مقدمة حصرية لـ”بيللا” من كتاب قيد الإنشاء

أتذكّر جلياً أول يوم لي في الصف الأول الابتدائي، بدأ يومي سعيداً، مريلة جديدة وحذاء أسود لامع وحقيبة جميلة ومقلّمة.. وانتهى بعُقدة جعلتني أمقت المدرسة إلى آخر يوم في الثانوية العامة...

استلمنا الكتب، رحت أقلبها وأتصفح الأوراق وشدتني صفحة في كتاب العلوم كانت عبارة عن رسم لأرنب بخطوط منقطة فأخرجت قلمي الرصاص وقمت بإيصال النقط ببعضها وأكملت رسم الأرنب بإتقان.. وفجأة.. شعرت بضربة على رأسي تبعتها صرخة مدوية:

“كَسرْ بإيدك، منو قال لك تشخبطين عالكتاب”؟؟!

رفعت رأسي فشاهدت وجهاً عبوساً ملأتهُ التجاعيد مع نظرة غضب شديد زادته بشاعة.. و لا أدري إن كانت “شخابيطي” هي السبب الأساسي لذلك الغضب، أم هي تراكمات قديمة وكانت فعلتي البريئة هي القشة التي قصمت ظهر البعير.. و لسوء طالعي ...انهارت على راسي..

نظرت إليها -”أبلة خديجة”- وأنا أضع يدي على رأسي لأحميه من ضربة أخرى متوقعة.

“ممم .. إذاً هذه هي المدرسة” معقلا للتعذيب”!!

لا أستطيع أن أصف مدى الرعب الذي شعرت به، حبست دمعة كادت أن تقفز من عينيَّ، كنت، وما زلت أشعر بالخجل من البكاء أمام الناس.. وأتظاهر بالقوة واللامبالاة ولكن تلك الحادثة تركت ندبة بقيت محفورة في نفسي، أظل أتحسسها وأتحدث عنها كلما طرقنا باب الذكريات.

كان بإمكاني أن أخبر والدتي عما حدث، فلا يوجد ما يمنع ذلك.. لكنني لم أخبرها وباختياري خشية أن تلحق بي أبلة خديجة الأذى مرة أخرى.

تصوروا أن يحدث هذا مراراً وتكراراً ولا تستطيع أن تخبر والدتك على الرغم من أنك تحترق ألماً وتريد ذلك لكنك لا تستطيع.. فأي بدن هذا يستطيع كتم صرخة ظلم مدوية.. ابني “فارس” وبعد أن ألجم لسانك التوحد، لقد كبرت الآن ولم يعد يختزن رأسك ذلك الظلم وبعد أن اجتزت إعاقة الكلام...أخبرني ماذا حدث ؟؟

شاءت الأقدار أن يرزقني ربي بطفلي الثاني “فارس” يعاني من علة التوحد، وضع ابني غيَّرَ مجرى حياتي وغيَّرَ من شخصيتي بصورة كبيرة، وجوده في حياتي جعلني أعيد صياغة أولوياتي وعلمني تلك الرسالة التي أوجزها لكم باختصار:

“أنت تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يريد”.