العدد 5 - الثلثاء 10 سبتمبر 2002م الموافق 03 رجب 1423هـ

«أيلول الأسود» الأميركي يزج الاقتصاد العالمي في كسادٍ طويل

الوسط - عبدالحميد عبدالغفار 

10 سبتمبر 2002

حضَّت الأديان السماوية على نبذ الأعمال الوحشية التي تمسُّ أمن الناس وأرواحهم، لذلك يُعَدُّ الهجوم على مبنى مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر/ أيلول جريمة وعملا إرهابيا فضيعا. إن قراءة أحداث سبتمبر تقول ان سيناريو ضرب البنتاجون (مبنى وزارة الدفاع) الذي يمثل رمز القوة العسكرية الأميركية، لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال أمرا عاديا. أما الهجوم على مركز التجارة العالمي، رمز الاقتصاد الأميركي، فهو يعد طعنا في كرامة الدولة العظمى الوحيدة في العالم، ثم ان الهجوم أتى في أسوأ توقيت، حيث كان الاقتصاد الأميركي قبل الثلثاء الأسود يئن تحت حال من الركود الاقتصادي، وقد أتى الهجوم في التوقيت الذي يعزز القناعة بأن أمد الركود سوف لن يكون قصيرا، وهذا ما تؤكده المشاهدات الراهنة. كان الاقتصاد الأميركي يعاني بطئا في النمو قبل 11 سبتمبر، ووفقاً للنتائج التي توصل إليها مكتب الأبحاث الاقتصادية القومي الأميركي فإن أحداث 11 سبتمبر لم تؤد إلى الركود، وإنما تسببت في تفاقم المشكلة. حيث دخل الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود خلال شهر مارس/ آذار 2001 بعد مرور فترتين ربع سنويتين متتاليتين شهدتا انخفاضاً في الإنتاج المحلي الإجمالي، وقد وضع ذلك حداً لأطول فترة نمو لاقتصاد الولايات المتحدة الأميركية. لقد كان القلق سائدا مع بدء الانكماش في الإنتاج الصناعي قبل أحد عشر شهرا من الاعتداءات على مركز التجارة العالمي، في علامة على استمرار الركود في قطاع الصناعات التحويلية. وبالنسبة إلى إنتاج المناجم والمرافق الحكومية فقد هبط في أغسطس/ آب بنسبة 0,8٪، فيما هبطت الطاقة الإنتاجية للشركات إلى 76,2٪، وهو أدنى مستوى تبلغه منذ سنوات عديدة. أما النمو الاقتصادي بوجه عام، فلم يتجاوز 0,2٪ في الربع الثاني من العام 2001. كان الاقتصاد الأميركي وأسواق المال العالمية قبل 11 سبتمبر في وضع صعب، حيث شهدت تعاملات أسواق المال العالمية خلال الأسبوع المنتهي في 7 سبتمبر 2001 حركة تداولات ضعيفة، سجلت خلاله البورصات الأوروبية والأميركية واليابانية خسائر لم تشهدها منذ أكتوبر 1998، وسط تدافع المستثمرين على بيع ما لديهم من أسهم، من دون أن تلوح في الأفق علامات تنبئ بتصحيح الأوضاع. أما بصدد بيانات العمالة الأميركية، فقد قال بوش نفسه عنها «إن أرقامها انعكاس لما أراه بنفسي وأنا أطوف البلاد. فهناك الكثيرون الذين يفقدون وظائفهم نتيجة البطء الاقتصادي»، وقد كانت بيانات العمالة قبل الثلثاء عاملاً أساسيا في إغلاق البورصات الأوروبية والأميركية على هبوط حاد، تواصلت فيه خسائرها، وكان لهذا أثره السيئ على الدولار، إذ تراجع أمام الإسترليني واليورو بشكل كبير، حيث سجل الإسترليني أعلى مستوى له أمام الدولار في ستة أشهر، كما هوى الدولار كذلك أمام اليورو. الوضع الاقتصادي بعد 11 سبتمبر 2001 تركت الهجمات أثرا مباشراً وغائراً في الاقتصاد الأميركي، فانهارت الثقة، وارتفع معدل البطالة، وتراجع الإنتاج. أما مؤشر ثقة المستهلك فقد انخفض بشكل كبير، حيث تدهور مؤشر ثقة المستهلك من 85,3 نقطة في أكتوبر/ تشرين الاول إلى 82,2 في نوفمبر/ تشرين الثاني. وتوقع المحللون الأميركيون أن تظل آثار الهجمات حاضرة إلى أمد بعيد، وخصوصا أن الركود سيستمر طويلاً وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. أسواق المال العالمية غدت الهجمات على مركز التجارة العالمي مفصلاً في التاريخ الحديث، بل تعدت أثر حوادث تاريخية عكَّرَتْ الأمن العالمي في أوقات متباعدة، كقصف بيرل هاربير في العام 1941، والحرب الكـوريـة فـي الخمسـينات (1950)، وأزمـة الصــواريخ علـى الأراضي الكوبية في الستينات (1963)، والقصف الأميركي لهانوي وكمبوديا في السبعينات، وغزو أميركا لغرينادا في الثمانينات (1985)، وحرب الخليج الثانية في التسعينات. الملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا، هي وجود ضلع لأميركا في جميع تلك الحوادث، هذا أولا، وثانيا ان الأثر الفوري لجميع تلك الحوادث كان أقل عمقا على مؤشرات أسواق العالم من أثر اعتداءات 11 سبتمبر، على رغم خطورة بعضها، والتي كادت بالفعل تشعل فتيل حرب كونية ذرية، كأزمة الصواريخ في عهدي جون كينيدي ونيكيتا خروشوف. إن كل الحوادث التاريخية التي عبرت عن توترات أمنية، كان خلالها مؤشر داوجونز سريع الاستجابة للهجمات. فبالنظر إلى عملية بيرل هاربير مثلا، والقول لشبكة CNN (تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي) كانت النتيجة الفورية على داوجونز انخفاض مؤشره بـ 6,5٪، في حين كان الانخفاض بـ 12٪ إثر نشوب الحرب الكورية، بينما انخفض بـ 9,4٪ إثر أزمة الصواريخ، وبـ 14,4٪ اثر القصف الأميركي لكمبوديا، و2,7٪ اثر غزو أميركا لغرينادا، و4,3٪ اثر حرب الخليج الثانية. المهم هنا أن المشاهدة أكدت أن مرور شهر واحد كان كفيلا باستقامة المؤشر في كل الحوادث المذكورة أعلاه، حيث ارتفع بعد شهر واحد فقط من قصف بيرل هاربير ليبلغ 3,8٪ مقارنة بما كان عليه قبيل القصف، وليرتفع إلى 9,1٪ بعد شهر واحد من بداية الحرب الكورية، وبـ 15,1٪ في أزمة الصواريخ، و9,9٪ في قصف كمبوديا، و3,9٪ في غزو غرينادا، و17٪ في حرب الخليج. وما يقال عن مدة الشهر اللاحقة للحادث، يقال أيضا عن مدتي الثلاثة الأشهر والستة الأشهر اللاحقة للحادث. ومنه نستنتج ان مؤشر داوجونز يتأثر سريعا بالحادث في الأيام الأولى للواقعة فقط، إلا انه سرعان ما يعود ليرتهن بالحال العامة للوضعين السياسي والاقتصادي، الداخلي والخارجي، وهو يتضمن حزما من المتغيرات الأخرى، ليست بالضرورة وثيقة الصلة مباشرة بالحدث الأمني. بمعنى أن الموجات المرتدة بسبب الحدث الأمني الطارئ، سرعان ما تمتصها متغيرات أخرى، ربما كانت اكثر أهمية، لتقود هي (مفردة أو ككتلة) قاطرة التأثير في المؤشر. ويصعب في الواقع تحديد متغيرات بعينها لكل الحوادث المتباينة زمنيا ومكانيا، كما يصعب وضع ترتيب يعكس الوزن النسبي للمتغيرات المؤثرة، حيث لابد أن تحتسب المتغيرات المؤثرة في كل أزمة في سياق محدداتها، بجانب العوامل المؤثرة فيها. وعليه، فلابد من تناول كل حادث بالتحليل في إطار يتسع لعدد كاف من المتغيرات السياسية والاقتصادية المتزامنة مع ذلك الفعل العسكري. أما بصدد التقلبات العنيفة التي سادت أسواق المال بعد الثلثاء، والتي شبهها البعض بـ «فقدان الاتجاه» أو الترنح، فهي متوقعة