العدد 5151 - الخميس 13 أكتوبر 2016م الموافق 12 محرم 1438هـ

مابعد عاشوراء

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

تقييم مظاهر إحياء عاشوراء خطوة مفيدة ومطلوبة، ويمثل البعد الإيجابي لمنهج التقييم في التغيير المؤشر الذي حفز عدداً من القراء طرح فكرة كتابة موضوع تحليلي مابعد عاشوراء، يقيّم مراسم إحياء شعائر عاشوراء، ومن الملاحظ أنه في خضم الحراك المتداخل في أبعاده، والرؤى والمواقف المتداخلة في مفاهيمها، ترك أثره في طبيعة مظاهر إحياء هذا الحدث التاريخي الذي صار حدثاً عالمياً بامتياز، وأكد حضوره في المعالجات الفكرية ليس في وسطنا الإسلامي فحسب، بل تعدى ذلك إلى الضفة الأخرى من كوكبنا، وبدا أكثر عمقاً وحيادية وواقعية في تقييم المفكرين والباحثين والكتاب في العالم الغربي، في تشخيصهم للقيمة الإنسانية والحضارية لمعاني عاشوراء، وتأكيد قيم العدالة والمساواة وبناء وتأصيل قيم التعايش السلمي بين المجتمعات البشرية.

يشهد عاشوراء في كل عام منظومة متداخلة من الشعائر التي تتجدد في بعض مظاهرها، بعضها يجسد بعداً مطلوباً يعزز منهجاً واقعياً ومفيداً في مسارات التحديث والتطوير، وبعضها الآخر لا يلقى استحساناً مجتمعياً لتعارضها مع فكر الإمام الحسين (ع)، وروح وقيم عاشوراء ويتداخل مع واقع ذلك، الاجتهاد الفردي في الابتكار وإدخال الجديد من الأفكار التي يمكن أن تكون في جزئية محددة صالحة ومفيدة، وفي جزئية أخرى تكريساً لثقافة عرجاء تُجسد واقع الجهل والمفاهيم غير الواعية لطبيعة المناسبة، وبعدها الأخلاقي والقيمي والحضاري. كما يرافق إحياء شعائر عاشوراء ممارسات تبرز السلوك غير المرغوب فيه مجتمعياً، إذ يتعارض في مكوناته مع قيم عاشوراء، ويقع ذلك في مجمله ضمن دائرة التقييم والنقد ومعالجات ومرئيات المنابر المتنوعة في مواقفها وقراءاتها التي يحرص بعضها في تشخيص المخرجات المنهجية للتصحيح والتغيير والارتقاء بشعائر المناسبة.

المنبر الحسيني الحدث الأبرز في منظومة الحراك في عاشوراء، ويمكن تبين خصوصيات وقِيمة هذا المعلم الحسيني في التوعية والإرشاد وذلك بالارتكاز على قراءاتنا لنموذج خطاب المنبر الحسيني الذي تابعنا محطاته طوال أيام عاشوراء في باربار، وشهدنا تفاعل أحداثه عن قرب، وفي سياق تقييمه لواقع المنبر الحسيني، يقول رجل الدين الشاب سيد ميثم المحافظة «نعمت قرية باربار لهذا العام بخطباء متنوعين وبارزين، فكان التميّز الخطابي عند البعض، والنعي عند البعض الآخر، ولا يخلو التقييم من بعض الشطحات أو عدم التوفيق في اختيار الموضوع المناسب، سواء من ناحية فائدته العملية أو تناسبه مع عاشوراء، وربما عالج البعض ظواهر عقائدية أو أخلاقية أو قيمية بشكل رائع، وافتقدنا عند البعض الطرح العلاجي لمشاكل المجتمع. بالشكل العام كمجموع الخطباء في القرية كل خطيب يكمّل نقص الآخر، فكان واضحاً أن من أوقف نفسه على خطيب أو خطيبين لم يستفد كثيراً، بعكس من يحضر عند الجميع، يجد التكامل بينهم في النعي والخطاب والفائدة المعرفية». وبالارتكاز على متابعاتنا لخطاب المنبر الحسيني في باربار، فإننا نشاطر ما جرى تشخيصه، ونعتقد أن ذلك التقييم ينساق على مجمل خطباء المنبر الحسيني في المناطق الأخرى.

إن ما ينبغي التأكيد على قِيمته الاجتماعية في طبيعة خطاب المنبر الحسيني، اللغة الرفيعة في مسئولياتها، والخطاب الحكيم الذي تميز به في معالجاته للقضايا المجتمعية، وذلك يدحض الرؤية غير المؤسسة في تقييم ذلك الخطاب، التي نجزم أنها ضعيفة وغير دقيقة، ونعتقد أن تشخيصها جاء دون دراية بواقع المنبر الحسيني، ويمكن في سياق متابعتنا التأكيد على أن الخطاب الذي تبناه خطيب حسينية الوداعي الملا عباس الجزيري وخطيب مأتم الشويخ الشيخ علي الجفيري تميز بمنطق الحكمة والمسئولية في معالجة القضايا والإرشاد، إلى أهمية تبني المنهج العاقل في فهم ومعالجة القضايا الاجتماعية، وتصدر خطابهم معالجة قضايا الانتماء، ومنهج السلم والحوار العاقل في حل المعضلات الاجتماعية، ونقد الخطاب غير العاقل في معالجة القضايا الاجتماعية، وتوضيح أهمية القيم الأ خلاقية في بناء العلاقات الاجتماعية وقِيمتها في بناء الكيان المجتمعي، وأثر المسئولية الأخلاقية في تكوين السلوك الاجتماعي، وتشخيص فوائد وقِيمة التوافق والتعاون في العلاقات الفردية والاجتماعية، وتبيان مساوئ الرياء والنفاق والغيبة والكذب في بناء العلاقات المجتمعية غير السوية، وتهتك مقومات منظومة علاقات الكيان المجتمعي.

الجهد التكاملي في تفعيل الرسالة الفكرية والتوعوية للمنبر الحسيني، يرتبط أيضاً بالطرق والبرامج التي تعتمدها المآتم، وتشكل إضافة مهمة في تعضيد قِيمة رسالة المنبر الحسيني في التأثير الإيجابي على مفاهيم وثقافة السلوك المجتمعي، وتمثل مبادرة مأتم رأس الرمان في إنتاج مقطع تمثيلي تثقيفي وتوعوي بشأن طرق جمع وإعادة تدوير المخلفات عمل إيجابي في تنمية الوعي اﻻجتماعي بالطرق السليمة في التخلص من المخلفات، وتعتمد جودة المنجز في تعميم رسالة المنبر الحسيني في تنوع الأدوات والمناهج التي تعتمدها المآتم في الارتقاء بالثقافة المجتمعية. وتمثل البرامج التثقيفية المرادفة لنشاط المنبر الحسيني التي حرص على تبنّيها عدد من المآتم إضافة مهمة في تفعيل المضمون الجوهري لفكر عاشوراء، ويتداخل مع ذلك الجهد، تبني مبدأ الشراكة في الاستفادة من قدرات ذوي اﻻختصاص والمؤسسات الأهلية، للمساهمة في تقديم ما يفيد في تفعيل رسالة المنبر الحسيني، وتعزيزاً لأهداف ذلك النهج، وتأكيداً على مسئولياتنا المهنية .

استجبنا لدعوة أحد المآتم في تقديم مداخلة تثقيفية ضمن برنامجه الثقافي والتوعوي، بيد أن ذلك المشروع لم يرى النور ﻻعتبارات لا نعلمها، وكنا نحرص على تقديم مداخلة مؤسسة في أهدافها التوعوية، تدعم تلك الجهود وتعالج «القيمة الحضارية للسلوك البيئي في إحياء شعائر عاشوراء» وتتبنى المداخلة منهج معالجة قضايا السلوك البيئي في الثقافة اﻻجتماعية، والمسئولية في تعزيز السلوك البيئي، والشراكة الاجتماعية في تأكيد فاعلية السلوك البيئي.

