العدد 5189 - الأحد 20 نوفمبر 2016م الموافق 20 صفر 1438هـ

كذب أم تجميل؟

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

حتَّامَ أكذب للورى... وإلى متى أتجمَّلُ؟ ماذا لو حاولنا أن نتساءل كما تساءل البهاء زهير في بيته السابق، بشأن جدوى الكذب وتجميل ما لا يجمل؟ هل سنصادف كل ما نصادفه اليوم من فقاعات بدأت تعلو في محيطنا، وهي خاوية هشة، من الممكن أن تتلاشى مع أول محاولة لمعرفة ما بداخلها؟

كم من المرات جامل أحدنا غيره كي لا يؤذي مشاعره؟ أبدى إعجابه بما لا يمكن أن يُعجب به، لأن من قام به أو قدّمه شخص قريب منه يخشى عليه اليأس؟ وكم توالت هذه المرات لتكون سياسة دائمة بعد أن كانت مجرد مجاملة لمرة واحدة؟

على الصعيد الشخصي، كثيراً ما نجامل المقربين منا، بغرض تشجيعهم وشحذ هممهم، من غير الالتفات إلى تبعات هذه المجاملات إن تكررت. فأن نجامل مرةً أو اثنتين، ذلك أمر مقبول طالما لم يكرّس مسألة تعظيم خطأ أو تمجيد سوء أو قبح. فنحن كما غيرنا بحاجةٍ للمجاملة والكلمة الطيبة التي تنتشلنا من اليأس إلى الأمل، وتهدينا شيئاً من النور، حين نشعر أن الظلام ساد حياتنا في لحظة ضعف. ولكن لابد من الاهتمام بضرورة عدم جعل هذه المجاملات سياسة قد تقضي على المواهب وتمنع تطوّرها كما يحدث كثيراً، وينتقد كثيراً في مواقع التواصل الاجتماعي في مجالات الكتابة وبقية الفنون الإبداعية.

هذه المجاملات أدت إلى ظهور كثير من الشخصيات «الإبداعية» الوهمية التي صدقتها، وتعملق بداخلها شعورها بالعظمة، حتى إذا انتقدها أحد من النقاد في مجالاتها ممن يريد لها خيراً، لم تعره اهتماماً ولم تصدق ما يقول، بل وأحياناً اتهمته بالغيرة والحسد!

والأمثلة على هذا كثيرة؛ فكم من كويتب صدّق كونه كاتباً فذاً لما يلقاه من إطراء أكبر بكثير من حجمه الحقيقي، وكم شويعر ظنّ أنه من فطاحل الشعراء، فأصدر الكتب واحداً تلو الآخر، وكم من «مخربش» على الورق، أقام معارض فنية متعددة لأن من حوله أوهموه بأن ما يقدّمه هو فن راق؟

يكبر هؤلاء في محيطهم وتكبر أسماؤهم، وهم في النهاية لا يمتون للإبداع بصلة، وكل ما يحدث أنهم يعتبرون نماذج سيئة تمثل بلداننا، فتسيء إلى سمعة مبدعيها حين يشاهد ويسمع ويقرأ الآخرون ما يقدمون، فيصدمون من مستوى مشاهيرنا، وقد يقيسون عليها مستوى الإبداع في بلداننا، وهو ما يحدث كثيراً.

على مستوى أداء الدول لا يخلو الأمر من المجاملة أيضاً. فكم من متملق لم يملك من الكلام سوى: «الله لا يغير علينا»، و»عساك على القوة»، و»رايتك بيضا»، وغيرها من العبارات المنمقة التي طالما استهجنها المسئول قبل غيره، وهو يعلم مستوى أدائه، ولكن تكرارها يجعل بعض أصحاب النفوذ يمعنون في أخطائهم وتقصيرهم، ولا يقدمون ما يجب تقديمه أبداً، طالما أنهم لا يسمعون إلا كلام المجاملة المنمق المعسول.

الإعلامي والموظف، والمواطن والمسئول، كلهم أمام المسئولية سواء في تقويم أداء أصحاب السلطة، فما الضير في أن نقول للمقصر انتبه؟ وأن نشكر المتفاني على أدائه ليقدّم الأجمل دائماً، وأن نشير بأصابعنا إلى الفاسد، ونطالب بمحاسبة كل من لم يقم بواجبه كما يجب؟

المجاملة مطلوبة في مواضع معينة ما لم تسبب ضرراً أو أذى، ولكن الأجمل أن نستخدم الأسلوب العلمي لها، بأن نقدم الجيد من دون غض النظر عن السلبي والسيء بأسلوب نقدي غير جارح أو متجن.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5189 - الأحد 20 نوفمبر 2016م الموافق 20 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:53 ص

      للأسف أحد أسباب تأخر الأمة العربية هي المجاملة من أجل المصلحة الشخصية على حساب تقدم وتطور الأوطان

    • زائر 2 | 12:38 ص

      مقال رائع
      ليتنا نعرف الفرق بين المجاملة المطلوبة والأذى اللي نلحقه بالمجتمع والناس

    • زائر 1 | 11:44 م

      المجتمع الشرقي مبني على المجاملات التي تعتبر (برستيج اجتماعي), فكلمة (تفضلوا تغدوا ويانه) لا تعني بالضرورة دعوة الحقيقية انما امر عندما اذا لم يفعله شخص في هذا الموقف سيعتبر غير لائق!!!

    • زائر 5 زائر 1 | 11:36 ص

      هذا يصنف من الكذب

اقرأ ايضاً