العدد 17 - الأحد 22 سبتمبر 2002م الموافق 15 رجب 1423هـ

روسيا... وهويتها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من ينظر إلى حركة القيادة الروسية (الكرملين) السياسية يجد أنها حركة «من دون بركة»، فالكرملين منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ضاعت هويته وبات أسير دائرة يدور في داخلها حول نفسه. مرة يتجه جنوبا ومرة شمالا ومرات شرقا وغربا. فروسيا الكبرى تبحث في كل الاتجاهات عن دور لها يليق بمقامها الضخم وحتى الآن لم تتوفق في احتلال المكان المناسب لمكانتها الجغرافية والتاريخية والثقافية والعسكرية (أكبر قوة نووية).

وروسيا، الدولة الكبرى، تحولت إلى هيئة من دون استراتيجية واضحة، فأضحت في نظر القوى الكبرى قوة «عاطلة عن العمل» تبحث عن مصدر للرزق في وقت تملك أكبر الاحتياطات في العالم من ثروات طبيعية وخامات إلى تنوع في تضاريسها الجغرافية الممتدة شرقا إلى حدود الصين واليابان وغربا إلى قلب أوروبا الشرقية.

فالروسيا، كما يقال لها، لاتزال إلى الآن أكبر دولة في مساحتها الجغرافية على رغم ما أصابها من تفكك وانشقاقات. وعلى كبر حجمها عانت دولتها (المركزية دائما) تاريخيا من صعوبات للسيطرة على مساحاتها الشاسعة. فحين تشرق الشمس في شرق روسيا يغط غربها في النوم. وحين تشرق في الغرب يستعد شرقها للنوم.

هذه الروسيا، أصبحت اليوم أمة ضائعة من دون هوية، مرة تتجه شرقا وتوقع اتفاقات اقتصادية وأمنية مع الصين وكوريا واليابان. ومرة تتجه غربا طالبة من أوروبا الاعتراف بها كدولة أوروبية، وأحيانا تحلق فوق الأطلسي إلى الولايات المتحدة طالبة بعض المساعدات المالية مقابل السكوت عن احتلال أفغانستان، أو تدمير يوغوسلافيا، أو ضرب العراق، أو مناصرة «إسرائيل» في المحافل الدولية. وأحيانا تقايض واشنطن الشعوب بالشعوب: في السابق: «اتركوا لنا الشيشان نترك لكم البوسنة». والآن: «اتركوا لنا جورجيا نترك لكم العراق»... «اعطونا حصة أكبر في ثروات بحر قزوين النفطية نغض الطرف عن وجودكم العسكري في الجمهوريات الخمس الآسيوية».

هذه هي روسيا اليوم. دولة كبرى من دون هوية. فهي لم تحسم موقعها حتى الآن، ولم تنجح في الإجابة عن السؤال: هل روسيا دولة آسيوية أم هي أوروبية؟ وهل هي آسيوية في معنى الشرق البعيد (الصين، اليابان) أم آسيوية في معنى الشرق القريب (الهند، إيران، تركيا، الدول العربية)؟

وإذا كانت ليست آسيوية في البعدين: الشرق البعيد أو القريب، هل حسمت هويتها الأوروبية؟ وإذا كانت أوروبية فأي أوروبا تقصد: القريبة (شرق القارة) أم البعيدة (غرب القارة)؟ وإذا كانت أوروبية، ماذا تفعل في هذا الكم الجغرافي الهائل والزائد. فأكثر من 75 في المئة من مساحة روسيا ينتمي جغرافيا وبشريا إلى آسيا وثقافاتها ودياناتها (الإسلام هو القوة الأكثر تأثيرا في صوغ شخصيتها). كل هذه الأسئلة تركتها روسيا بعد انقلاب الكرملين على الاتحاد السوفياتي معتبرة إياها مجرد سجالات (فكرية - فقهية) لا تزيد ولا تنقص من قرارها الاتجاه غربا.

تركت روسيا في لحظة انقلابها على نفسها عشرات الأسئلة معلقة من دون أجوبة حين لاحت بيارق الدولارات من بعيد. تركت أسئلة الهوية وركضت وراء أجوبة الاقتصاد. وحين اكتشفت ان تلك البيارق كانت خدعة تاريخية، خسرت نفسها ولم تكسب الغرب. فالغرب يدعم الكرملين سنويا بقروض تصل أحيانا إلى سبعة مليارات دولار، إلا انه يهرب من روسيا من طريق «المافيات» أكثر من 70 مليارا. حتى كادت روسيا ان تصل في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين إلى شفير الافلاس بعد ان افقرت ونهبت حتى من كنوزها الأثرية التي انتقلت إلى «صالونات» أثرياء الغرب.

روسيا بعد يلتسين حاولت ان تتغير، إلا انها بقيت أسيرة السياسة التي انتهجها. بذل الرئيس الحالي فلاديمير بوتين الكثير من الجهد لتعديل كفة الميزان من خلال الاستفادة من قوة روسيا الذاتية (الثروة والسلاح) ومن تجربة دولة «الاتحاد السوفياتي» التي تركت ثروة من العلاقات مع دول العالم الثالث وشعوبه... وحتى الآن لم تثمر تلك «العودة». والسبب ان الكرملين لم يحسم خياراته الاستراتيجية ويجيب عن أسئلة الهوية.

تلك الأسئلة سهلة الإجابة نظريا ولكنها صعبة تاريخيا وجغرافيا. فأين اتجهت روسيا هناك مشكلة داخلية بين هويتها والعناوين الكبرى لمصالحها الاستراتيجية.

وهذه ليست مشكلة بوتين ولا يلتسين ولا من قبلهما جورباتشوف وبريجنيف. المشكلة فعلا لها صلة بأزمة الهوية وهي أزمة تعود إلى مطلع العهد الشيوعي ونهاية العهد القيصري. حتى أيام القياصرة كانت لروسيا عقدة نقص تاريخية، فهي ضائعة بين هويتين أو نصف هويتين. فهي آسيوية ونصف آسيوية وهي أوروبية ونصف أوروبية.

كل هذا الكم من «الانصاف» فرض على الكرملين دائما انصاف الحلول. وهذا انعكس بدوره على حركتها الاستراتيجية. فاستراتيجية من دون هوية سياسية - ثقافية هي استراتيجية ضائعة تبحث دائما عن مرشد يدلها على الطريق. ومن يحتاج إلى «مرشد» يبقى دائما كالعاطل يبحث عن عمل أو مساعدة تنقذه من «الموات» التاريخي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 17 - الأحد 22 سبتمبر 2002م الموافق 15 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:10 م

      جغرافيييه ksa

      وبعد كل الكلااام السؤال روسيا هل هي دوله اسيويه او اوروبيه
      اورييد معرفه الاجااابه!!!!!!

    • زائر 1 | 5:22 ص

      تاريخ العدد خاطيء ؟؟!!

      الإثنين 23 سبتمبر 2002م
      لم يوافق :
      06 ذي القعدة 1430 هـ
      ؟؟!!

اقرأ ايضاً