إثر عملية كهذه، فقد أغلقت سوق وول استريت، وارتفع الذهب من 237 دولاراً للأونصة، إلى 279 دولاراً للأونصة، أي بنسبة 17,7٪. إلا أن هذا التغير الدراماتيكي خفت حدته، حيث انخفض صباح اليوم التالي مع البدء في استيعاب الحدث والتنبؤ بردود أفعاله. بيد أن الأثر الحقيقي للاعتداء على مركز التجارة لم يكن بالإمكان رصده فورا على أسواق المال العالمية، وذلك بسبب إقفال السوق، حيث أُقْفِلَتْ البورصة بعد العملية مباشرة، وهذا ما لم يحدث إطلاقا من قبل، تبعته إجازة الأسبوع. وبهذا لم تفتتح السوق إلا يوم 17 سبتمبر، مما فرمل ردة الفعل الفورية، وأعطى المتعاملين وقتا كافيا للتريث في اتخاذ القرار. وعلى رغم ذلك يمكن القول إن تراجع مؤشر داوجونز بعد العملية بلغ مبلغا لم يبلغه من قبل، حيث بلغ 9605,51 نقاط قبل الثلثاء ، بينما تراجع إلى 8920,7 نقطة يوم الاثنين 17 سبتمبر، مسجلا هبوطا بنسبة 7,13٪، ثم هوى إلى 8235,81 نقطة في 21 سبتمبر، مسجلا هبوطا بنسبة 14,26٪ مقارنة بما كان عليه قبل العملية (الاثنين 10 سبتمبر)، ولم يبدأ في الارتفاع مجددا في 27 سبتمبر. أما مؤشر ستاندرد أند بورز «Standard & Poors» فقد أنهى العام بانخفاض 13٪ إلا أن هذه النسبة تزيد بنسبة 20٪ على ما كانت عليه في 21 سبتمبر. أما مؤشر ناسداك (NASDAپ) فقد كان أداؤه أسوأ، حيث أقفل عند 1950,4 نقطة منخفضاً بنسبة 21,1٪ وكان قد حقق خسارة بنسبة 39,3٪ خلال العام 2000. الموجات المرتدة لقد جر الاقتصاد الأميركي وراءه الاقتصاد العالمي إلى مرحلة انكماش، كونه يمثل قوة الجذب الجبارة بين قوى جذب اقل شأنا في الاقتصاد العالمي. وقد بدأ المحللون قبل الهجمات على نيويورك وواشنطن يبدون قلقا كبيرا من حال الانكماش التي بدأت معالمها تتضح على الاقتصاد الأميركي، من خلال رصد كل من الإنتاج والأجور والأسعار والبطالة. ولمواجهة ذلك قام بنك الاحتياطي الفدرالي بتخفيض سعر الفائدة 11 مرة خلال العام 2001 ، حتى وصل إلى نسبة 1,75٪ وهي النسبة الأقل خلال فترة الأعوام الأربعون الماضية. لهذا ليس من المغالاة في شيء القول ان العام 2001 سوف لن ينسى، ففيه تلقى الاقتصاد العالمي أكبر نكسة مؤثرة، حيث لم يتخط نمو الناتج العالمي 1,3٪ مقارنة بـ 4٪ في العام 2000. وقد تأثر أداء الاقتصاد العالمي بحال التراجع والركود في السوق الأميركية، حيث تباطأ الإنتاج الصناعي، وتم إلغاء آلاف الوظائف، وتدهورت أسعار اسهم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وسرعان ما انتقل التباطؤ الاقتصادي إلى جميع ارجاء العالم، فتراجعت اقتصادات أميركا وأوروبا واليابان، كبرى اقتصادات العالم، تراجعا لم تبلغه منذ العام 1974، مما أسهم في تثبيت حال الركود في الاقتصاد العالمي. أما حركة التجارة الدولية فتراجعت للمرة الأولى منذ عقدين إلى 1٪ مقارنة بـ 12٪ في العام 2000. الأمر الذي قاد إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وتدني حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في غالبية الدول النامية. غالبية دول العالم تضررت من حوادث سبتمبر، حيث سجلت نموا اقل مما كان عليه في العام 2000، فدول شرق وجنوب شرق آسيا سجلت تراجعا أعادها إلى ما كانت عليه اثر اندلاع الأزمة الآسيوية (1997 - 1998). أما غالبية الدول النامية، فيرجح أنها لن تتمكن من العودة إلى معدلات نموها السابقة في المدى القريب. تجدر الإشارة إلى أن احتياطي معلومات الطوارئ الذي تحتفظ به الشركات المالية العاملة في مركز التجارة لعب دورا مهما في فرملة (كبح) حدة التأثيرات الاقتصادية، وربما أعطى هذا درسا عن أهمية إعادة الهيكلة في الأسواق المالية، باعتبارها حصانة مهمة تحول دون تعطيل العمليات المالية لفترة طويلة، وإن كانت خسارة الكوادر والكفاءات والعقول العاملة في مركز التجارة لحظة انهياره تعد خسارة فادحة وفق المعايير كافة. أوروبا حيث إن الاقتصاد الأميركي في ضخامته يعد قاطرة اقتصادات العالم، باستحواذه على قرابة 23٪ من حجم الاقتصاد العالمي، فقد كان متوقعا أن تعم حال الكساد الاقتصادات الكبرى اثر الاعتداءات. وبالفعل أثرت حوادث سبتمبر على الاقتصاد العالمي، وبدأت معها مظاهر ضعف، وخصوصاً في اقتصادات الدول الكبرى، مثل أوروبا واليابان. كما أن تلك الحوادث كان أثرها مباشرا على مستويات الثقة لدى المستهلكين والمستثمرين. عانى الاقتصاد الألماني الذي يعتبر ثالث أكبر اقتصاد من حال ركود الاقتصاد الأميركي، نظرا إلى اعتماد صادراته بشكل كبير على الولايات المتحدة، وقد انعكس ذلك على مؤشرات الأسهم الألمانية، حيث أقفل مؤشر داكس (Dax ) عند 5160,1 نقطة، منخفضاً بنسبة 20٪ تقريباً عما كان عليه في بداية العام. وقد أثر ذلك بدرجة كبيرة على الأداء الاقتصادي لمنطقة اليورو خلال العام 2001، حيث يساهم الاقتصاد الألماني بنسبة 35٪ من الناتج الاقتصادي لهذه المنطقة. وقد تراجع معدل النمو في الناتج القومي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي بدرجة كبيرة خلال العام 2001، مما دفع البنك المركزي الأوروبي إلى خفض معدلات الفائدة 150 نقطة مئوية، وبنك إنجلترا 200 نقطة مئوية. أما مؤشر فتسي البريطاني (FTSE-EUROPE) فقد انخفض بنسبة 21,6٪ متأثراً بالانخفاض الذي بلغت نسبته 20٪ في ألمانيا وفرنسا وهولندا . كما انخفض مؤشر الفاينشل تايمز (F) بنسبة 16,2٪ عما كان عليه في نهاية العام السابق، إلا أن سوق الأسهم في المملكة المتحدة تمكنت من الارتفاع بنسبة 17,7٪ عن الحد الأدنى الذي بلغته في 21 سبتمبر. وعموماً، فإن أسهم شركات التكنولوجيا استمرت في تسجيل هبوط حاد خلال العام 2001. اليابان كان الاقتصاد الياباني يرزح تحت فترة الركود الثالثة خلال عشر سنوات، وقد صرح اليابانيون مرارا بالقول: «إن أداء الاقتصاد الياباني مخيب للآمال خلال فترة السنوات العشر الماضية»، وقد عانى الاقتصاد الياباني من الانخفاض في قطاع التكنولوجيا، التي أثرت بدورها على مجمل أداء الاقتصاد . أما السوق الياباني فقد تراجعت بنسبة 23,5٪ خلال العام 2001 مما جعل مؤشر نيكاي (NIKKEI) يقفل منخفضاً عند 10542,62 نقطة بنهاية العام 2001. الدول الآسيوية بالنتيجة، تراجعت أسواق الأسهم الآسيوية التي كانت محكومة أساسا بمناخ يتسم بعدم الوضوح، مما اثر في حركة أسواقها المالية، وتراجع إنتاجها الصناعي وصادراتها. وحقيقة الأمر، فان حوادث سبتمبر أثرت على مختلف الأسواق بدرجات متفاوتة، ويعزى ذلك بصورة رئيسية للأداء الضعيف لبعض هذه الأسواق في السنة السابقة (2000)، والتعديلات المتخذة بصدد أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار الأميركي . فقد هبطت أسعار الأسهم في هونغ كونغ بنسبة (-23٪ ) والفلبين (-22٪ ) والهند (18٪) وسنغافورة (-16٪)، وعلى العكس من ذلك، ارتفعت أسعار الأسهم بدرجة كبيرة في دول أخرى، مثل كوريا الجنوبية (+37٪) وتايلاند (+13٪ ) واندونيسيا (+2,4٪). الشرق الأوسط أما دول الشرق الأوسط، التي تعتمد غالبية اقتصاداتها على النفط، فقد تراجعت معدلات نمو اقتصاداتها بسبب انخفاض أسعار النفط، وانخفاض الإنتاج، وبسبب الأزمة المالية في بعض دول المنطقة، كتركيا. كما انخفض أداء معظم أسواق المال العربية، على رغم كونها الأقل تأثرا بحوادث سبتمبر مقارنة بأسواق أخرى. دول النفط الخليجية لم تتأثر مؤشرات الأسهم في دول الخليج بقدر يوازي تلك التأثيرات التي تعرضت لها اقتصادات العالم الأخرى، بل ان بعضها سجل ارتفاعا، وأحد أسباب ذلك، يكمن في عدم وجود شركات عالمية ذات تأثير كبير مدرجة في أسواقها. وهناك قضايا طرحتها الاعتداءات بقوة على اقتصادات المنطقة، إحداها جدوى فك الارتباط بين العملات الخليجية والدولار، والاستعاضة عنه بسلة من العملات الثقيلة العيار، كاليورو. بيد أن الأهم بالنسبة إلى الدول النفطية برمتها، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، هو أثر انكماش الاقتصاد العالمي على الطلب النفطي في السوق الدولية، ومن ثم اثر انخفاض أسعار النفط على اقتصادات المنطقة. الأثر على أسعار النفط قفزت أسعار النفط اثر الاعتداءات مباشرة إلى اكثر من 30 دولاراً، وعلى إثره أعلنت أوبك تفهمها صعوبة الوضع مع ارتفاع أسعار النفط إلى اكثر من 30 دولاراً، فطمأنت العالم بضمان الإمدادات، وقد كان لذلك دور حاسم وفوري في انخفاض الأسعار في وقت قياسي إلى 28 دولاراً، وهو الحد الأعلى المستهدف في المنظمة. هنا كان لأوبك دور مهم يلزم على الدول الصناعية الكبرى الا تنساه، ويلزم معه الا تنسى دور دول مجلس التعاون التي حثت عبر التصريحات المطمئنة على لجم الانفلات السعري، في محاولة منها للمحافظة على استقرار أسعار النفط في اللحظة الحرجة، وطمأنة اقتصادات الدول الكبرى. لقد ترتب على ذلك، انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 22 دولاراً، الأمر الذي دعا دول أوبك في وقت لاحق إلى خفض حصة الإنتاج بمقدار 3,5 ملايين برميل في اليوم، للمحافظة على السعر الذي أقرته، والذي حدد بين 22و28 دولاراً للبرميل، إلا أن ركود الاقتصاد العالمي أدى إلى انخفاض الطلب من مستوردي النفط الأكثر تأثرا بحوادث سبتمبر، وتبعا لذلك انخفضت أسعار النفط إلى 21 دولارا كمتوسط للبرميل خلال العام 2001. ان هذا الموقف من الدول النفطية في منظمة أوبك يظهر خسائر اقتصادات النفط ويظهر ضريبة الموقف الذي يجب على الدول الصناعية الكبرى الا تنساه. إن الاعتداءات على نيويورك وواشنطن أتت في التوقيت الذي ينبئ بان الانكماش الاقتصادي سيكون مختلفا من حيث العمق والأمد الزمني. ومنه يُفْهَم أن الطلب على النفط باعتباره مُدخلا لقيما في عملية الإنتاج لا بد ان ينخفض بالنتيجة، لسببين، الأول يكمن في حقيقة أن الانكماش يرافقه تراجع كبير في الإنتاج، وهذا ينسحب على مدخلات العملية الإنتاجية كافة. الأمر الثاني، ان التقدم التكنولوجي في العقود الأخيرة نجم عنه بالفعل خفض كبير في وحدات الطاقة الداخلة في الإنتاج، بمعنى، إن قدرا قليلا من الطاقة اليوم يعطي القدر نفسه