العدد 5124 - الجمعة 16 سبتمبر 2016م الموافق 14 ذي الحجة 1437هـ

مسرحية «قفص»: مونودرامات افتضاض المكبوت

جمانة حداد
جمانة حداد

عبدالله زهير-كاتب وشاعر بحريني 

تحديث: 12 مايو 2017

المونودراما كفن مسرحي قائم بذاته له جذوره في الثقافة اليونانية القديمة؛ حيث كان التمثيل المسرحيّ يعتمد في بداياته على ممثل واحد يؤدي الأدوار المختلفة (بخاصة دوري الإله والبطل)، قبل أن يأتي إسخيليوس ويدرك القصور الفني كما هو يرى، فقام بإضافة ممثلٍ ثان. إسخيليوس الذي سيبقى تأثيره ماثلا على المسرح الحديث حتى لحظتنا الراهنة. وليس مبالغةً القول بأن الفنون المسرحية برمتها امتداد لذلك الألق الأوليّ عند اليونانيين والأغريق.

دائماً أفكر: أحقاً، قبل أكثر من ألفين وخمسمئة سنة توجد كل هذه الفنون والآداب البالغة العمق؟ كان لديهم كل هذا الفن الباهر والأدب الرفيع، فأين هي البقع الجغرافية الأخرى؟ أقصد ما الذي كانت تفعله الحضارات الأخرى؟ هي مجرد تأملات تستبطن أسئلة متوقدة في الجوف.

في مسرحية «قفص» للشاعرة جمانة حداد، التي عُرضت في بيروت مؤخراً، نجد خمسة مونودرامات لنساء محتجزات: لمى «العانس»؛ زينة «المنقبة»؛ هبة «المومس»؛ يارا «المثلية»؛ وعبير «السمينة». التقليد الجديد في هذه المسرحية «الفاضحة»، أنها جاءت مقسمةً إلى نصفين، الأول باللهجة العامية اللبنانية والثاني مترجم إلى اللغة العربية الفصحى؛ ما يشير إلى قصدية كسر قفص اللغة وتابوهاتها الكلاسيكية، وتعميق الإحساس بأهمية اللهجات واستخدامها في الفنون والآداب في العالم العربي. بمعنى آخر، هي دعوة للتطهر والتحرر من عقد اللغة التي ماتزال مثار جدليات لا تنتهي. وهذه المسألة الشائكة ماتزال حاضرةً منذ أن بشّر سعيد عقل بنظرياته الطامحة إلى تخصيب اللهجات المحكية، مخترعاً لغة متكاملة الحروف والقواعد- أبجدية عقل اللاتينية؛ حيث تحتوي على 36حرفاً - تكتب بها الأشعار والنصوص والمقالات الصحافية وسواها. والسؤال هو: هل هذا العمل الفني «القفص» (أقصد المسرحية المكتوبة لا المعروضة) يحمل رؤية جديدة، سوى أنه يكشف مكنونات شخصيات مهمشة ومنبوذة داخل المجتمع، يستنطقها ويطلق لها حرية الفضفضة والتعبير؟ وما الذي يربط بين هذه الشخصيات الخمس في سردياتها المبعثرة والمشتتة، الشبيهة بعوالمها المندكة فيها منذ طفولتها البائسة من ضياع وفقدان للأمل والأمنيات والاستسلام للتراجيديا المتسلسلة اللامتناهية؟

واضحٌ تماماً ما يشير إليه النص المسرحي في العمق، تصريحاً وتلميحاً، إلى أن «الحالة القفصية» -إذا جاز لنا- هي شاملة وماثلة على الجميع. فقد تكرّر لفظ «القفص» عشرات المرات قبل أن تتوجه إلينا يارا المثلية -إحدى الشخصيات الخمس- بلا مواربة: «أنا في القفص، هي في القفص، أنتم في القفص، جميعنا في القفص. عدّدوا معي: قفص الجنس. قفص السياسة. قفص المال. قفص الحب. قفص التقاليد. قفص الكذب. قفص الخوف. قفص العيب. قفص اللغة... أقفاص داخل أقفاص وراء أقفاص، مرصوفة بلانهاية بين الرحم والنعش. ألَم يحن وقت خروجنا منها بعد»؟.

إذاً، جميعنا داخل هذه الأقفاص الحقيقية المتشابكة والمتناسلة بعضها ببعض؛ لكن الفرق أن هناك أقفاصاً لامرئيّة وربما هي مرئيّة تماماً ولا نريد أن نراها أو يراها أحد. وكل هذه الأقفاص حقيقية وليست متخيلة أبداً، مهما حاولنا إنكارها. مسرحية جمانة حداد محاولةٌ لتحفيز الوعي بهذه الحقيقة عبر مونودرامات متجاورة تفضح حيل تلك الأقفاص وتُعرّيها. إنه أشبه بصراخٍ مشحونٍ بالألم والسخط يروي قصص خمس نساء يحاولن أن يكشفن ويعرّين ذواتهنّ دون أن يضعن وصفة معلبةً أو حلولاً جاهزة، سوى الحرية المفتوحة الاحتمالات في اختيار طريقة الحياة والتفكير. كلّ واحدةٍ منهنّ تدخل في دهليز المونودراما الخاصة بها، والتي أغلبها تسير إلى الوراء زمنياً، وبشكل يكاد يكون شبيهاً بالأدب الفضائحي إلا قليلاً، وبطريقة مستفزة للذوق العام الذكوريّ غالباً؛ حيث إلقاء اللوم الأكبر على طغيانية الرجل وعقده الموغلة في وحل إهانة المرأة كمثلما تتردد هذه الثيمة لدى تيار نسويّ واسع.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:18 م

      هو مو بس الرجل يظلم المراة حتى المراة تظلم المراة وخصوصا العاهرة بس اكثر وحدة منبوذة العاهرة والمثلية

اقرأ ايضاً