العدد 5 - الثلثاء 10 سبتمبر 2002م الموافق 03 رجب 1423هـ

العودة إلى أفغانستان: الضرر الإضافي

تحل اليوم الذكرى السنوية الأولى لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول والحرب على الارهاب التي اعقبتها. وإحياء لذكرى هذا التاريخ اطلقت «الاندبندنت» سلسلة من التقاريرالخاصة قدمها مراسلها روبرت فيسك. وفي أول المقالات من افغانستان يروي فيسك الحكاية التي لم تحكَ بعد عن حاجي برجيت تلك القرية الصغيرة في جنوب غربي البلاد، التي شهدت غارة شنتها القوات الخاصة الاميركية وخلفت وراءها من القتلى احد المسنين وبنتا في الثالثة من عمرها.

وصلت حرب الرئيس جورج بوش على الارهاب إلى قرية حاجي برجيت الصحراوية في منتصف ليل الثاني والعشرين من مايو/ أيار. كان حاجي برجيت خان الملتحقي البالغ من العمر 85 عاما وقائد القرية البشتونية الذي يرأس 12 ألفا من العوائل القبلية المحلية. كان يستلقي على بقعة معشوشبة خارج بيته. وكان فقير محمد نائما بين خرافه واغنامه على بقعة من الرمال إلى الجنوب عندما سمع طائرات كبيرة تتحرك في السماء. حتى في المساء يكون الجو حارا لدرجة ان العديد من القرويين يقضون الساعات في الظلام خارج بيوتهم وعلى رغم ذلك كان محمدين وعائلته في بيته الطيني الجدران، وكان هناك 105 عائلات في حاجي برجيت يوم الثاني والعشرين من مايو/ أيار استيقظت كلها على دوي محركات المروحية وصوت ضرب أنصال المحرك في بعضها وأصوات صراخ الأميركيين العالية.

شوهد حاجي برجيت خان يركض بمشقة من مرجه الصغير باتجاه مسجد القرية الابيض الجدران وهو مبنى اسمنتي مستطيل يوجد به مكبر للصوت والقليل من السجاد الرث. وشوهد عدد من الرجال المسلمين يركضون خلفه.

شاهد حكيم، وهو أحد رعاة الحيوانات، الرجال بعد نزولهم وهم يطاردون الرجل العجوز إلى المسجد، ثم سمع سلسلة من الطلقات النارية.

يقول حكيم وهو يشير إلى الاسفل «عندما عثر عليه الناس كان قد قتل برصاصة في الرأس، وقد وجدنا بعض اجزاء من مخه على الجدار». وهناك ثقب لرصاصة واحدة في الأرضية الصلبة للمسجد، وبقعة من الدم المتجمد بجانبه.

كان صوت انفجارات قوية في الساحات الخلفية وممرات البيوت الصغيرة يعم القرية من جانب إلى آخر. ويتذكر محمدين قائلا: كانوا يلقون علينا قنابل يدوية دخانية وصاعقة، كانوا يلقون علينا عشرات القنابل وهم يصرخون ويصيحون طوال الوقت. لم نكن نفهم لغتهم لكن كان يرافقهم مسلحون افغان ايضا غطوا وجوههم بألوان سوداء. وشرع بعضهم في ربط نسائنا بإحكام - نسائنا نحن - بينما كان الاميركيون يرفعون «البرقع» لينظروا إلى وجوههم. حينها شوهدت الفتاة الصغيرة وهي تهرب. يقول عبدالستار: إن عمرها كان ثلاثة أعوام، وانها ركضت سريعا إلى خارج منزلها وهي مذعورة، وكان اسمها «زرقونا» وهي ابنة رجل يدعى عبدالشكور - الكثير من الافغان لهم اسم واحد فقط - وقد شاهدها أحدهم وهي تسقط في بئر القرية البالغ عمقه 60 قدما على الجانب الآخر من المسجد. اثناء الليل غرقت في البئر لوحدها حيث تعرضت على ما يبدو لكسر في الظهر جراء سقوطها. ووجد بعض اطفال القرية جثتها في الصباح. اما الاميركيون فلم يعيروا الأمر اي اهتمام ومن خلال وصف ملابسهم حسبما أدلى به القرويون يبدو ان من بينهم قواتا خاصة، ووحدات من القوات الخاصة الافغانية ايضا المعروفة بقسوتها ووحشيتها وهي تأتي من مقر الشرطة السرية «خاد» السابقة من كابول. كان هناك ايضا مائة وخمسون جنديا من الوحدة الاميركية 101 المحمولة جوا والتي مقرها قاعدة فورت كامبل في كناكي، ولكن فورت كامبل بعيدة جدا عن حاجي برجيت التي تبعد خمسين ميلا داخل الصحراء جنوب غربي مدينة قندهار. وكان الاميركيون مهووسين بفكرة واحدة: وهي أن القرية تحتوي على قادة من الطالبان وتنظيم اسامة بن لادن «القاعدة».

