العدد 10 - الأحد 15 سبتمبر 2002م الموافق 08 رجب 1423هـ

العراقيون ... من سيدفع الثمن في نهاية المطاف

ديون العراق لا قيمة لها حتى الآن، وأزمة الديون لن تتلاشى بإسقاط صدام، ولكن مما لا شك فيه أن المستثمرين المالكين لديون العراق يتطلعون إلى تحقيق أرباح طائلة إذا أطيح بالرئيس العراقي صدام حسين، مثلما حدث مع ديون يوغوسلافيا بعد إسقاط الرئيس «سلوبودان ميلوسيفيتش».

وبينما سيحتاج العراق إلى مساعدات ضخمة وإعفاء من الديون بعد عشر سنوات من العقوبات، ومع الشلل الناجم عن سداد التعويضات بعد غزو الكويت وجروح حرب استمرت ثماني سنوات مع إيران في الثمانينات، من المنتظر أن تقفز قيمة الديون التي يجري تداولها الآن بين ثمانية وعشرة سنتات للدولار.

وقال مدير صندوق استثمار متخصص في الديون الخارجية: «نحتفظ بديون العراق للسبب نفسه الذي دعانا للاحتفاظ بديون جمهورية الصرب في صيف العام 2000، فإذا حدث تغيير في النظام، فإنك ستحقق زيادة تقدر بعدة أمثال الأسعار الحالية للديون». وأشار محلل في مكتب للتعامل في الديون الخارجية إلى أن سعر ديون جمهورية الصرب ارتفع من حوالي ثمانية سنتات لكل دولار قبل الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة اليوغوسلافية في العام 2000 إلى نحو 42 سنتا لكل دولار في الوقت الحالي. وقال: «العراق يعد في الحقيقة واحدا من أفضل المقترضين في سوق الدين الخارجي، فالبلد يجلس على ثاني اكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم».

وهناك سندات عراقية تقدر قيمتها بنحو مليار دولار يسهل تداولها نسبيا، وقروض مشتركة أصدرها بنك الرافدين، الذي يعد أكبر مصارف العراق، وأكبر مصرف في الخليج في الثمانينات.

وبينما لا تستطيع الهيئات والشركات الأميركية شراء أو بيع أي أصول عراقية بدون موافقة صريحة من مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية (مقره واشنطن)، فإن صناديق الاستثمار والمصارف الأوروبية يحق لها في كثير من الأحوال امتلاك وتداول الأصول العراقية.

لكن إعادة جدولة ديون العراق قد تكون عملية طويلة كما تبين عمليات سابقة لإعادة جدولة الديون، وبصورة رئيسية في حالتي روسيا ويوغوسلافيا. في هذا الصدد قالت مصرفية شاركت في محادثات لإعادة جدولة ديون العراق في الثمانينات: «إن حل مشكلة الديون سيكون صعبا، إنهم يعلمون جيدا ما هو مستحق عليهم، لكن ستكون هناك مشكلة تتعلق بالفوائد، لان العراقيين يرون أنهم غير قادرين على دفع الفوائد المتراكمة منذ بدء الحظر التجاري على العراق». من جهة أخرى، يقدر البنك الدولي أن حجم الدين الخارجي للعراق ارتفع إلى 126 مليار دولار بنهاية العام 1998 من بينها 47 مليارا فوائد متأخرة نتيجة توقف العراق الكامل تقريبا عن سداد ديونه منذ العام 1990. وقدر العراقيون رسميا حجم مديونيتهم الخارجية بمبلغ 42,1 مليار دولار في مايو/ أيار العام 1991. وهذا لا يشمل 30 مليارا من الفوائد والأموال من دول الخليج العربية التي اعتبرها العراق منحا. إن جانبا من مشكلة الديون العراقية ناتج عن الحرب مع إيران في الثمانينات، ومن الصعب معرفة الدائنين من البيانات التي أصدرتها الأمم المتحدة في العام 1991. ويقدر نادي باريس للحكومات الدائنة حجم الديون المستحقة على العراق لنحو 16 دولة صناعية عدا الولايات المتحدة بمبلغ 13,4 مليار دولار. وكثير من هذه الديون مستحق لدولتين لم يعد لهما وجود، هما الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا. ويختلف كثيرون من القطاع الخاص مع أرقام البنك الدولي. وقالت مصادر مصرفية «الرقم كبير، لكن حجمه النهائي يعتمد على طريقة حسابه. ونظرا إلى أن العراق توقف عن السداد في العام 1990، فإن جميع الديون أعلنت كديون تعذر سدادها، وجرى ضم كل الفوائد المستحقة في الماضي، وكل القيم الاسمية المعلقة إلى أصل الدين، ويجرى تحويل الفائدة إلى أصل الدين كل ثلاثة أو ستة اشهر».

وقد رأى العراق في محاولات سابقة للتفاوض على الديون أنهم غير مطالبين بدفع الفوائد بسبب نظام العقوبات. كذلك يواجه العراق في النهاية مطالب بدفع تعويضات حرب تصل قيمتها إلى 300 مليار دولار، دفع منها بالفعل 15 مليارا، مما يعني أن قدرة العراق على خدمة ديونه لن تكون وحدها المقيدة بشدة، وإنما أيضا قدرته على تمويل برامجه الاجتماعية وعلى تمويل التنمية.

وقال خبير اقتصادي متخصص في الشئون العراقية «أحمد جياد» بمقتضى البرنامج الذي تديره الأمم المتحدة، إذ يخصص 25 من عائدات النفط لسداد تعويضات الحرب، فإن السداد سيستمر 50 عاما، وهذا يحرم الاقتصاد من أي استثمارات. وأضاف أنه من دون الاستثمار ستتقوض صناعة النفط العراقية التي تنتج نحو 1,7 مليون برميل يوميا، وتصل طاقتها إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا.

وقال المحاضر في اقتصاديات الشرق الأوسط في جامعة اكستر «كمال مهدي»: «لن يكون مقبولا سياسيا أن يستخدم العراق عائداته النفطية لسداد الديون أو التعويضات، والكلام سيبقى صحيحا بغض النظر عن تغيير النظام في العراق وتطبيع علاقاته الخارجية. والحال الوحيد الذي يشبه حال العراق من حيث وضع الدين الخارجي والعقوبات هي يوغوسلافيا».

وأعادت الحكومات الدائنة جدولة ديون يوغوسلافيا التي بلغت 4,5 مليارات دولار، وأسقطت 66 من الديون، ومنحت بلجراد 22 عاما لسداد المتبقي، من بينها فترة سماح مدتها ستة أعوام. وعلى رغم إسقاط الديون الحكومية لم يتوصل الدائنون من القطاع الخاص إلى اتفاق بعد مع يوغوسلافيا. وهناك مسألة المعونة، إذ تعهد المانحون بتقديم 1,3 مليار دولار لجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية باستثناء إقليم «كوسوفو»، لكن هذا الرقم عديم الأهمية على ما يبدو عند مقارنته بالمبلغ المطلوب لإعادة بناء العراق، والذي يقدر بمئة مليار دولار.

وقال مهدي: «لقد تغيّر وضع العراق على نحو فريد من وضعه كبلد مصدر للنفط ومتوسط الدخل، إلى بلد مدين بشدة وفقير»

العدد 10 - الأحد 15 سبتمبر 2002م الموافق 08 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً