العدد 5125 - السبت 17 سبتمبر 2016م الموافق 15 ذي الحجة 1437هـ

الرسالة التي أضعناها

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من التقاليد الجميلة التي عوّدتنا عليها بعض القنوات التلفزيونية العربية، ليلة العيد، إعادة عرض فيلم «الرسالة» التاريخي، الذي يتحدّث بلغةٍ حديثةٍ معاصرةٍ عن فجر الإسلام.

الفيلم أنتج في السبعينات، والمفارقة أنه كان يومها ممنوعاً في الكثير من البلاد العربية، التي تحرص هذه الأيام -والحمد لله- على إعادة عرضه سنوياً. ولأول مرةٍ جلست مؤخراً لمتابعته بعد ثلاثين عاماً، ودفعني تفاعلي إلى كتابة تعليقات مباشرة على «تويتر»، لأكتشف وجود هاشتاق عن الرسالة من دول عربية أخرى، جمع أصحابها مشاعر الحب والاشتياق.

الفيلم يغطي الرسالة منذ بزوغها حتى رحيل النبي المؤسّس (ص)، ويتضمن مشاهد ومفاهيم ولقطات تاريخية خلدتها الذاكرة، وتحتاج إلى استعادة واستذكار بعدما نسيناها أو نكاد. من ذلك ما خاطب به حمزة (رض) أبا الحكم: «باسلٌ ومغوارٌ أنت يا أبا جهل، كيف لا وأنت تقاتل رجالاً بلا سلاح»، فيردّ عليه: «لأنهم يظاهرون هذا السفيه»، فيجيبه: «ومن أسفه منكم وأنتم تحرمونه حق الكلام». ويخاطب عتاة مكة: «إن لم تؤمنوا فستقضي عليكم الآفات والحشرات». وفي حوارٍ آخر يكشف سبب تمسك قريشٍ بالأصنام: «إنه دين وتجارة يا عمّار».

لقد أبدع الفيلم في تقديم مشاهد تعذيب المسلمين على أيدي عتاة قريش، ووضع الصخور على أجسادهم العارية تحت أشعة الشمس، وأفظعها قتل سمية، بطعنها بالرمح في موضع الولادة. وهي مشاهد توضّح أن التعذيب الوحشي غائرٌ في ثقافتنا العربية منذ القدم، وآخر تجلياته ما تقوم به حركة «داعش» وأخواتها من فظائع وتنكيل وإجرام.

إحدى اللفتات الذكية التي أبرزها الفيلم، العلاقة مع النصارى، ففي الوقت الذي لجأ النبي (ص) إلى الطائف، قوبل بالسخرية والإهانة وإلقاء الحجارة، ولم يرأف بحاله إلا غلامٌ نصراني كان يعمل في حقل، وقدّم له عنقوداً من العنب، وسمعه يناجي ربه: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس...»، حتى ينتهي قائلاً: «إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي».

وفي المشهد الآخر، حين ضيّقت قريشٌ سبل الحياة على أتباعه وزادت من وتيرة اضطهادها، لم يجد من يتعاطف معهم في جزيرة العرب، فأمرهم بعبور البحر والهجرة إلى الحبشة، «حيث يوجد ملكٌ لا يُظلم عنده أحد»، أي شهادةٍ وقلادةٍ أعظم من هذه يمكن أن يُتوّج بها حاكمٌ عبر التاريخ؟ وهناك يستمع النجاشي إلى المحاورة بين المهاجرين ووفد قريش، الذي يحاول التشويش وتضليل الملك العادل، فيتلون عليه آياتٍ من سورة مريم: «وجعلني مباركاً أين ما كنتُ وأوصاني بالصلاةِ والزكاةِ ما دمتُ حياً»، حتى ترقرق الدمع في عيني النجاشي وقال: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاةٍ واحدة». إنها تذكيرٌ بوحدة الأديان التي نفتقرها في هذا الزمان.

مخرج الفيلم الكبير مصطفى العقاد رحمه الله، اعتمد على ما ألفه كبار الكتاب العرب، توفيق الحكيم وعبدالحميد جودة السحار وعبدالرحمن الشرقاوي، وشاركتْ فيه كوكبةٌ من أشهر الممثلين العرب الذين برزوا في منتصف السبعينات، واستطاعوا أن يقدّموا صورة بهيةً للدين الجديد، في اتساعه وبهائه ومبادئه الأممية، حيث التقى حول الرسالة سلمان الفارسي وصهيب الرومي وأبوذر الغفاري العربي وبلال الحبشي، الذي كان «عبداً» واختاره الرسول ليكون مؤذِّناً، يجتمع الصحابة من المهاجرين والأنصار على ندائه للصلاة.

في يوم بدر، حين جاءت قريش بخيلائها وغرورها، نادى الوليد: «يا محمد أخرج لنا نظراءنا من قريش»، فأخرج لهم من أهله من أرسلهم سريعاً إلى جهنم، حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، ولينكسر جيش قريش بعد مقتل شيبة وعتبة والوليد، لتستمر الحرب سجالاً في الأعوام المقبلة، حتى صلح الحديبية الذي أرسى عهداً من السلام لمدة عشرة أعوام. ورأى بعض المسلمين في الصلح انهزاماً واستسلاماً، بينما رآه من يتطلعون إلى المستقبل هدنةً يحتاجونها لنشر تعاليم الدين الجديد بين القبائل العربية.

بعد عودته من الحديبية بدأ الرسول بالتطلع إلى خارج جزيرة العرب، ومراسلة ملوك العالم القديم، هرقل عظيم الروم وكسرى ملك فارس ونجاشي الحبشة ومقوقس مصر، وكان لنا نحن سكان هذه المنطقة من العالم، شرف تلقي المنذر بن ساوى رسالةً دعانا فيها (ص) إلى الإسلام فأجبنا طائعين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5125 - السبت 17 سبتمبر 2016م الموافق 15 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 32 | 1:29 م

      ذكرتني.. بزاقعنا.. كأن التاريخ يعيد نفسه. أحسنت سيدنا

    • زائر 30 | 10:13 ص

      وكان لنا نحن سكان هذه المنطقة من العالم، شرف تلقي المنذر بن ساوى رسالةً دعانا فيها (ص) إلى الإسلام فأجبنا طائعين.
      مع ذلك هناك من يتهمنا اليوم في ديننا ويصفنا بالمجوس والمشركين

    • زائر 29 | 10:07 ص

      لقطات بديعة
      من ذلك ما خاطب به حمزة (رض) أبا الحكم: «باسلٌ ومغوارٌ أنت يا أبا جهل، كيف لا وأنت تقاتل رجالاً بلا سلاح»، فيردّ عليه: «لأنهم يظاهرون هذا السفيه»، فيجيبه: «ومن أسفه منكم وأنتم تحرمونه حق الكلام». ويخاطب عتاة مكة: «إن لم تؤمنوا فستقضي عليكم الآفات والحشرات». وفي حوارٍ آخر يكشف سبب تمسك قريشٍ بالأصنام: «إنه دين وتجارة يا عمّار».

    • زائر 27 | 5:47 ص

      شكرا سيدنه \\فى هاده الزمن تركو النبي \\ص\\ واحاديثه ونصائحه واتخدو الغرب

    • زائر 21 | 2:43 ص

      الحمد لله

    • زائر 18 | 2:11 ص

      الى الزائر3
      انت ممن ينطبق عليك كلام الكاتب بالضبط
      من الذين اضاعوا الرسالة وشغلتهم هي التشويش والتضليل.
      داعش راح تنتهي

    • زائر 24 زائر 18 | 4:17 ص

      الاخوة الاسلامية الانسانية المفقودة

      المشكلة انهم ينسون او قل يتجاهلون اخوانهم الفلسطينين وما عمل بهم الصهاينة وكانهم ليس اخوتهم في الدين والعقيدة والانسانية ويقفوون ويتناسون آلامهم وجراحاتهم ولا يذكرون الصهاينة ببنت شفة ما ادري ما السبب وما علاقتهم بهم ؟؟؟ ابدا لا يذكرونهم بشر وبالمقابل ينسون كل ما قدمه اخوانهم للفلسطينين ويذكرون النقطة والجزئية التي يركز عليها الاعداء للتفريق وتمزيق الامة .
      للاسف على هذه العقول التي تخدم الاعداء وتضر بالاخوة الاسلامية الانسانية ؟!!!

    • زائر 15 | 1:09 ص

      قال تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) حتمية انقلاب الامّة على اعقابها تؤكده السنة النبوية (لتحذونّ امتي حذو بني اسرائيل الخ ... ) مع احاديث اخرى يتضح فيها ارتداد الامة على اعقابها القهقرة

    • زائر 11 | 12:50 ص

      للأسف هناك من يعمل على سلخ الأمّة من واقعها الاسلامي، أو بصورة أفضل سلخ الإسلام المحمدي الاصيل واستبداله بإسلام آخر لا يمتّ لحقيقة الدين الاسلامي بشيء، وهذا ما يقوم البعض من الترويج له والعمل عليه.
      ونحمد الله ان هناك من الأمّة من استفاق مؤخرا ومتأخرا وانتبه لذلك حتى لو بعد ان دخلت الأمّة في زواريب الانحراف

    • زائر 5 | 12:24 ص

      رحمك الله يا جدنا يا منذر بن ساوى فقد اخترت الطريق الصحيح ولم تشغل اعمامنا بالتفاهات فقد كنت موفقا في اتباع الدين المحمدي وجعلت البحرين ارض انفالا لا يمكن لها ان تتراجع منذ اليوم الاول لدخولها الاسلام عن هذا الدين ولا يخالجني الشك انه كان لك بطانة صالحة من الاعمام في هَجر والخِط وقَطر و أوال

    • زائر 9 زائر 5 | 12:45 ص

      بالفعل الوصول لله دون حسابات خاطئة تجعل البلاد والعباد ينعمون بالراحة والإطمئنان .. ومن هنا مدح نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المدينة والبحرين واليمن شكرا لأبائنا

    • زائر 3 | 11:39 م

      لاداعي لمشاهدة فيلم الرسالة لتستمتع بمشاهد التعذيب والتنكيل بالمسلمين علي أيدي أعدائهم فقط انظر الي الصور المسربة من سجون المجرم بشار لتنفتح أساريرك الجميلة أو قم بزيارة أحد سجون الملالي في إيران والعراق لتزيد سعادة علي سعادة وتستمتع بأعيادك وفي غير الاعياد .

    • زائر 6 زائر 3 | 12:33 ص

      اخي .. اذا تريد فتح التشابه في ما كتبت . .. فالجميع يستطيع تسطير الاف الكلمات عن دول ووو .. رحم الله والديك الموضوع يستحق تعليق افضل

    • زائر 7 زائر 3 | 12:39 ص

      رد في غير موقعه

    • زائر 8 زائر 3 | 12:40 ص

      اتوقع ان هذا الرد متأثرا باهواء وتقلبات سياسية لا تمت للفيلم ورسالته بصلة

    • زائر 14 زائر 3 | 1:00 ص

      لو قرأت المقال بتمعن لرأيت أنه يتحدث عما كتبته...أقرا تعليقك مرة أخرى لتكتشف ما أضعته...

    • زائر 17 زائر 14 | 1:48 ص

      لا .. انت مخطئ .. إن اردت الصواب .. فالواقع قريبا منك .. لكنك تركته وتركت توصيفه وذهبت بعيدا

    • زائر 2 | 10:32 م

      أين تاريخنا القديم عن الجديد وما الفارق

    • زائر 1 | 10:05 م

      الحمد لله الذي هدانا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله
      وشكرا لك اخي العزيز قاسم حسين

اقرأ ايضاً