وقد أدلى عضو سابق في وحدة القوات الخاصة لأحد شركاء أميركا في التحالف بتفسيره الخاص لتصرف الاميركيين ذاك عندما قابلته بعد عدة أيام. قال: «عندما نذهب إلى قرية ونرى فلاحا ملتحيا فاننا نرى فلاحا أفغانيا ملتحيا. وعندما يذهب الأميركيون إلى قرية ويرون فلاحا ملتحيا فانهم يرون «اسامة بن لادن».

وأمر جميع النساء والاطفال بالتجمع في ناحية واحدة من حاجي برجيت يقول محمدين: «كانوا يدفعوننا بعنف خارج بيوتنا. وكان بعض المسلحين الأفغان يشتموننا وهم يصرخون، وبين الحين والآخر يرمون قنابل يدوية على بيوتنا». وقد قام القرويون القلائل الذين استطاعوا الهرب بتجميع القنابل اليدوية الصاعقة في اليوم التالي بمساعدة الاطفال. ويوجد منها العشرات وهي عبارة عن قدور اسطوانية صغيرة خضراء طبع على جانبها اسماء وشفرات تقول إحداها: «7 ضربة متأخرة: 1,5 ثانية NIC - 10/60 - 70» وأخرى تقول «ضربة 1، 170B متأخرة: 1,5 ث» واسطوانة أخرى كتب عليها: «متأخرة - Verzagerung ca 1,5 ث». وهذه هي القنابل اليدوية التي أرعبت «زرقونا» وتسببت في موتها في النهاية. وهي جزء اعتيادي من معدات القوات الخاصة الاميركية ومصنعة في ألمانيا من قبل مصنع هامبورج نيكو - بيروتيكنيك، لذلك نجد حروف «NIC» على عدد من الاسطوانات، وحرفي «dB» تعني قوة قياس الديسيبيل.

ويبين عدد من التواريخ المطبوعة بأن القنابل اليدوية صنعت في وقت قريب مثل شهر مارس/ آذار الماضي. وتدعو الشركة الألمانية هذه القنابل رسميا باسم «خراخيش الصوت والضوء (الصاعقة) 40 ميلليمترا في 46 ملليمترا». لكن الاميركيين كانوا يطلقون الرصاص أيضا، وخرمت بعض الرصاصات سيارة محطمة كان ينام فيها قروي آخر وهو سائق سيارة أجرة يدعى عبدالله. وقد تعرض لجراح خطيرة وكذا كان ابن حاجي برجيت خان.

بعدها ادعى متحدث رسمي عسكري اميركي أن «الجنود الأميركيين تعرضوا لإطلاق نار في القرية، قتل اثناءه رجل وجرح آخران يشتبه في انهم أعضاء من طالبان أو تنظيم القاعدة» ومن الواضح ان التلميح بان حاجي برجيت خان البالغ 85 عاما كان الرجل المسلح هو أمر مناف للعقل تماما. والجريحان الآخران يفترض أن يكونا ابن خان وعبدالله سائق السيارة الأجرة. كان ادعاء الأميركيين بأنهما عضوان في طالبان أو القاعدة كذبة واضحة، حيث تم اطلاق سراحهما فيما بعد. ويتذكر فقير محمد قائلا: «كان بعض الأفغان الذين جلبهم الأميركيون معهم يصرخون في الأطفال الذين كانوا يبكون ان اسكتوا. واجبرونا على الانبطاح ارضا وقيدوا معاصمنا بقيود مثل البلاستيك. وكلما شددنا ذلك القيد كلما أصبح أضيق واكثر ايلاما. ثم عصبوا اعيننا، بعدها بدأوا في دفعنا باتجاه الطائرات وهم يوجهون لنا اللكمات فيما نحن نحاول المشي».

في المجموع اقتاد الأميركيون 55 من رجال القرية وهم معصوبو الأعين ومقيدو الايدي إلى طائراتهم المروحية. كان من بينهم محمدين، وكذلك عبدالشكور الذي لم يعلم حينها بان ابنته كانت تموت في البئر. اما السجين الأفغاني السادس والخمسين والذي حمل في المروحية فقد كان ميتا. لقد قرر الأميركيون أخذ جثة حاجي برجيت خان البالغ 85 عاما معهم. عندما هبطت الطائرات المروحية في مطارقندهار - مقر الفرقة 101 المحمولة جوا - تم تجميع القرويين وادخالهم في صندوق حسبما أورد القرويون انفسهم. كانت أرجلهم مقيدة بالأغلال، وقيُد رِجل كل سجين موصولة بأوتاد مثبتة بأرضية الصندوق كل على حده. ووضعت أكياس ثقيلة على رؤوسهم. كان عبدالستار أول من أخرج من سجنه الحار الصغير. قال: «دخل أميركيان ومزقا ثيابي» وما لم يتمزق من الثياب كانا يقطعانه بالمقص. واخذاني خارجا وانا عريان ليحلقا لحيتي ويلتقطا لي صورة. لماذا حلقا لحيتي؟ فقد كان لي لحية طوال فترة حياتي». أُقتيد محمد وهو عريان من مكان حلاقة لحيته إلى خيمة التحقيق حيث أزالوا العصابة عن عينه. يقول: «كان في الغرفة مترجم أفغاني ورجل بشتوني يتكلم بلكنة قندهار مع جنود اميركيين من النساء والرجال. كنت أقف أمامهم عريانا مقيد اليدين. كان بعضهم واقفا وبعضهم الآخر يجلس خلف طاولات. سألوني: ماذا تعمل؟ فقلت لهم: انا راعي اغنام. لماذا لا تسألون جنودكم ماذا كنت أعمل؟ قالوا: «قل لنا أنت. ثم سألوا: اي نوع من الأسلحة استعملت؟ فأجبتهم: «انني لم استعمل اي سلاح قط».

سأل احدهم: هل استخدمت اي سلاح اثناء فترة (الاحتلال) الروسي أو فترة الحرب الأهلية أو فترة حكم طالبان؟ قلت لهم: «انني كنت لاجئا معظم الوقت» ويستحيل التعرف على نوعية الوحدات الأميركية التي شاركت في التحقيق من خلال شهادات القرويين. بعض الجنود الأميركيين كانوا يلبسون قلنسوات ذات أشرطة صفراء أو بنية، والبعض الآخر كانوا يرتدون ثيابا مدنية لكنهم يعتمرون قبعات الأدغال. وكان المترجم الأفغاني يلبس الزي التقليدي: السروال والقميص. اما حكيم فقد استمرت فترة استجوبوابه مدة أطول قليلا، ومثلما كان محمدين، يقول إنه كان عريانا أمام محققيه. «كانوا يريدون أن يعرفوا عمري وعملي. فقلت ان عمري 60 عاما وأعمل فلاحا. فسألوا: هل يوجد أحد من العرب أو الطالبان أو الايرانيين أو الأجانب في قريتك؟ قلت: كلا. سألوني: كم غرفة في بيتك وهل عندك هاتف فضائي؟ قلت لهم: ليس عندي هاتف أصلا وليس عندي حتى كهرباء. فسألوا: هل كان رجال طالبان جيدين أم سيئين؟ فأجبت بأن طالبان لم يأتوا قط إلى قريتنا لذا فليس لدي أي معلومات عنهم. ثم سألوني: ماذا عن الأميركيين؟ اي نوع من الناس هم الاميركيون؟ فأجبت: سمعنا أنهم حررونا مع (الرئيس حامد) قرضاي وساعدونا - لكننا لا نعرف جريمتنا التي نستحق ان نعامل بسببها بهذا الشكل: ما ذا كان يفترض أن أقول؟

بعد ساعات قليلة أعطي سكان القرية حاجي برجيت ثيابا صفراء نيرة واخذوه إلى سلسلة من أقفاص ذات أسلاك موزعة على رمال القاعدة الجوية - نسخة مصغرة من معتقل غوانتانامو - حيث اعطوه الخبز وبعض البسكويت. ووضع الفتيان الأصغر سنا في أقفاص منفصلة عن الرجال الأكبر سنا. ولم يعد هناك المزيد من الاستجواب، لكنهم بقوا في الأقفاص لخمسة أيام أخرى. وكان الأميركيون دائبين في محاولة اكتشاف هوية الرجل العجوز ذي الخامسة والثمانين عاما. لم يسألوا مساجينهم - الذين كان بامكانهم التعرف عليه حالا - على الر

العدد 5 - الثلثاء 10 سبتمبر 2002م الموافق 03 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً