرة جداً وتبيان مستوى الكتابات التي قد لا تختلف عن فهم الكاتب البحريني لهذا الجنس الأدبي مثار الإشكالات الكثيرة. في هذا الصدد أيضاً تعاونّا مع محكّمين لمسابقات القصة القصيرة جداً الدورية التي نقيمها وكان تعاوننا الأخير مع مختبر السرديات العماني الذين أدهشهم هذا الوعي بالكتابة والمستوى الجيد للكتّاب، أضافت لنا هذه الانفتاحات على الآخر فوائد على المستوى الشخصي والعام، الاشتباك مع تجارب الآخرين تختصر الكثير وهذا ما كنا نفعله أن تتسع الرؤية وتتعمق التجربة.

وأخيراً فإن هذه المبادرة وخلال السنتين التي هي عمر تجربتها الفعلية اتخذت من دار فراديس للنشر والتوزيع مقراً مؤقتاً لها وفق اتفاق ضمني بين الطرفين، وتضم حتى الآن مبادرتين الأولى معنية بالتعريف بالإصدارات والكتاب البحرينيين تحت مسمى «الرف البحريني» والمبادرة الثانية « قصص قصيرة جداً- البحرين»، إضافة إلى فعاليات متعدّدة خلقت لها جمهوراً نوعياً يسعى إلى المعرفة ويرغب في المشاركة».

عبدالعزيز الموسوي-خديجة هارون-أحمد العجمي
عبدالعزيز الموسوي-خديجة هارون-أحمد العجمي




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً