العدد 5128 - الثلثاء 20 سبتمبر 2016م الموافق 18 ذي الحجة 1437هـ

الجدل بين التطور والخلق المباشر من جوانب متعدِّدة

«التطوّر ضد الخلقويّة» للكاتبة إيوجين سكوت...

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

المنامة - محمد عبدالله عبدالرسول 

تحديث: 12 مايو 2017

في الوقت الذي يتصاعد فيه الجدل داخل وخارج أميركا حول تدريس «نظرية التطور» و «التصميم الذكي»، قررت المتخصصة في علم الإنسان الحيوي ورئيسة المركز الوطني لتعليم العلوم إيوجين سكوت، أن تكتب كتاباً يكون مرجعاً لكل من يريد معرفة هذا الموضوع من مختلف النواحي. «التطور ضد الخلقوية: مقدمة» كتاب متوسط الحجم (300 صفحة)، إلا أن محتواه كبير جداً، فهو ينظر إلى هذه القضية من نواحٍ تاريخية، سياسية، قانونية، دينية، علمية وتعليمية ويقدم ذلك بأسلوب مبسّط يفهمه القارئ العادي. يبرز الكتاب وجهتي النظر ويعرض كلاً منها من مصادرها، حيث تواصلت الكاتبة مع مجموعة كبيرة من الباحثين من أجل السماح لها باقتباس مقالاتهم أو أجزاء من كتبهم بشكل كامل.

منذ البداية تؤكد الكاتبة على أن هذا الجدل ليس على مستوى المجتمع العلمي الذي يؤكد حدوث التطوّر (وإن اختلف حول آلياته وبعض الأمور التفصيلية)، ولكنه جدل على مستوى اجتماعي، حيث ينقسم المجتمع الأميركي بنسبة متساوية تقريباً بين قبول النظرية ورفضها. تذكر الكاتبة بعد ذلك أعمدة الخلقوية الثلاثة التي تنضوي تحتها كل احتجاجات مؤيديها تقريباً وهي: التشكيك في نظرية التطوّر علمياً، اعتبارها متعارضة مع الدِّين، والمطالبة بالموازنة في تدريس نظرية التطور والخلقوية (بمختلف مسمياتها).

تطرح بعد ذلك مقدمة فلسفية تتناول فيها نظرية المعرفة بشكل سريع قبل أن تركز على فلسفة العلم وآلياته وطبيعته التي يمكن تلخيصها في أربع كلمات «العلم حقيقة بلا يقين». إحدى أهم النقاط التي تذكرها الكاتبة هي تصحيح الفهم الخاطئ المنتشر لمعنى النظرية العلمية ومساواتها مع الفرضية والتخمين، حيث تشرح هذا المفهوم ومفاهيم علمية أخرى وتبيّن خطأ اعتبار النظريات العلمية حقائق لم تثبت بعد أو لم ترتقِ إلى مستوى الحقيقة. تقسم الكاتبة العلم إلى ثلاثة أقسام: الأفكار الأساسية، الأفكار قيد التداول، والأفكار المتطرفة ومن ثم تقسّم نظرية التطور إلى ثلاثة أقسام كذلك: السلف المشترك، آليات التطور، ونمط التطور وتطرح الآليات التي يمكن وفقاً لها اختبار كل من هذه الأمور. ويتم مقارنة هذا مع الخلق المباشر ومدى إمكانية إخضاع هذه الفكرة للاختبار العلمي.

النظرية والتباساتها

في الفصل التالي تشرح نظرية التطور وآلياتها مع توضيح بعض الالتباسات الموجودة حولها مثل اعتقاد الكثيرين بأنها تقول بتطور الإنسان من الشمبانزي أو أنها تشمل أصل الحياة وظهورها. ثم تنتقل إلى العلاقة بين العلم والدين وتوضّح اختصاص العلم بالأمور المادية فقط وعدم قدرته على التعاطي مع الأمور فوق المادية والأخلاقية التي هي من اختصاص الدين. لتباشر بعد ذلك تقديم الخلقوية وشرح أنواعها المختلفة وتطرح قضية تأويل النصوص الدينية. تتوزع الخلقوية في طيف من المعتقدات الدينية المختلفة، يبدأ هذا الطيف من الإيمان بسطحية الأرض في أقصى الطرف إلى الإيمان بالخلق عن طريق التطور في الطرف الآخر.

وتستعرض الكاتبة تاريخ الجدل بين التطور والخلقوية ما قبل داروين حتى مطلع القرن العشرين، فتذكر أفكار أفلاطون وأرسطو والأفكار المسيحية ومن ثم أفكار مفكري وعلماء عصر التنوير وصولاً إلى داروين ورد الفعل الدينية على نظرية التطور، والتي لم تكن واحدة، بل انقسمت بين القبول والرفض وما بينهما. وينتقل تركيز الكاتبة بعد ذلك إلى الولايات المتحدة وظهور الحركة المعادية للتطور فيها والتي ارتبطت بالأصولية المسيحية والفهم الحرفي لنصوص الكتاب المقدس. وتذكر الكاتبة تاريخ وأحداث «محاكمة سكوبس» في ولاية تينيسي التي حدثت في العام 1925 عندما حظرت هذه الولاية تدريس نظرية التطور. في النصف الأول من القرن العشرين حظرت معظم الولايات في أميركا تدريس نظرية التطور أو على الأقل قللت من شأنها، ولكن بعد نجاح الاتحاد السوفييتي في إرسال قمر اصطناعي للفضاء أحس الأميركيون بأهمية العلم، فقامت المؤسسة الوطنية للعلوم بنشر مناهج تشمل نظرية التطور وتبنتها معظم المدارس الأميركية.

التصميم الذكي

هنا بدأت جولة جديدة من الصراع، فبعد انتهاء مرحلة حظر تعليم التطور، خصوصاً مع حكم المحكمة الأميركية العليا في العام 1968، أصبحت الإستراتيجية الجديدة للخلقويين هي طلب تعليم الخلق المباشر كنظرية مقابلة للتطور. ولأن تدريس الأفكار الدينية في المدارس العامة محظور وفقاً للدستور العلماني لأميركا، فقد سعى هؤلاء لإظهار الفكرة بمظهر النظرية العلمية، فأسموها «علوم الخلق» في مرحلة أولى، ولما حكمت المحكمة العليا الأميركية بأن هذه الفكرة دينية تم تغيير المصطلح إلى «التصميم الذكي» مع وجود المضمون ذاته تقريباً، ولذلك صدر حكم قضائي جديد ضد تدريس هذه الفكرة أيضاً. أما الإستراتيجية الحالية فهي محاولة إدخال مواد في الكتب العلمية تشكك في نظرية التطور تحت تسميات من قبيل «تحليل التطور بشكل نقدي» أو «الأدلة مع وضد التطور» أو «نقاط القوة والضعف» أو «التطور نظرية وليس حقيقة» وغيرها. تذهب الكاتبة بعد ذلك في شرح تحليلي لسبب رفض القضاء تدريس «التصميم الذكي» في المدارس الحكومية ولماذا اعتبرته إحدى المحاكم علماً زائفاً وتوقعاتها حول مستقبل الصراع القضائي حول هذا الموضوع.

وفي القسم الأخير تضع الكاتبة اقتباسات مطولة من كتب ومقالات لكل من طرفي الجدل حول مواضيع مختلفة متعلقة بالتطور كالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، التأريخ الإشعاعي، المبدأ الأنثروبولوجي، الثغرات في السجل الأحفوري، الانفجار الكمبري، التطور الصغروي والكبروي، الانتقاء الطبيعي وغيرها من المواضيع التي ستكون بلا شك مثيرة للمهتمين بهذا الجدل. تختم الكاتبة بذكر عدد كبير من المصادر الخارجية حول كل من فصول الكتاب الأربعة عشر لمن أراد التوسع في البحث.

بشكل عام الكتاب سلس وسهل الفهم ويحتوي الكثير من الأمثلة التي تبسط الأفكار. وفّقت الكاتبة إلى حد كبير في ترتيب الفصول، وخاصة من حيث وضع الفصل حول فلسفة العلم في البداية، حيث إن هو ضروري لكل من يريد فهم النظريات العلمية بما فيها التطور. اقتباس الكاتبة من طرفي الجدل زاد في موضوعيتها، حيث إنها لا تفرض وجهة نظر معينة، بل تشرح الوقائع بشكل دقيق وتنقل وجهتي النظر ومن ثم تترك الحكم للقارئ.

إيوجين سكوت
إيوجين سكوت




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً