العدد 5 - الثلثاء 10 سبتمبر 2002م الموافق 03 رجب 1423هـ

تداعيات سبتمبر

كيف نظر العالم إلى مشهد انهيار مركز التجارة العالمي؟

كل فريق غنّى على «ليلاه». البيت الأبيض اعتبر الضربة إهانة. البنتاغون دق النفير وتصرف كقبيلة هائجة تريد الثأر لشرفها المسفوح في مانهاتن. هوليوود نظرت إلى المشهد من زاوية السينما: انه المنظر الذي حلم كل مخرج بتصويره. تجار السلاح اعتبروا الضربة مناسبة لضخ الحياة في الشرايين. الفقراء قبعوا في منازلهم يتابعون «انهيار الحلم» على الشاشات المرئية. الفنانون قعدوا في محترفاتهم يتفحصون أدوات المرسم.

السياسيون انقسموا إلى معسكرين: فريق وجد في الضربة مناسبة لتبرير حكمه. وفريق رأى نقطة مزعجة تبرر تدخل أميركا في شئونه.

الديكتاتوريون فرحوا، ها قد جاءت أميركا إلى معسكرنا. ها قد انتصرنا في معركتنا ضد الديمقراطية. دول أوروبا احتارت بين الماء والنار. الماء يغرقها والنار تحرقها. العالم انقسم بين مؤيد لعقلية الثأر، ومتحفظ على منهج الانتقام المجرد من العقلانية السياسية.

إسرائيل (شارون) أكثر المبتهجين، فهي نجت من احتمال السلم وعادت عقيدة الحرب لتؤسس التحالف الذي اهتز وعاد ليستوي مجددا حين تم الخلط بين الإرهاب وحق الدفاع عن النفس.

كل فريق وجد في المشهد نقطة تحول. البعض قال إنه البداية، والبعض الآخر قال إنه النهاية. مفكرون قالوا إنه خطوة أولى في مشوار طويل تنتقل أميركا فيه من دولة عظمى إلى إمبراطورية كبرى. مؤرخون قالوا إنه التاريخ المقلوب: المشهد بداية انتقال أميركا من إمبراطورية كبرى إلى دولة عظمى.

وحدهم «الفلاسفة» انفردوا في تحليل المشهد من منظار تاريخي وصعود الدول وهبوطها. الفيلسوف الفرنسي (جان بودريار) مثلا قال: مركز التجارة العالمي... انتحر. المركز انتحر احتجاجا على عالم مغلق. فحين يحتكر «الجبار» عناصر القوة ويمنعها عن غيره، وحين تصل القوة في انغلاقها إلى حدها الأقصى تقفل على نفسها إمكانات التطور وتمنع غيرها من احتمال التقدم.

هذه القوة الكلية التي تحتكر الجزئيات وتمنع غيرها من حق تبرير وجوده تصل إلى قمة اللامعنى: «أنا أو لا شيء. عليّ وعلى أعدائي».

الانتحار(الغاء الذات بعد الغاء الآخر) هو الوصف الذي حرك مخيلة الفيلسوف الفرنسي حين رأى مشهد الانهيار. مفرد الانتحار في المعنى التاريخي يساوي التلاشي والاضمحلال. مركز التجارة لم يسقط بسبب الصدمة الخارجية... أو نتيجة اندلاع النيران من الداخل.

المركز تهاوى، تساقط، تلاشى...

قرر المركز الانتحار لأنه ملَّ الحياة. فشقيقه التوأم توفي في الشرق قبل عشر سنوات... فلماذا لا ينتحر بعد أن فقد مبرر وجوده؟


محمد حسين فضل الله في حديث خاص لـ «الوسط»:

ضربة سبتمبر أعطت الحجة لأميركا للسيطرة على العالم

بيروت - منى سكرية

في حديث لـ «الوسط» في مناسبة الذكرى الأولى لحوادث 11 سبتمبر/ أيلول أكد العلامة السيد محمد حسين فضل الله أن ما حدث «أعطى أميركا الحجة لتنفيذ سيطرتها على العالم، وتهديده بالتدخل في شئونه الاقتصادية والأمنية والسياسية تحت شعار الحرب ضد الإرهاب».

وأضاف: «استغلت أميركا هذه الضبابية في هذا المفهوم (الإرهاب) لتعتبر إسرائيل في جرائمها ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني في موقف الدفاع عن النفس».

ودعا السيد فضل الله «شعوب العالم الثالث» وفي مقدمتها «شعوب العالمين العربي والإسلامي» إلى دراسة الحدث «بذهنية» الشعوب التي تعيش تحت هاجس الإنقاذ لمستقبلها من هذه الهجمة الاستكبارية الأميركية المدمرة».

واعتبر أن المتضرر البارز «هو الانتفاضة الفلسطينية التي استطاع التحالف الاستراتيجي الأميركي ـ الإسرائيلي أن يوظف شعار الحرب ضد الإرهاب ضدها باعتبارها حركة إرهابية كما يزعمون».

ومن تداعيات 11 سبتمبر رأى السيد فضل الله أنها جعلت أميركا «تفتش عن عناوين جديدة في امتدادات الحرب ضد الإرهاب بطريقة وقائية». وبهذا تمكنت «الولايات المتحدة من تحريك بعض العناوين الجزئية الجديدة، لتضعها في هذا السياق وإن لم تكن في دائرة الإرهاب بشكل مباشر».

وأكد فضل الله أن أميركا «تعمل الآن للاستفادة من كل المفردات التي يمكن لها أن توظفها في الحملة ضد الإرهاب من خلال (تداعيات سبتمبر) مما يجعل العالم يعيش تحت الخط الأميركي في مصادرة كل العالم حتى حلفاء أميركا من الدول الكبرى أو الصغرى».

فالحرب ضد الإرهاب برأي فضل الله تعني أميركيا محاولة «إعادة السيطرة المطلقة على ثروات هذا العالم وعلى أسواقه واستثماراته وسياسته وثقافته» حتى إنها بدأت تتدخل «في مناهج الدراسة في المدارس الإسلامية».

وختم حديثه قائلا عن الذين قاموا بالهجوم: إنهم «خدموا أميركا خدمة لم تتخيلها في كل تاريخها».

(تفاصيل الحديث في ص 5

العدد 5 - الثلثاء 10 سبتمبر 2002م الموافق 03 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً