العدد 5153 - السبت 15 أكتوبر 2016م الموافق 14 محرم 1438هـ

ماذا يتعلم أي وزير عربي من جاك ويلش؟

منصور القطري comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ينظر في الغرب إلى جاك ويلش (Jack Welch) باعتباره واحدا من أفضل قادة الأعمال في أميركا، بل إن البعض يعتبره أفضل مدير تنفيذي في تاريخها، ويذهب آخرون إلى اعتباره أفضل حتى من ستيف جوبز في هذا المجال.

قاد جاك ويلش شركة (جنرال إلكتريك) إلى النجاح على مدى 20 سنة ارتفعت خلالها مبيعاتها عشرات المليارات، ولهذا الرجل مجموعة من الكتب المتميزة منها: كتاب (الفوز) وكتاب (مباشرة من القلب) وكتاب (مبادئ القيادة الأربعة).

ماذا يمكن لأي وزير عربي أن يتعلم من هذا الأنموذج؟ طرحت على نفسي هذا السؤال إضافة لأسئلة أخرى أكثر من مرة، وأنا أقرأ كتب وتجربة جاك ويلش بهدف المقارنة مع واقعنا (مع تحفظي على بعض أفكاره وأساليبه) والخروج بدروس مستفادة.

أول هذه الدروس هو خلو تجربتنا العربية؛ أوقل افتقارها إلى محاولة صناعة (نجم إداري) او حتى الكتابة عنه. يقول بنيامين فرانكلين (إما أن تكتب شيئا يستحق القراءة وإما أن تفعل شيئا يستحق الكتابة). ضعف تدوين تجربة السيرة الذاتية في المجال الإداري والتنموي واحد من الظواهر التي تستحق من الباحث العربي الوقوف عندها، مع استثناء بعض التجارب القليلة النادرة والتي منها على سبيل المثال تجربة المرحوم (غازي القصيبي) في كتابه (حياة في الإدارة). وستكون لنا وقفة قادمة مع معضلة كتابة السيرة الذاتية وأسباب العزوف عنها، ومن هذه الأسباب؛ ميل الانسان العربي نفسياً إلى مبدأ (العفة التاريخية) وعدم الاعتراف بالخطأ باعتبار ذلك من أهم هذه الأسباب كما سيتبين في حينه.

عالمياً، قد لا توجد تجربة جاهزة لتطبيقها ونقلها كما هي؛ بل إن الباحثين العرب مطالبون اليوم بدراسة التجارب العالمية وإظهار التقاطع والاختلاف مع هذه التجارب.

أحد الدروس المهمة التي يحتاج أن يعيها أي وزير عربي هو تدوين التجربة لتتاح لنا الاستفادة منها؛ فليس مستغرباً ألا نجد حديثا عن أي تجربة عربية في هذا المجال، لا سيما حين تكتشف عند أول محاولة أنك تجد شُحا في رصد هذه التجارب وتدوينها سواء على يد أصحابها أو سواهم. أما عند غيرنا فلو أخذنا التجربة التعليمية الفنلندية على سبيل المثال فسوف يقفز في مخيلتنا اسم الباحث باسي سالبرغ (Pasi Sahlberg) مدير عام مدارس تدريب المدربين التابع لوزارة التعليم الفنلندية، وهو صاحب كتاب دروس التجربة الفنلندية (Finnish Lessons) التي ضمنها خلاصة جهود أكثر من 20 سنة من البحث والمشاركات الميدانية قضاها في التجوال حول العالم للتعريف بتجربة بلاده، وتقديم أسباب وعوامل الطفرة التعليمية التي صاحبتها طفرة تنموية عجيبة وإصلاح وأمن اجتماعي غير مسبوق. وسنصل إلى نفس النتيجة لو اتبعنا نفس الأسلوب في مجالات خبرات أخرى، ولدى أمم أخرى بنفس الطريقة وللغاية نفسها أيضا.

المحطة ما قبل الأخيرة من الدروس المستفادة أيضا تتعلق بما اعتمده (جاك ويلش)، وهو ما يعرف بالعناصر الأربعة للقيادة (The 4E) وهي:

1. (الطاقة) Energy: الأفراد مع الطاقة يحبون العمل دون انقطاع. هؤلاء يتحركون بسرعة 95 ميلاً في الساعة في عالم سرعته 55 ميلاً في الساعة.

2. (تحفيز الأفراد) Energizers: يصنعون الرؤيا، بارعون في تحفيز الأفراد من أجل الإنجاز، يمنحون التقدير للآخرين، يتحملون المسئولية عندما تتخذ الأمور مساراً خاطئاً.

3. (التحدي والحزم) Edge: يعرفون كيف يصنعون القرارات الصعبة، لا يسمحون لدرجة الصعوبة مهما بلغت أن تقف حائلا بينهم وبين تحقيق أهدافهم.

4. (يفعلون ما يقولون) Execute: المقومات الثلاثة التي ذكرناها تبقى بلا معنى دون نتائج ملموسة. إن افضل القادة هم الذين يحولون الطاقة والحماسة والتحدي إلى أفعال ونتائج.

ومع ذلك فقد استدرك (ويلش) أخيراً نقص نظريته بأن أضاف (العاطفة) ضمن مقومات القيادة؛ فالقادة الحقيقيون هم من يمتلكون عاطفة قوية تجاه عملهم وتجاه من حولهم.

ختاما أشير إلى أنه قد غابت عن (جاك ويلش) كما غابت عن الوزير العربي كذلك صفة قيادية لا غنى عنها. فقد قام باحثان بدراسة مهمة جداً استمرت لأكثر من (25) عاماً على عدد كبير من المديرين، شملت أكثر من مليون ونصف مدير على مستوى القارات الخمس جميعها. ومن بين الأسئلة الرئيسية التي وجهها الباحثان السؤال التالي: ماهي أولى الصفات التي يبحث عنها الناس في القائد؟ استمر البحث واستمر السؤال طيلة الخمسة وعشرين سنة، وكانت الإجابة تتكرر في جميع القارات. لقد كانت الصفة الأولى التي يبحث عنها الناس في القائد هي: (الصدقية) Credibility. جاء ذلك في كتاب القيادة تحدٍ (The Leadership Challenge) وقد قام بالدراسة الباحثان (بوسنر ــ كوزس)، وبعد ظهور النتائج أصدر الباحثان أيضاً كتاباً عن هذه الصفة التي استحوذت على اهتمام الملايين، واحتلت المرتبة الأولى بين الصفات القيادية وحمل الكتاب عنوان: (الصدقية) Credibility.

وبالعودة إلى تراثنا الإسلامي العتيد فقد عرف عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة أنه الصادق الأمين، وحين أمره الله عز وجل أن يصدع بالرسالة جمع قومه وعشيرته وارتقى الصفا ونادى يا صباحاه، فاجتمعوا إليه فقال: يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبدالمطلب، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. كان جواب قومه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله (ما جربنا)، ولعل في ذلك جوابا شافيا كافيا يبين أهمية التجربة والصدقية ودورهما في بناء القناعات والاستفادة منها.

إقرأ أيضا لـ "منصور القطري"

العدد 5153 - السبت 15 أكتوبر 2016م الموافق 14 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:05 ص

      السبب وراء ما تقول استاذ منصور ان الوزراء في دولنا العربية لا يتمتعون بصفات القاءد هم مجرد موظفين عامين في الدولة تم اختيارهم على اسس فءوية ينفذون قرارات ادارية يومية مع غياب اي تخطيط او استراتيجية حقيقية ولا يوجد لديهم اي ابداع اضافة الى ضيق مساحة الصلاحيات الممنوحة لهم.

    • زائر 2 | 12:37 ص

      الوزير العربي نبيه وانه تعلم من الأجانب أكل الستيك بالشوكة والسكين بدلا من أصابعه الخمسة! .. فوزراء العرب تعلموا بسرعة فى المدارس الخاصة ولكن الشعوب العربية هى التى لا تتعلم فى المدارس الحكومية ولو بالعصا!!.

    • زائر 1 | 11:41 م

      جواب العنوان الوارد في السؤال:
      لا شيء

اقرأ ايضاً