الحقيقة التي ينبغي إدراكها، الجهد الموجه في تغيير السلوك والارتقاء بثقافة العلاقة في فهم فكر عاشوراء وتجسيده في واقع الممارسة، ونعتقد أن هناك حاجة إلى التفكير في إعداد قراءة مؤسسة، تعالج مظاهر إحياء عاشوراء، ووضع مبادئ التوجيهات واﻻلتزامات في إحياء شعائر عاشوراء بالارتكاز على ثوابت الفكر العقائدي لعاشوراء، ويتولى الإشراف على إعدادها الضالعون في المعارف الفكرية والعقائدية لفكر الإمام الحسين (ع)، لتحصين مراسم عاشوراء من الأفكار والممارسات المتعارضة مع مضامين جوهر الرسالة الحسينية الإسلامية السامية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5151 - الخميس 13 أكتوبر 2016م الموافق 12 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 1:34 م

      طرح جميل ومتزن حيث حرصت على عدم ذكر مسميات الأعمال اللتي قد لا تناسب مقام النهضة الحسينية وبذلك تكون قد مسكت العصى من المنتصف حيث لا تتعرض لأحد أو لشعيرة بعينها ما يثير حساسية البعض الكلام في المجمل والعام بدل التفصيل والتحامل على جهة أصوب وأكثر قبولا للكاتب من الآخرين.

    • زائر 7 | 3:17 ص

      بارك الله فيك دكتور على جهودك لكنك لم تشر إلى مشاهداتك للكثير من سلوكيات الأفراد في التعامل نعم بقايا الطعام والنقابات والأوضاع والهدف في الطاقة والمياه وكذلك السلوك الأخلاقي للبعض والتي تضر في المجتمع وسمعة أهل بيت النبوة ع.

    • زائر 6 | 7:33 م

      دائماً عندما نقوم بتحليل الأمور نضع خطة إستراتيجية طويلة المدى ،
      نشكر القائمين والمسئولين وخدام أبي عبدالله الحسين عليه السلام
      في جميع المآتم والحسينيات والمضيفات على جهودهم الرائعة لخدمة المستمعين على كافة الأصعدة من توفير الخطباء والرواديد على أعلى مستوى ونناشد الجميع من مآتم وحسينيات ومضيفات بتحمّل المسؤلية في توفير كادر النظافة البيئي .
      أخوكم :عبدالله محمد حبيب

    • زائر 5 | 2:40 م

      وفقت يادكتور في طرحك ولعل الذي ابطء عنك في القاء الكلمه هو خير لك من عاقبة الامور
      دمت بخير ولا حرمنا من قلمك

    • زائر 2 | 1:20 ص

      قراءة ثورة الإمام الحسين عليه السلام قراءة متأنيّة بتجرّد من النزعات المذهبية تقود هذه القراءة الى معرفة حقيقتها وانها خضعت لمخطّط استراتيجي ربّاني أراد منه الخالق عزّ وجلّ اعطاء صدمة للأمّة التي انحرفت بعد وفاة نبيها واتجهت اتجاها مخالفا لمبادئ الرسالة، بحيث اصبح بعض الحكّام الذين استولوا على الحكم بالقوّة يريدون الحكم بأمر الله في حين انهم بعيدون عن الله و أوامره كل البعد، فكان لا بدّ للأمة من صدمة لتقول هؤلاء الحكام حكام قهر وغلبة وليس لهم سلطة على الدين وبذلك تم فصل حكمهم عن الدين

    • زائر 1 | 12:46 ص

      مقال مهم

      موضوع المقال جدا مهم فلابد لنا من أن نقف على ماقدم لنا موسم عاشوراء وماقدمنا له ونرصد الايجابيات والسلبيات للتأكيد على الاولى وتلافي الثانية لتكون الفائدة اكبر اتمنى من أن يصل هذا المقال لرؤساء المآتم وللخطباء وان يكلع عليه عامة الناس

اقرأ ايضاً