العدد 26 - الثلثاء 01 أكتوبر 2002م الموافق 24 رجب 1423هـ

البيئة البحرية في الخليج... الواقع والتحديات

يعتبر الخليج العربي من المناطق البحرية حديثة التكوين من المنظور الجيولوجي مقارنة بالبحار الأخرى. فقد نشأ الخليج قبل حوالي 5 ملايين عام بعد ابتعاد صفيحة شبه الجزيرة العربية عن القارة الافريقية مندفعة في اتجاه آسيا وبالتالي مكونة البحر الأحمر في الجانب الغربي، والخليج العربي في الجانب الشرقي.

وكما هو معروف فإن الخليج العربي يتميز بالملوحة العالية والحرارة المرتفعة وضحالة مياهه وبالذات في الساحل الغربي للخليج المواجه لدول الخليج العربية. كما يحتاج الخليج بوصفه منطقة شبه مغلقة من 3 إلى 5 سنوات لتجديد مياهه الداخلة من المحيط الهندي عن طريق مضيق هرمز. وقد شكلت تلك الصفات الطبيعية ضغوطا بيئية كبيرة على الكائنات التي تعيش في مياه الخليج أو في المناطق الساحلية التي تتعرض كذلك إلى حرارة إضافية من الشمس الحارقة في فترة الجزر. ومنذ آلاف السنين استطاعت الكثير من الكائنات البحرية الموجودة في مياه الخليج التكيف لمواجهة الظروف الطبيعية القاسية على رغم أن الباحثين في المنطقة يعتقدون بأنه نظرا إلى تلك التحديات الطبيعية فإن كائنات المنطقة تعيش على حافة الخطر وبالتالي فإن أي ضغوط أخرى نتيجة النشاطات البشرية سيكون لها أثر سلبي كبير قد يؤدي إلى انقراض بعض الأنواع من المنطقة.

وعلى رغم العوامل البيئية الصعبة في بيئة الخليج فإن المنطقة تتميز بتنوع كبير في البيئات الطبيعية مثل:

السبخات الملحية: وهي أراض قرب الساحل تكون الملوحة فيها عالية جدا إذ يمكن مشاهدة كميات كبيرة من الملح متراكمة فيها، ويتعذر عيش الكائنات فيها إلا بعض الكائنات المجهرية التي لها قدرات فسيولوجية مميزة يمكنها التكيف مع التركيز العالي من الأملاح.

النباتات الملحية الساحلية: أنواع كثيرة من النباتات التي يمكنها العيش في تربة عالية الملوحة مثل نبات السويدة والخريز الذي ينتشر بكثرة في سواحل الخليج.

شجيرات القرم: من البيئات المهمة في الخليج وتتواجد في الساحل الغربي والشرقي وتشكل مناطق حضانة لبعض الأسماك والربيان وتكاثر لبعض الطيور مثل دجاج الماء وأبوالمغازل. توجد شجيرات القرم في جنوب ووسط الخليج ولا توجد في شماله، وفي البحرين فإن خليج توبلي هو المكان الطبيعي الذي توجد فيه هذه الشجيرات وخصوصا في محمية رأس سند.

المسطحات الطينية: الكثير من المسطحات الطينية يمكن مشاهدتها في الساحل العربي للخليج وبالذات المناطق هادئة الموج. تعتبر من البيئات الغنية والتي تقصدها الأسماك للغذاء في فترة المد وتوجد فيها الطيور الخواضة في فترة الجزر لتقتات على الكائنات المدفونة في الطين خصوصا.

المسطحات الرملية: توجد السواحل الرملية في مناطق كثيرة بالخليج وتوجد فيها بعض الكائنات المختلفة عن تلك التي تعيش في الطين مثل أنواع من الصدفيات ودولار الرمل.

السواحل الصخرية: معظمها توجد في السواحل الإيرانية ولكن يمكن مشاهدة بعض السواحل الصخرية في جنوب الخليج عند رأس الخيمة وعُمان ومناطق محدودة في جزر حوار بالبحرين.

الشعاب المرجانية: من البيئات البحرية الغنية في التنوع البيولوجي، فتشكل تلك المستعمرات المرجانية منطقة جذب للكثير من الكائنات البحرية التي تعتمد على بعضها في سلسلة معقدة من التكامل الغذائي. توجد أنواع كثيرة من الأسماك المرتبطة بالشعاب المرجانية مثل سمك الفراش وسمك الببغاء «القين» الذي يقتات على المرجان نفسه ويطحن الصخور المرجانية في معدته المتحورة لذلك الغرض. سجل في الخليج حوالي 60 نوعا من حيوان المرجان أما في مياه البحرين فيوجد حوالي 30 نوعا فقط. من المناطق المرجانية أو «الفشوت» ـ كما نعرفها محليا ـ فشت العظم والجارم وبولثامة في البحرين التي تعرضت في السنوات الأخيرة لانتكاسة كبيرة وتقلص في حجم وعدد أنواع المرجان.

الحشائش البحرية: يوجد ما لا يقل عن ثلاثة أنواع من الحشائش البحرية وهي مناطق غنية وتشكل مصدر غذاء للكثير من الحيوانات البحرية مثل سمك الصافي إضافة إلى بقر الصيد ذي الأهمية العالمية الذي توجد منه الآلاف في مياه الخليج من ضمنها المنطقة بين جزر حوار وجزيرة البحرين.

الجزر الصغيرة: عشرات الجزر الصغيرة المتناثرة في مياه الخليج الضحلة تشكل مواقع مهمة لتكاثر السلاحف والطيور البحرية. فالسلاحف الخضراء وصقرية المنقار تتكاثر في جزر الخليج وتعتبر هذه الجزر ـ مثل كاران المحمية بالسعودية ـ من المناطق المهمة على المستوى العالمي. من الطيور البحرية التي تتكاثر في الجزر الصغيرة بالمنطقة غراب البحر السوقطري «اللوه» وخطاف البحر والبلشون. ولذا فإن الكثير من هذه الجزر الخليجية تحتاج إلى نظام حماية فعال لأهميتها العالمية.

ويبدو جليا التنوع الكبير الموجود لدينا في البيئة البحرية وتكمن أهميته في أن الكثير من الكائنات تشكل موارد طبيعية من الضرورة استخدامها بشكل مستدام، فيمكننا الاستفادة منها وفي الوقت نفسه الحفاظ عليها للأجيال المقبلة.

ونظرا إلى مشاريع التنمية المتزايدة منذ مطلع القرن الماضي فإن البيئة البحرية في خليجنا تتعرض إلى نشاطات بشرية كثيرة مما يعمل على تقلص البيئات الطبيعية وتعرضها لتغييرات كبيرة بسبب الردم والحفر والتعدين. كما تساهم المخلفات الصناعية التي تقذف في البحر والتلوث النفطي وتصريف المجاري والمياه الساخنة التي تخرج من محطات التحلية والصيد الجائر في مضاعفة الضغوط التي تواجه الكائنات البحرية التي تتعرض إلى تحديات طبيعية من حرارة وملوحة.

إن البيئة البحرية التي اعتمد عليها الأجداد والآباء مصدرا للرزق ولم يغيروا كثيرا من طبيعتها، نجد لزاما علينا اليوم إعادة النظر ومراجعة كل الأنشطة والسياسات المتبعة في منطقتنا والعمل على تبني إجراءات وقائية وتقويمية ومشاركة كل فئات المجتمع في خطط التنمية المستدامة للموارد البحرية

العدد 26 - الثلثاء 01 أكتوبر 2002م الموافق 24 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً