العدد 5164 - الأربعاء 26 أكتوبر 2016م الموافق 25 محرم 1438هـ

ومتى القضاء على «داعش» فكريّاً وسياسيّاً؟!

صبحي غندور

مدير مركز الحوار العربي في واشنطن

الحملة العسكرية الجارية ضدّ دويلة «داعش» في العراق مهمّة جدّاً، بغضّ النظر عن كلّ الملاحظات التي يبديها البعض لأسبابٍ كثيرة. فما هو البديل الذي يريده من يعترضون على الحملة؟ وهل بقاء دولة «داعش» خيرٌ وأفضل للعراق وللمنطقة؟!. إنّ المشكلة ليست في كيفية تحقيق الحملة العسكرية، بل في البيئة الفكرية والسياسية التي ساعدت وتساعد على وجود ظاهرة «داعش» داخل العراق وسورية وليبيا، كما الآن في دول أخرى كثيرة بالعالم.

وغير صحيح إطلاقاً أنّ وجود «داعش» سببه فقط ممارسات مذهبية أو تدخّل من دول مجاورة، إذ كيف نفسّر وجود «داعش» في ليبيا حيث لا انقسامات طائفية أو مذهبية، ولا دولة مجاورة ساعدت على وجودها؟!، وكيف نفسّر وجود أتباع لهذه الجماعة الإرهابية في أوروبا وأميركا وإفريقيا؟!.

إنّ «داعش» الآن، ومعها وقبلها «القاعدة»، استطاعتا استقطاب قطاعاتٍ واسعة من شباب العرب والمسلمين بسبب غياب فعالية الفكر الديني السليم، الذي يُحرّم أصلاً ما تقوم به هذه الجماعات من أساليب قتلٍ بشعة، ومن جرائم إنسانية بحقّ الأبرياء من كلِّ الطوائف والمذاهب والجنسيات، بل كل من يختلف معها، حتّى من داخل الوطن أو الدين نفسه. فلو لم يكن هناك فراغٌ فكري للمفهوم الصحيح للدين وللمواطنة، المترافق مع تصدّع الدولة المركزية في البلدان التي استولت فيها «داعش» على بقع جغرافية، لما أمكن استقطاب هذا الحجم من أتباع هذه الجماعات.

إنّ تنظيم «داعش» استفاد أيضاً ممن يتحدّثون ضدّه شكلاً ويدعمون ضمناً - ولو عن غير قصد - مبرّرات وجوده حينما يتّجهون بأفعالهم وأقوالهم إلى «عدوّهم» الآخر، وهو هنا قد يكون من طائفة أخرى أو مذهبٍ آخر. وطبعاً، فإنّ هذا النوع من «الدعم» يزيد الآن الشروخ الإسلامية والعربية، ولا يبني سدوداً منيعة أمام جماعات التطرّف، بل على العكس، يرفدها بمزيدٍ من المؤيّدين.

لقد كان إعلان وجود «الدولة الإسلامية» في العراق وسورية هو مقدّمة عملية لإنشاء دويلات دينية جديدة في المنطقة، كما حصل من تقسيم للبلاد العربية بعد اتفاقية سايكس - بيكو في مطلع القرن الماضي، ممّا يدفع هذه الدويلات، في حال قيامها، إلى الصراع مع بعضها بعضاً، وإلى الاستنجاد بالخارج لنصرة دويلة على أخرى، وإلى إقامة تحالفات مع إسرائيل نفسها، كما حصل أيضاً خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية.

فهل يشكّ أحدٌ في مصلحة إسرائيل ودورها في نموّ جماعات التطرّف الديني وفي وجود دولة «داعش»؟! وأين المصلحة الإسلامية والعربية في مواصلة الصراعات والخلافات الفرعية أمام هذا الخطر المحدق بالجميع الآن؟!

إنّ المنطقة العربية مهدّدة الآن بمشروعين يخدمان بعضهما بعضاً: مشروع التدويل الأممي لأزمات عربية داخلية، ثمّ مشروع التقسيم الصهيوني لأوطان وشعوب المنطقة. وما تقوم به جماعات التطرّف الديني العنفي، وفي مقدّمتها «داعش»، يساهم في تحقيق المشروعين معاً في ظلّ غياب المشاريع الوطنية العربية التوحيدية.

ظاهرة «داعش» نمت في بيئة الفوضى والانقسامات الوطنية، وفي وحل جماعات الإرهاب في سورية والعراق، وهدّدت بوجودها مصير معظم دول المنطقة. لكن عنصر التهديد هنا ليس نابعاً من القوة الذاتية فقط لهذه الجماعة الإرهابية، بل أيضاً من الخلط الذي يحصل حاليّاً بينها وبين قوى سياسية محلّية معارضة في كلٍّ من سورية والعراق. فلو لم تكن هناك أزمات سياسية داخلية لما وجدت «داعش» بيئةً مناسبة لها للتحرّك ولضمّ عددٍ من المناصرين لها. فالمشكلة الآن هي لدى من يواجه ظاهرة «داعش» كجماعة إرهابية ويرفض معالجة أسباب انتشارها في بعض المناطق، وهي أيضاً مشكلة لدى من يراهنون على «داعش» لتوظيف أعمالها لصالح أجندات محلية أو إقليمية خاصّة، بينما هم لاحقاً ضحايا لهذه الأعمال ويحترقون أيضاً بنيرانها.

تساؤلات كثيرة مازالت بلا إجاباتٍ واضحة تتعلّق بنشأة جماعة «داعش»، وبمَن أوجدها ودعمها فعلاً، ولصالح أية جهة أو لخدمة أي هدف!. لكن حين تتبرّأ قيادة تنظيم «القاعدة» من «داعش» وممارساتها، فهذا بحدّ ذاته يوضح مستوى أعمال الإرهاب والإجرام التي تمارسها «داعش». ومن هذه التساؤلات مثلاً: لِمَ كانت التسمية: تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بما يعنيه ذلك من امتداد لدول سورية ولبنان والأردن وفلسطين، وهي الدول المعروفة تاريخيّاً باسم «بلاد الشام»، وعدم ذكر تركيا أو الجزيرة العربية أو دول إسلامية وعربية أخرى، طالما أنّ الهدف هو إقامة «خلافة إسلامية»؟! أليس ملفتاً للانتباه أنّ العراق ودول «بلاد الشام» هي التي تقوم على تنوّع طائفي ومذهبي وإثني أكثر من أيّة بقعةٍ عربية أو إسلامية أخرى في العالم؟! ثمّ أليست هذه الدول هي المجاورة لـ «دولة إسرائيل» التي تسعى حكومتها الراهنة جاهدةً لاعتراف فلسطيني وعربي ودولي بها كـ «دولة يهودية»؟! ثمّ أيضاً، أليست هناك مصلحة إسرائيلية كبيرة في تفتيت منطقة المشرق العربي أولاً إلى دويلات طائفية وإثنية فتكون إسرائيل «الدولة الدينية اليهودية» هي الأقوى والسائدة على كل ماعداها بالمنطقة؟!. وأيُّ مصيرٍ سيكون للقدس وللشعب الفلسطيني ولمطلب دولته المستقلّة ولقضية ملايين اللاجئين الفلسطينيين وسط الحروب الأهلية العربية والإسلامية ونشوء «الدويلات» الدينية والإثنية؟!.

أليس كافياً لمن يتشكّكون بالخلفية الإسرائيلية لهذه الجماعات الإرهابية، التي تنشط بأسماء عربية وإسلامية، أن يراجعوا ما نُشر في السنوات الأخيرة عن حجم عملاء إسرائيل من العرب والمسلمين الذين تمّ كشفهم في أكثر من مكان؟! أليس كافياً أيضاً مراجعة دور إسرائيل خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وكذلك العلاقات التي نسجتها منذ عقود مع جماعات في العراق، وهي تفعل ذلك الآن مع قوى معارضة في سورية؟!.

لقد حقق «نفخ» تنظيم «القاعدة» أهدافه بعد أحداث (سبتمبر/أيلول 2001)، وشهدنا حروباً ومتغيّراتٍ سياسية وأمنية في أمكنة واتجاهات مختلفة، وكان الحديث عن «القاعدة» وكأنّها شبحٌ جبار يظهر ويتحرّك في أرجاء العالم كلّه من أجل تبرير الحروب والمتغيّرات. الآن، يتكرّر المشهد نفسه مع تنظيم «داعش»، ولا نعلم بعد أين وكيف سيتمّ توظيف توأم «القاعدة»؛ لكن الممكن إدراكه هو أنّ هذه الظاهرة مصيرها الاضمحلال، فهي حركة هدم في الحاضر، لا من أجل بناء مستقبل أفضل، وهي بفكرها وممارساتها ستجعل مناصريها قبل خصومها أول من يواجهها ويحاربها، وهي قد تخدم الآن مشاريع جهاتٍ متعدّدة، لكن سيتّضح عاجلاً أم آجلاً خدمتها للمشروع الإسرائيلي فقط، الذي لا يرحم أحداً غيره.

حبّذا لو تكون هناك مراجعات عربية ودولية لتجارب معاصرة في العقود الماضية، كان البعض فيها يراهن على استخدام أطراف ضدّ أطرافٍ أخرى، فإذا بمن جرى دعمه يتحوّل إلى عدوٍّ لدود. ألم تكن تلك محصّلة تجربة «العرب الأفغان»، خلال الحرب على الشيوعية في أفغانستان، حيث كانت نواة «القاعدة» تولَد هناك؟! هو درسٌ يتعلّمه الآن أيضاً مَن راهن مِنَ المعارضة السورية على جماعات «النصرة» و»داعش»، فإذا بهم يدفعون الثمن غالياً نتيجة هذه المراهنة الخاطئة. فلا تغيير المجتمعات يصحّ بالعنف الدموي، ولا الحرص على الخصوصيات الوطنية والدينية يبرّر هذه الانقسامات الدموية الجارية في عدّة بلدانٍ عربية. وعلى من يريدون فعلاً إنهاء ظاهرة «داعش» ومثيلاتها، ويريدون استئصالها من العالمين الإسلامي والعربي، أن يحاربوا فكرها أولاً، وأن يصلحوا حالهم السياسي!

إقرأ أيضا لـ "صبحي غندور"

العدد 5164 - الأربعاء 26 أكتوبر 2016م الموافق 25 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:48 ص

      داعش لن يقضى عليها وهي تعتبر سلاح لبعض الدول وقد انكشف للعالم من هي داعش ومن أنشأها ومن يدعمها ماليا واعلاميا ومن يولول اذا ضربت داعش ومن اعتبر الدواعش ثوّارا ولا زالت بعض الجرائد موجودة والاشرطة مسجّلة للاعلام المضلل الذي روّج بانهم ثوّار

اقرأ ايضاً