من الوحدات التي كانت تُنْتَجُ في مرحلة سابقة. من راقب موقف أوبك قبل وبعد الاعتداءات على نيويورك وواشنطن لا بد انه لاحظ عدم إيلاء الدورة الاقتصادية الأهمية اللازمة، والتي تعني ضرورة خفض عرض النفط بغية المحافظة على الأسعار في ظل وضوح علامات الانكماش. وقد أتت التداعيات إثر الاعتداءات لتخرج الأسعار عن سيطرة أوبك. وبالفعل ظل سعر سلة أوبك منخفضا دون النطاق الذي تستهدفه المنظمة (19,75 دولارا في 8 أكتوبر)، الأمر الذي دعا وزراء النفط إلى إجراء مشاورات عاجلة بغية خفض الإنتاج بين 700 ألف ومليون برميل يوميا. وكان هناك إجماع يستهدف تصحيح ما يمكن تصحيحه. أمام أوبك اليوم مواجهة حقيقة تباطؤ الطلب العالمي على النفط الذي يتجه بموازاة حال الانكماش، وربما الكساد الذي يعني من بين ما يعنيه تراجعا كبيرا في الإنتاج، وبمعنى آخر، ان القضية المحورية تتمثل الآن في مواجهة الطلب النفطي تحديدا أكثر منها مواجهة مخاوف اضطراب الإمدادات بسبب التوترات الأمنية. خسائر الاقتصاد الأميركي بعد مرور عام يقول «جرين سمرفيل»: «ان الأثر المباشر لصدمة سبتمبر على قطاع الأعمال الأميركي تراجع بسرعة، بيد أن أثرها الممتد سيستمر لسنوات مقبلة». أما الاقتصادي «مارك زاندي» من مؤسسة «ايكونومي دوت كوم» بولاية بنسلفانيا فيقول: «ان الهجمات كلفت الاقتصاد الأميركي 750 ألف وظيفة، وربما خسر الناتج الاقتصادي 100 مليار دولار»، وبنى تقييمه على أساس الفارق بين توقعات الناتج قبل الهجمات مباشرة، والنتائج التي تحققت بعده. ويستطرد «استفدنا من مزايا السلام في التسعينات التي سمحت لنا بالاستثمار بحرية، أما الآن، فيتعين علينا أن ندفع ثمن الأمن بشكل سيؤثر حتما على قدراتنا على النمو بمعدل سريع في المستقبل، وعلى المدى الطويل، قد ينتقص ذلك من النمو الاقتصادي نحو 50 مليار دولار سنويا». ويقول الاقتصادي «دوج لي» من مؤسسة «ايكونوميكس» في واشنطن «الأثر طويل الأمد سيتمثل في زيادة الإنفاق على الأمن، وهو إنفاق لا نقيسه بشكل جيد، وهو ما يعني أن معدلات إنتاجنا قد لا تكون جيدة كما كانت». ويتنبأ مكتب الميزانية بالكونغرس أن يتبدد 80٪ من فائض الميزاينة الذي قدر ذات مرة بمبلغ 1,7 تريليون دولار خلال العقد 2002 - 2011. من جهة أخرى، شهدت العلاقات الأميركية العربية في أعقاب حوادث سبتمبر توترات كبيرة، أدت إلى تراجع التجارة والسياحة وبرامج تبادل البعثات الأميركية العربية، وتراجع جاذبية الأصول الأميركية بالنسبة إلى المستثمرين العرب. الأهم من ذلك حال الخوف التي رافقت الحملات الأميركية لملاحقة «أموال الإرهاب»، والتي ربما دفعت المستثمرين العرب إلى الهروب من السوق الاميركية. في هذا الصدد علق مصرفي أميركي مخضرم، مشيرا إلى الأثرياء العرب قائلا: «هناك تنام للكراهية، وافتقارإلى الثقة من الجانبين، إذا لم يعالج قد يتحول إلى كارثة في المرحلة المقبلة». بينما أعرب رئيس الهيئة العامة للاستثمار في السعودية عبدالله بن فيصل بن تركي آل سعود «آمل أن تنتهي فترة الطوارئ التي تخرج الناس عن رشدهم ويعود التعقل ليسود، الوضع يكون بالغ الصعوبة في أوقات الأزمات». توقعات نمو الاقتصاد العالمي شهد الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من العام الحالي نموا بنسبة 1,1 ٪، ويسود أوساط المؤسسات الاقتصادية والمالية الأوروبية والأميركية تشاؤم بشأن تحسن معدلات النمو الاقتصادي العام، وتتوقع تراجع معدل نمو الاقتصاد الأميركي نتيجة الصعوبات الاقتصادية وانخفاض معدلات الانفاق الاستهلاكي، وتفجر الفضائح المالية والمحاسبية لعدد من الشركات الأميركية الكبرى، كـ «انرون وورلدكوم وكويست وزيروكس» ينبئ بتراجع أسعار الأسهم في البورصات العالمية. من جهة أخرى، خفضت مؤسسة «جي بي مورجان تشيس بنك» الأميركية من توقعاتها بشأن نمو الأسواق بالدول ذات الاقتصادات الكبرى من 3,2٪ إلى 2,15٪، حيث أعلن البنك المركزي الألماني أن الاقتصاد الألماني شهد معدلات نمو متدنية بلغت 1٪ في الربع الثاني من العام الجاري، علما بأنه يعتبر الأكبر في منطقة اليورو، وثالث أكبر اقتصاد على المستوى العالمي بعد الولايات المتحدة واليابان. وحذر البوندسبانك من أن الاقتصاد الألماني سوف يظل معرضا لانتكاسات سواء نتيجة لعوامل داخلية أو خارجية طالما فشل في تحقيق مكاسب تعيد إليه القوة المحركة. توقع صندوق النقد الدولي أن نمو الاقتصاد العالمي سيصل إلى 2,8٪ خلال نهاية عام 2002، في حين كان يتوقع أن يسجل 2,4٪ فقط من إجمالي الناتج العالمي. ويبدو أن الأداء الاقتصادي العام عرضة للتأثر بالأداء المالي للشركات الكبرى وانعكاسات ذلك على الأجواء المؤاتية للاستثمارات، يضاف إلى ذلك أثر تقلبات أسعار النفط وعدم الاستقرار السياسي في العالم ولاسيما في الشرق الأوسط. من جهة أخرى تراجعت معدلات الانفاق الاستهلاكي في أوروبا وارتفعت معدلات البطالة في الولايات المتحدة واليابان إلى معدلات قياسية، وتراجعت معدلات الصادرات اليابانية نتيجة ارتفاع الين. وانعكس ارتفاع أسعار البترول نتيجة المخاوف من العمليات العسكرية الأميركية ضد العراق سلبا على أداء النمو الاقتصادي العالمي. وتشير التوقعات بوجه عام إلى أن معدل النمو في منطقة اليورو سيصل إلى 2,1٪ العام الجاري مقابل توقعات سابقة قدرتها بنحو 3,25٪. كما انعكست التداعيات السلبية لتراجع النمو الاقتصادي بالدول ذات الاقتصادات الكبرى كألمانيا وفرنسا على توقعات نمو الاقتصاد العالمي، وقد عززت ذلك توقعات بضعف وعدم استقرار أداء اقتصادات دول منطقة اليورو وأميركا اللاتينية. وعلى المستوى الآسيوي، اتسم أداء الاقتصادات الآسيوية بالقوة، باستثناء الاقتصاد الياباني الذي يتوقع له أن يسجل انخفاضا من 1,5٪ إلى نصف في المائة العام الجاري نتيجة انخفاض الدولار مقابل الين، وارتفاع معدلات البطالة بسبب خطط إعادة الهيكلة التي ينفذها عدد من الشركات اليابانية الكبرى. أما دول أميركا اللاتينية فيتوقع ألا يتخطى معدل النمو بها 0,7٪ العام 2002 مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 2,5٪. قال غراهام فولر في مقابلة له نشرتها جريدة القدس الفلسطينية ما معناه: «يتصاعد الغضب على الولايات المتحدة بشكل هائل، وما لم تدركه الإدارة الأميركية أن الإذلال غير المحدود أشد خطرا من الغضب. لذلك، فان الولايات المتحدة لديها الكثير مما ستخسره في المرحلة المقبلة». هذا القول وجهه المسئول السابق في المخابرات المركزية الأميركية إلى الرئيس الأميركي بوش عبر الصحافة المقروءة نشرته جريدة القدس.

العدد 5 - الثلثاء 10 سبتمبر 2002م الموافق 03 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً