العدد 5190 - الإثنين 21 نوفمبر 2016م الموافق 21 صفر 1438هـ

مبنى المحاكم الشرعية البعيد عن مقر مجلس القضاء والمحاكم الأخرى سيزيد الطين بلة

شهزلان خميس

محامية بحرينية

تختص المحاكم الشرعية بنظر قضايا الأحوال الشخصية، وفي غالبها القضايا التي تخص أكبر وأخطر عقد يعقده الرجل والمرأة على حد سواء؛ لأنه تتعلق به حياة الأسرة بكاملها، وكذا يتعلق به مستقبلها ومستقبل أبنائها، فإن حدث وفشل هذا العقد، ساءت حياة الأسرة، وانشرخ أمنها وأمانها، وإن صادفه النجاح نشأ أفراد الأسرة في بيئة صحية وآمنة على جميع المستويات، وكذا ربح المجتمع وقلت همومه وزادت عافيته.

لذا فلابد وأن تقام محاكم شرعية تتضافر فيها جميع أسباب نجاحها، محاكم تكون جاهزة ومجهزة ومختصة ومتخصصة ومؤهلة، ولها من الخبرة والعلوم الشرعية ما يجعلها قادرة على حل القضايا الناشئة عن خلافات الأزواج بشكل عادل ومتبصر وحكيم ومراع للأسرة ولعلاقات الأسرة وصلة الرحم، التي نادى بإيصالها رب العرش الكريم؛ وذلك لإيصال الأسرة بكاملها إلى بر الأمان دون تخبط ودون تحيز ودون شخصنة.

وحيث أن المحاكم الشرعية اليوم تفتقد في مجملها الكثير مما ذكرناه، سواء على مستوى الشكل أي كمبان، أو على مستوى النظام والإجراءات التي تحكمها كنظام إداري، وأيضا كعناصر تعتلي أهم منصة قضائية على الإطلاق؛ لأنها تتعلق ليس بحياة أشخاص بالغين؛ بل ممكن أن تكون تتعلق بحياة أطفال رضع وصغار لاحول لهم ولا قوة، ذلك كون مجرى القضية الشخصية قد يذهب لمكان ليس له علاقة بمحيطه الواقعي؛ بل لمكان يختلط فيه الحابل بالنابل، ويحتاج من يصححه بشكل عاقل ومتأن، واضعا في اعتباره مصلحة الأسرة وكذا المحيط الواقعي لوضع المجتمع والنظام العام، وما يتوافر فيه من بدائل، وكذا من وسائل ممكن أن تساعد الأسرة وأطفالها للوصول لبر الأمان.

لذا يدلنا الواقع العملي على أن المحاكم الشرعية بمجملها وعلى جميع المستويات تحتاج لإصلاح ولإعادة صياغة من حيث النظام القضائي، وكذلك تأهيل القضاة وزيادة عددهـم، وزيادة ثقافتهم على المستوى القانوني والإنساني فوق الشرعي طبعا، طبعا مع الأخذ بعين الاعتبار بأن المحاكم الشرعية بها من العناصر القضائية الجيدة والممتازة والمتطورة والتي لديها استعداد لتطوير ذاتها ومعلوماتها وثقافتها وخبرتها بشكل يومي وملحوظ.

وبالنسبة لما سمعناه حديثا من أنه يجري العمل على تخصيص مبنى مستقل لمحاكم الأحوال الشخصية، فتلك بادرة جيدة وتستحق التقدير لو نفذت بشكل مدروس ومراع؛ ولكن مع الأسف ما سمعناه بصيغته سيذهب بالمتقاضين إلى مرحلة أصعب من صعوبة الوقت الراهن، حيث ان هذا الإجراء بالصيغة التي سمعناها سيزيد الطين بلة، ويضيف لهموم الأسرة البحرينية والمرأة بشكل خاص هما آخر ومسألة معقدة تحتاج إلى حلول.

إذ إن بيت القضاء الشرعي بصيغته الحالية، ولو أنه جرى تحسينه وخاصة أن به عناصر رائدة وتأخذنا نحو الأمل، فهو يحتاج لترتيب وتأهيل ودراية بالقانون، ففصل المبنى لمحاكم الأحوال الشخصية لن يكون حلا؛ بل ترقيعا في ثوب بالية لن ينفعها ترقيعها وستظل على رغم ذلك ثوبا بالية؛ ولكنه وإن كان ولابد من فصل مبنى المحاكم الشرعية كمبنى عن المحاكم الأخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار بأننا كقانونيين ضد تجزئة القضاء، وجعل مبناه مستقلا، ولكن وجب أن يكون هذا المبنى المستقل بالدرجة الأولى بمنطقة المنامة، أي بالعاصمة وليس بغيرها، فهي العاصمة، وهي منطقة معروفة لجميع المواطنين والأجانب، إذ إن المحاكم الشرعية تقضي بقضايا المسلمين وحتى الأجانب منهم، فالعاصمة فوق أنها منطقة وسط ومعروفة للعامة، ويسهل الوصول إليها ومراجعتها بشكل يومي، وذلك ما تتطلبه القضايا الشرعية، إذ إن المشكلة الزوجية الواحدة يترتب عليها رفع عدة قضايا بذات الوقت، ناهيك عن ذهاب القضايا بعد محكمة البداية لمحاكم الاستئناف، وبذلك تطول مدة التقاضي لتصل لسنوات.

وكذا لابد أن يكون هذا المبنى على مقربة من مبنى مجلس القضاء وهيئات التفتيش القضائي، حتى يسهل على المواطنة والمواطن رفع أي مشكلة تواجهه في التو واللحظة لهذه الجهة المعنية، مما يسهل وييسر الأمر على المتقاضين وخاصة النساء منهم، فمن الصعب تخصيص يوم كامل للجلوس في المحاكم الشرعية يقضيها الشخص بين المواصلات والانتظار بقاعة المحاكم، وكذا تخصيص يوم آخر للذهاب لوزارة العدل والبحث عن موقف بالمنطقة الدبلوماسية، وهو بصعوبة البحث عن إبرة بكومة قش، ليرفع شكواه لجهة التفتيش القضائي، التي ستبعث لجلب الملف من جهة المحاكم الشرعية، وعرضه ودراسته لجهة التفتيش القضائي لإعطاء الرأي وتقديم الحل، ناهيك عن أن المحاكم الشرعية، وهي جزء من مؤسسة القضاء الذي لا تنفصل عنه بتاتا، ولابد وأن يراعي شروط المأسسة، وأولها أن تكون هذه قريبة من المواطنين، وسهل الوصول إليها ومراجعتها في أي وقت ودون عناء أو مشقة.

وما ورد لمسامعنا بأنه يجري العمل على تجهيز مبنى للمحاكم الشرعية بمنطقة الرفاع الغربي، فهو أمر ليس بالمحمود من حيث الموقع، وبرغم اعتذارنا لساكنيها الكرام وبسبب هذا القرار فسيواجه المتقاضون وخاصة النساء منهم صعوبات كثيرة ومتنوعة تزيد فوق شقائهم شقاء، وستضيف لمعضلات النساء أمام بعض المحاكم الشرعية معضلة أخرى، أولها في كيفية الوصول لهذا المبنى البعيد جدا عن مناطق المحرق والمنامة وغيرها، والتي ستحتاج لشد الرحال، وتحتاج لمواصلات مع تخطي صعوباتها، أو تفرغ بالكامل من المتقاضين ومن قبل المحامين والمحاميات الذين سيترافعون أمام المحاكم الشرعية لريادة هذه المحاكم أو الحضور أمامها.

ناهيك عن أمر آخر لابد وأن يراعى لأهميته القصوى، حيث يتعلق بتحصيل الحقوق، وحق تعيين محام للدفاع، حيث الحصول على محام للترافع والدفاع والذهاب يوميا للمنطقة الرفاع الغربي سيكون من الصعوبة بمكان، حيث الصعوبة لن تواجه المتقاضيات فقط؛ بل ستواجه المحامين والمحاميات بحيث سيعزف كثير منهم عن أخذ هذه القضايا، وإن حصل فستزيد أتعاب هذه القضايا وتتضاعف لصعوبة حضور القضايا الشرعية والقضايا بذات اليوم أو التاريخ بالمحاكم المدنية والتجارية والجزائية والعمالية والإيجارية، وكذا الحضور أمام النيابة العامة وغيرها من المراجعات الإدارية التي تتعلق بتلك القضايا، ويدلل على ذلك ما يلاقيه المحامون من صعوبات جمة في الحضور أمام المحاكم المدنية والشرعية وبينهما، فتصوروا أن المحامي ينتقل بين الرفاع والمنطقة الدبلوماسية في زحمة المرور الخانقة، فإنه أكيد لن يوفق في الحضور أمام أي محكمة، وأتعاب هذه القضايا لن تغطي قيمة إرجاع قضاياه من الشطب الذي ارتفع ليصل لــ 50 دينارا لكل شطب، وعليه نلتمس من أصحاب المعالي والسعادة الموقرين القائمين على هذا الأمر والذين بيدهم القرار، إن كان لابد من فصل مبنى المحاكم الشرعية، بأن يكون على مقربة من مبنى المحاكم المدنية الحالي، لمصلحة المتقاضين من أفراد الأسرة البحرينية، والمرأة أولا وأخيرا، ولكم جزيل الشكر.

إقرأ أيضا لـ "شهزلان خميس"

العدد 5190 - الإثنين 21 نوفمبر 2016م الموافق 21 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:43 م

      شخصياً ضد قرار نقل المحاكم الشرعية للرفاع
      تكفي محاكم المرور والمحاكم العسكرية اما باقي المحاكم أتمنى تبقى مكانها او نقلها جميعا للرفاع دفعة واحدة افضل من نقل جزء وترك أجزاء

    • زائر 2 | 1:23 ص

      على الجرح أستاذة .... هناك من يبحث عن العدالة و آخرون يبحثون عن الشكل الخارجي

اقرأ ايضاً